IMLebanon

«جنرال إلكتريك» تزعم قيادة الثورة ما بعد الصناعية

GeneralElectric2
إد كروكس

التكنولوجيا الأخيرة التي استخدمتها شركة جنرال إلكتريك لتعزيز الإنتاجية التصنيعية، هي عبارة عن أداة يمكن أن يكون وضعها الطبيعي في متنزه أو حديقة ترفيهية أكثر من كونها في مختبر صناعي.

في مركز البحوث العالمي التابع للمجموعة في نيسكايونا، نيويورك، يمكنك التمتع بإحساس التحليق حول مصنع التوربينات البخارية في سكينيكتادي، التي تبعد مسافة ستة أميال.

يتم إسقاط صورة ضوئية ثلاثية الأبعاد تحاكي الواقع الافتراضي للمصنع، دقيقة تصور كل أداة أو قطعة من الأنابيب، على شاشة ونظارات خاصة. باستخدام وحدة تحكم تشبه في نمطها جهاز بلاي ستيشن، يمكنك التحرك داخل المصنع، والانقضاض على خطوط التجميع أو أن تحوم فوق كومة من المكونات.

استخدام النظام ممتع للغاية، لكن القصد من ورائه عملي جدا، السماح لمهندسي شركة جنرال إلكتريك بالعمل على التصاميم والتخطيط وسير العمل في مصانعها، دون أن تكون موجودا فعليا في الموقع.

إذا كانوا يريدون تحريك قطعة من المعدات الجديدة، على سبيل المثال، يمكنهم استخدام المحاكاة ليروا فيما إذا كانت مناسبة. يمكن أن تساعد أنظمة جمع وتحليل البيانات المتعلقة بالصناعة – المستخدمة فيما لا يقل عن 75 مصنعا من مصانع شركة جنرال إلكتريك البالغ عددها أكثر من 590 مصنعا – في خفض التكاليف بنسبة 15 في المائة أو أكثر، بحسب ما قال التنفيذيون في الشركة.

تعد التكنولوجيا جزءا واحدا فقط من عملية إصلاح جذرية تهدف لتحويل المجموعة التي يبلغ عمرها 123 عاما إلى ما يسميه جيف إيملت، الرئيس التنفيذي منذ أيلول (سبتمبر) لعام 2011، إلى “الشركة الصناعية الرقمية”. في جوهرها يوجد محرك لاستخدام أوجه التقدم في أجهزة الاستشعار، والاتصالات وتحليلات البيانات لتحسين الأداء لديها ولدى عملائها أيضا.

يجري جعل منتجات شركة جنرال إلكتريك كمحركات الطائرات ومعدات توليد الطاقة والقاطرات والماسحات الضوئية الطبية جزءا من “إنترنت الأشياء” – أجهزة متصلة ذكية يمكنها نقل المعلومات وتلقي التعليمات – وتقوم الشركة ببناء قدرات جديدة في البرمجيات لفهم وإدارة تلك الأجهزة.

الفوائد المحتملة للنجاح هي فوائد هائلة بالنسبة لمجموعة قامت ببيع أجزاء كبيرة من أعمالها التجارية، لتعيد التركيز على عملياتها الصناعية.

يقول مايكل بورتر من كلية الأعمال في جامعة هارفارد، “إنه تغيير رئيس، ليس فقط في المنتجات، بل أيضا في الطريقة التي تعمل بها الشركة. هذا سيكون بالفعل تغييرا في قواعد اللعبة في شركة جنرال إلكتريك”.

مع ذلك، إذا تعرضت للفشل، سوف يتين أن هذا عامل حاسم في التعجيل في تفكيك المزيد من أجزاء المجموعة.

قوة إنترنت الأشياء الصناعية لا تزال في بداياتها من حيث الاستكشاف، حيث تقوم الشركات في مجالات عديدة بدءا من التصنيع إلى الطاقة والنقل والتعدين بجمع كميات ضخمة من البيانات، لكنها لا تستخدم سوى جزء منها فقط.

