IMLebanon

فصلٌ بين “البلدية” و”الرئاسية”

election

 

كتب الان سركيس في صحيفة “الجمهورية”:

تُشكّل الاستحقاقاتُ الضاغطة على المشهد السياسي اللبناني عبئاً كبيراً على القوى السياسية، إذ إنّ الفصل بينها صعب، لا بل مستحيل، في بلد كثرت فيه المشكلات والأزمات وندُرت الحلول.تُدرك القوى السياسية في غالبيّتها أنّه لا يمكنها عزل لبنان عن تداعيات الحرب السورية وأحداث المنطقة على رغم كلّ المحاولات السابقة التي باءت بالفشل، إذ إنّ العامل الجغرافي والترابط الديموغرافي لدى بعض الفئات اللبنانية مع السوريّين جعَل الواقع الجيوسياسي أقوى من أمنيات القوى الإستقلالية التي تحلم بحياد لبنان كحلّ لمعظم أزماته، وصونه من الذوبان في المحيط أو تأثره بالهزات الإرتدادية لحروب المنطقة.

وإذا كان قسم كبير من القوى السياسية رَهن الاستحقاق الرئاسي للهبّات الاقليمية والدولية السلبية والإيجابية من دون أن يقبض فوائد، إلّا أنّ غالبية القوى تُحاول فصل الإنتخابات البلدية والإختياريّة عن الإنتخابات الرئاسية، لأنه لم يعد بإمكانها الضرب في جسم الديموقراطية بهذا الشكل المفرَط على رغم عدم الحماسة الزائدة لمعارك في زواريب المدن والبلدات والدخول في تصدّعات داخل البيت الواحد، خصوصاً أنّ التركيز هو على الصراع الكبير الدائر في أرجاء المنطقة.

والسبب الإضافي الذي يدفع القوى السياسية إلى الاستجابة لمطلب إجراء الانتخابات البلدية هو التخوّف من أن يشعل تأجيلها إنتفاضة ثانية شبيهة بانتفاضة النفايات، لأنّ هناك رأياً عاماً ضاغطاً بدأ يتشكّل وينمو.

وعلى رغم معرفة السياسيين أنّ هذا الرأي العام لم يستطع تغيير شيء في ملف النفايات لكنهم يعلمون جيداً أنّ فشل قيادة الحراك المدني كان السبب وليس رغبة الشعب اللبناني في التغيير، وهو الذي يحرقه غلاء المعيشة وتردّي الوضع الإقتصادي، والأمراض التي تهبّ من أكوام النفايات المكدّسة في الشوارع على أمل ترحيلها.

وبالنسبة الى الوضع الأمني، فيشير معظم تقارير الأجهزة الأمنية الى إمكان إجراء الانتخابات البلدية على دفعات، أيْ محافظة كلّ اسبوع، ما يُسهّل عمل الأجهزة ولا يتطلّب منها حشدَ عدد كبير من عناصرها كما لو أنّ الإنتخابات ستُجرى في يوم واحد في كلّ لبنان، وهذا الأمر يجعلها تتفرّغ للمهات الكبرى الملقاة على عاتقها وخصوصاً في ملفّ مكافحة الإرهاب.

أما الفتوى الأساسية لإتمام الانتخابات البلدية بعد تأجيل الإنتخابات النيابية مرتين، فهي سياسية دستورية. وهذا الأمر يُبرّره أكثر من نائب وخصوصاً من تيار «المستقبل»، حيث يعتبرون أنه لو جرت الإنتخابات النيابية في ظلّ غياب رئيس الجمهورية فإنّ الحكومة ستُعتبر مستقيلة حكماً ولا نستطيع إجراء إستشارات جديدة لتسمية رئيس لمجلس الوزراء وتأليف حكومة، بينما لا تبعات دستورية للانتخابات البلدية والاختيارية، فهي استحقاق محلّي مهمّ للغاية لكنه لا يؤثر في تركيبة السلطة السياسية العليا، أما التمديد للمجالس البلدية فسيُواجَه بموجة رفض عارمة خصوصاً من المجتمع الدَولي الذي يُبدي حرصاً على اللعبة الديموقراطية في لبنان.

وفي هذا الإطار، جال وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق على القوى السياسية، ولمَس منها عدم ممانعة في إجرائها، وفي الموازاة تنطلق تحضيرات وزارة الداخلية على الصعد كافة للتحضير التقني لعملية طويلة، وهذه التحضيرات كانت قد أنجزتها مرّتين في السابق، في سياق الإنتخابات النيابية، لكنّ التأجيل كان سيّد الموقف.

واذا كان الشقّ التقني في عهدة وزارة الداخلية، إلّا أنّ الشقّ السياسي يحتاج الى غطاء الجميع، في حين تحتاج الأحزاب أيضاً الى بروفا إنتخابية لا تسبب لها الكثير من الخسارة، لأنّ أحداً لا يعرف متى تَحين الإستحقاقات الكبرى في بلد المفاجآت والحلول السحريّة، خصوصاً إذا تبدّلت المناخات الإقليمية وأتت كلمة السرّ بإنتخاب رئيس للجمهورية وإجراء إنتخابات نيابية قبل العام 2017، عندها تكون الأحزاب قدّ حمَّت ماكيناتها الإنتخابية على رغم إستبعاد هذا السيناريو الأخير.