IMLebanon

المسنّون في لبنان من دون دواء ولا استشفاء

كتب يوسف دياب في” الشرق الاوسط”:

تخطّت اللبنانية إنعام الحلبي الثمانين من عمرها، لكن كابوس الشيخوخة يطاردها كلّ يوم، وتزداد قلقاً ما دامت تعيش ببلدٍ قيمة الإنسان فيه ليست أولوية، فكيف بالمسنين الذين تجتاحهم الأمراض، ويفتقدون التغطية الطبيّة سواء من وزارة الصحة أو الضمان الاجتماعي أو شركات التأمين الخاصّة؟

وحال إنعام كحال أكثر المتقدمين في العمر الذين وجدوا أنفسهم من دون ضمانات صحية. تروي إنعام بألم وحسرة كيف انقلبت حياتها رأساً على عقب: «قبل الأزمة كنّا بخير»، تقول السيّدة المسنّة، وتضيف: «كنت أُعالَج أنا وزوجي على نفقة الضمان الاجتماعي، وكنا مسجَّليْن على اسم ولدنا الوحيد الذي يعمل في شركة خاصّة، لكن بعد الأزمة فقدنا التغطية الطبية، لأن صندوق الضمان يسدد فواتير المعاينات الطبيّة والاستشفاء والفحوصات على تسعيرة 1500 ليرة للدولار الواحد، بينما تتقاضى المستشفيات والمختبرات مستحقاتها على دولار الـ90 ألف ليرة». وتؤكد أن «تكلفة معاينة الطبيب والتحاليل الطبية تستلزم تأمين نحو 400 دولار أميركي كل 3 أشهر، وولدي بات عاجزاً عن تسديد هذا المبلغ».

جانب من الاحتجاجات للمطالبة برفع الحد الأدنى للأجور أمام السراي الحكومي في بيروت الأحد (إ.ب.أ)
حال إنعام أفضل من زوجها الذي طوى قبل أيام عامه الـ91 مع وضعٍ صحّي ينذر بالأسوأ، وتقول بحسرة: «زوجي يحتاج إلى 9 أنواع من أدوية الأمراض المزمنة لا يمكنه الاستغناء عنها». وتشير إلى أن ولدها «قصد معظم شركات التأمين الخاصة، وحاول الحصول على بطاقة تأمين (insurance)، كلّها رفضت تأميننا لكوننا تجاوزنا الثمانين من العمر». وتختم إنعام: «نتمنّى الموت كلّ ساعة، الموت أرحم من الحياة في بلد لا قيمة فيه إلّا للأغنياء وأصحاب الثروات».

أزمة المسنين
حكاية إنعام ليست حالة فريدة في لبنان، بل هي نموذج صارخ لما يعانيه المسنّون الذين ينتظرون قدَراً محتوماً، واللافت أن المحنة لا تطول العاجزين عن الالتحاق بشركات التأمين، بل تنسحب حتى على المؤمَّن عليهم المتقدمين في العمر، إذ تتنصّل بعض الشركات من التزاماتها تجاههم. ويشير فادي. خ. الذي يعمل في مهنة حرّة، إلى أنه «ملتزم بتسجيل والديه في إحدى شركات التأمين من أكثر من عقدين»، ويكشف لـ«الشرق الأوسط» أن والدته البالغة من العمر 76 عاماً «اضطُرت إلى دخول المستشفى، وإجراء عملية طارئة، غير أن الصدمة أتت من شركة التأمين التي تنصّلت من تغطية تكلفة العملية والعلاج، لكونها متقدمة في السنّ».

ويعبّر عن غضبه لأن «العملية الطارئة تأخرت ساعات، وكلّ محاولاته باءت بالفشل لولا تدخل المحامي الذي لوّح برفع دعوى قضائية ضدّ الشركة التي طلبت مبلغاً إضافياً قدره 2000 دولار للقبول بتغطية العملية».