إذا كان بإمكان شركة جنرال إلكتريك النجاح في العثور على طرق لاستخدام تلك المعلومات لخفض التكاليف ورفع الإنتاجية لمنتجاتها وخدماتها، يمكنها كسب ميزة تنافسية حاسمة أمام الشركات المنافسة مثل سيمينز وميتسوبيشي ويونايتد تكنولوجيز ورولز رويس.

كما أنها تهدف أيضا إلى إيجاد مصدر جديد مهم للدخل من خلال خفض التكاليف وتعزيز الإنتاجية لدى الشركات الأخرى، حتى وإن كانت لا تستخدم معدات جنرال إلكتريك.

مع ذلك، يعمل دخول هذا العالم على جلب منافسة جديدة لشركة جنرال إلكتريك. في إعداد نفسها كشركة برمجيات يمكنها مساعدة المجموعات الصناعية الأخرى في جني فوائد الأشياء عبر الإنترنت، ستكون شركة جنرال إلكتريك في مواجهة مع مايكروسوفت وأمازون وآي بي إم وأوراكل وساب.

يقول فرانك جيليت من فوريستر للبحوث، “إن جنرال إلكتريك تخوض سباقا مع شركات التكنولوجيا الأفضل في العالم، والشهرة لهم للمحاولة، لكنني أعتقد أنهم سيجدون أن الوضع أصعب ما كانوا يعتقدون”.

التخلص من قسم التمويل

في نيسان (أبريل) الماضي، بدأت جنرال إلكتريك واحدة من التغييرات الأكثر جذرية في تاريخها، حيث قالت إنها سوف تبيع نحو 90 في المائة من قسم “جنرال إلكتريك للتمويل”، وهي وحدة الخدمات المالية التي قدمت قبل بضع سنوات فقط، نحو نصف أرباح المجموعة البالغة 14 مليار دولار.

لقي ذلك القرار ترحيبا من قبل المحللين والمستثمرين – إذ ارتفعت أسهمها، بعد تخلفها في السوق الأوسع نطاقا خلال معظم فترة إيملت، بنسبة 17 في المائة خلال الأشهر الـ 12 الماضية.

الأزمة التي حدثت ما بين عامي 2007 و2009، التي أرغمت شركة جنرال إلكتريك على خفض توزيعات أرباح الأسهم وفقدان تصيفها الائتماني الممتاز، أقنعت الكثيرين بإمكانية تعرض الشركة للكوارث.

كما أن القوانين التنظيمية التي وضعت لاحقا، التي فرضت أعباء إضافية على “جنرال إلكتريك” باعتبارها “مؤسسة مالية مهمة لسلامة النظام المالي”، كانت تعني بأنه حتى في الأوقات الجيدة بدت العوائد على رأس المال غير جذابة.

مع ذلك، في الوقت الذي ربما كانت فيه الخدمات المالية محفزا اصطناعيا خطيرا، هنالك تساؤل كبير حول مدى سرعة جنرال إلكتريك في النمو من دونها.

عندما تولى جاك ويلتش، سلف إيملت، المنصب في شركة جنرال إلكتريك في عام 1981، اعتبر كثيرون الشركة على أنها “شركة للناتج المحلي الإجمالي”، ذلك النوع من الشركات المملة الكبيرة التي تنمو بسرعة نمو الناتج المحلي الإجمالي نفسه فحسب.

لتجنب تلك الصفة، دخل ويلتش في مجال الخدمات المالية وغيرها من الأعمال الأخرى التي يمكنها النمو بشكل أسرع. من دون تلك الشركات، تواجه “جنرال إلكتريك” توقعات العودة إلى معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي.

شركة جنرال إلكتريك، بما لديها من رسملة سوقية بقيمة 250 مليار دولار، تعد واحدة من العلامات التجارية الأكثر قيمة في العالم. حيث إنها توظف أكثر من 300 ألف شخص، وكانت قطاعاتها الأكثر ربحية العام الماضي هي معدات الطاقة والطيران، حيث أسهمت بنحو 5.5 مليار دولار.

مع ذلك، التباطؤ في الاقتصاد العالمي، وهبوط أسعار السلع الأساسية الذي أضر بأعمال شركة جنرال إلكتريك التي تقدم المعدات لقطاع إنتاج النفط والتعدين، يعني أن أرباح المجموعة لكل سهم من المتوقع أن تكون قد انخفضت بنسبة 21 في المائة العام الماضي.

يتوقع بريان لانجينبيرج، المحلل الصناعي الذي يترأس كلية الأعمال في جامعة أورورا في ولاية إيلينوي، أن يكون نمو المبيعات العضوي لشركة جنرال إلكتريك من الآن فصاعدا متماشيا مع نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي، الذي يتوقع صندوق النقد الدولي بأن يكون بنسبة 3.6 في المائة هذا العام.

مع ذلك، يقدم الإنترنت الصناعي لشركة جنرال إلكتريك أملا في الإفلات من ذلك التوقع غير الملهم. إن انخفاض تكلفة وارتفاع قوة أجهزة الاستشعار، وأجهزة الاتصال، ومعالجة البيانات، يعني أن أي منتج يمكن جعله قادرا على إرسال واستقبال المعلومات والأوامر.

ربط الأشياء بالإنترنت يُعرف اليوم بشكل أفضل من خلال التطبيقات الاستهلاكية مثل الثلاجات التي يمكنها طلب ما تحتاج إليه من مواد البقالة. مع ذلك، من المرجح أن التطبيقات الأكثر أهمية ستكون في مجال الصناعة.

بحلول عام 2025، يمكن أن تكون الفوائد الاقتصادية لربط الأشياء بالإنترنت بقيمة 11.1 تريليون دولار في العام، وفقا لمعهد ماكينزي العالمي. كما يقدر بأن نحو 40 في المائة من تلك المزايا قد تأتي في المصانع ومواقع العمل مثل حقول النفط، مع استئثار قطاع النقل والبنية التحتية الحضرية بنسبة 30 في المائة.

أعمال كبيرة

يعتقد ماكرو أنونزياتا، كبير الاقتصاديين لدى شركة جنرال إلكتريك، أنه في الوقت الذي تحسب فيه الشركات كيفية استغلال قدرات وإمكانات التكنولوجيات الجديدة، يمكن إطلاق العنان لثورة إنتاجية جديدة في الصناعة.

منذ عام 2010، تعرضت الإنتاجية في مجال التصنيع الأمريكي للركود، مرتفعة فقط بنسبة 1 في المائة سنويا مقارنة بالنمو السنوي البالغة نسبته 4 في المائة خلال العقدين السابقين. يقول أنونزياتا، إن الإنترنت الصناعي يمكن أن يساعد في إرجاع تلك المعدلات المرتفعة من النمو، “إن أول ثورة في عالم التكنولوجيا والمعلومات جاءت في التسعينيات، استخدام الحاسوب كطريقة لجمع وتنظيم المعلومات. أما الآن فنقوم حرفيا بصناعة آلات أكثر ذكاءا. هذا الربط بين الأمور الرقمية والمادية يعد أمرا لم نشهده من قبل قط”.

يستشهد بشركات التعدين، التي تتعرض لضغوط ضخمة من أجل خفض التكاليف بسبب أسعار السلع الضعيفة، كمثال على الشركات المهتمة بحرص بقدرات التكنولوجيا.

لقد سجلوا بالفعل كميات كبيرة من البيانات – حيث تقول شركة تيك للموارد في كندا إن لديها 200 من أجهزة الاستشعار مركبة على كل شاحنة تعدين – وإذا تمكنوا من تحليلها بشكل صحيح، يمكنهم اكتشاف طرق وأساليب لتحسين الكفاءة، مثل التنبؤ بدقة أكبر عندما تحتاج القطع المتعطلة إلى استبدال، ما يقلل من الوقت عندما تتعطل الآلات باهظة الثمن.

تقول شركة جنرال إلكتريك، إنه لدى أحد عملائها في التعدين، الشاحنات التي كانت متاحة سابقا للاستخدام بنسبة 70 في المائة من الوقت أصبحت الآن متاحة بنسبة 85 في المائة من الوقت.

يقول جيم هيبلمان، الرئيس التنفيذي لشركة بي تي سي، شركة برمجيات تعمل مع شركة جنرال إلكتريك وغيرها من شركات التصنيع، إن ذلك النوع من الطفرة في الإنتاجية يمثل ميزة تنافسية حاسمة.

يقول، “إذا كان لديك من 10 إلى 20 في المائة من ميزة التكلفة على منتج ما بهوامش تراوح نسبتها ما بين 3 إلى 5 في المائة، فإنك ستتفوق تماما على المنافسة”.

يعتقد المسؤولون التنفيذيون في شركة جنرال إلكتريك إنها قد تكون في طليعة هذه الثورة، حيث تنفق الشركة مليار دولار سنويا على تعزيز قدراتها الرقمية، بتوظيف ألف من مهندسي البرمجيات وعلماء البيانات وتأسيس مركز جديد لتحليل البيانات في سان رامون في ولاية كاليفورنيا، مقابل خليج سان فرانسيسكو من وادي السيليكون.

في الشهر المقبل، من المتوقع أن تطلق الشركة بريديكس، منصة البرمجيات لإدارة وتحليل البيانات الصناعية.

يقول بيث كومستوك، الذي يقود تطوير الأعمال الجديدة لدى شركة جنرال إلكتريك، “في الصناعة، هنالك الكثير من الأشياء التي لا يعرف الناس كيف يجدونها ولا يعرفون طريقة عملها. يمكننا تحليل طريقة عملها، ويمكننا التنبؤ بما سيحدث”.

هذا التحليل سوف يتم تطبيقه على كل من منتجات جنرال إلكتريك وعلى تلك المنتجات التي صنعتها الشركات الأخرى. ويشير إيملت إلى أن القاطرة الحديثة تعد “مركزا متداولا للبيانات”.

بتحليل تلك البيانات والإسناد الترافقي مع نظام إدارة حركة المرور في السكك الحديدية، وإرسال التعليمات إلى القطارات، تستطيع شركة جنرال إلكتريك الحصول على ميل إضافي لكل ساعة من السرعة، لدى مشغلي السكك الحديدية الأمريكية بما يعادل 200 مليون دولار سنويا من الأرباح الإضافية.

وبالمثل، تعمل شركة توشيبا على مشروع تجريبي مع شركة جنرال إلكتريك لتطوير تطبيق يستخدم لتثبيت وتشغيل وصيانة المصاعد.

تتوقع شركة جنرال إلكتريك استخدام بريدكس لتسريع النمو، مع وجود نصف مليون منتج قيد الإدارة بحلول العام المقبل. تقول كومستوك إن كثيرا من العملاء سوف يرغبون في أن تقدم لهم شركة جنرال إلكتريك حزمة متكاملة من المنتجات والخدمات ذات النتاجات المحددة، مع كون تحليل البيانات جزءا أساسيا من الحزمة.

حتى الآن، تعد شركة جنرال إلكتريك الشركة الصناعية التي حققت أقوى التزام إزاء الإنترنت الصناعي، على الرغم من أن الشركات التصنيعية الأخرى مثل بوش الألمانية وشنايدر إلكتريك الفرنسية، كانت آخذة أيضا بالبدء في استكشافه. وقد أعلنت شركة سيمينز، المنافس الأوروبي الرئيس لشركة جنرال إلكتريك، عن مبادرات تجريبية فقط.