تأمين صحي لكبار السن
رئيس جمعية شركات التأمين (ACAL) أسعد ميرزا استغرب حدوث هذه الحالة، وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «مؤسسات التأمين ملتزمة بتوفير التغطية الصحيّة الشاملة للمؤمَّن عليهم لديها حتى الموت، شرط أن يكونوا منتسبين قبل بلوغ السبعين عاماً، وهذه التغطية مؤمَّنة لـ720 يوماً». واعترف ميرزا بأن الشركات «لا تقبل تأمين الذين بلغوا السبعين من العمر ولم يكونوا منتسبين قبل ذلك، لأنه لا يمكنها أن تحلّ مكان الدولة».

ثمّة حالات يمكن قبول المسنين لكنها من دون فائدة، ويوضح وليد هاونجي، وهو وكيل عدد من شركات التأمين الخاصّة، أن «الشركات ملزَمة بتغطية نفقات المرض والعلاج لكبار السنّ إذا كانوا مؤمَّناً عليهم منذ سنوات، أي قبل إصابتهم بمرض عضال أو مزمن». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لدينا منتسبون للتأمين هم الآن بعمر الـ94 عاماً، لكنهم انتسبوا قبل سنوات طويلة». وأضاف هاونجي: «شركات التأمين مستعدة لتوفير البطاقة الصحيّة لمنتسبين جدد من كبار السنّ، لكنّ هذه البطاقة لا تغطي الأمراض المزمنة والمستعصية التي يعانيها المريض قبل انتسابه»، مشيراً إلى أن «التأمين الجديد يشمل حالات الطوارئ فقط، أي إذا أصيب المؤمَّن عليه بكسر أو بحادث معين، أما إذا أصيب بانتكاسة صحيّة نتيجة ما يعانيه سابقاً، أي أمراض القلب والضغط والسكري والسرطان، فلا يمكن شمولها بالتغطية». وأوضح أنه «إذا جرى تأمين أحد كبار السنّ، ولم يصب في السنة الأولى بعارض صحّي، يمكن تجديد بطاقته في السنة التالية مع شمول أمراض مزمنة، لكن تكلفتها تكون مرتفعة وتتراوح بين 3000 و10000 دولار أميركي».

ممثلات عن منظمات طبية دولية خلال زيارة إلى مركز طبي تديره مؤسسة «عامل» الدولية (عامل)
صناديق التعاضد
ما بين مؤسسات الدولة الضامنة التي وضعت خارج الخدمة، وبين شركات التأمين التي «تنحر» المواطن، ثمة حلول بديلة يمكن اللجوء إليها، إذ أوضح رئيس اتحاد صناديق التعاضد الصحية قي لبنان غسان ضو أن «صناديق التعاضد هي مؤسسات اجتماعية لا تتوخى الربح، ومنصوص عليها في مرسوم إنشائها». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن صناديق التعاضد التي تنتمي إلى مديرية التعاونيات اللبنانية «تعمل على مواجهة الهمّ الاستشفائي للمواطن اللبناني، بغض النظر عن عمره وحالته الصحية».

وسأل: «كيف يرتاح رب الأسرة عندما تطلب المستشفى آلاف الدولارات مسبقاً قبل دخول المريض، وهذا ما يخلق قلقاً كبيراً عند الناس». وأضاف: «لا سقف لعمر المنتسبين إلى صندوق التعاضد الاستشفائي، نحن ندرك أنه عندما يتجاوز الشخص السبعين من العمر تصبح احتمالات إصابته بالمرض وحاجته للاستشفاء كبيرة جداً، ولدينا كثير من المشتركين من كبار السن، ولقد احتفلنا قبل أسبوعين بمنتسب للصندوق أتمّ الـ100 عام من العمر».

وذكّر رئيس اتحاد صناديق التعاضد الصحي بأن «الضمان الاجتماعي وسائر الهيئات الضامنة الحكومية، كانت تحصّل اشتراكاته قبل الأزمة على الليرة اللبنانية وتسدد 90 في المائة من قيمة الفاتورة الاستشفائية، أما اليوم فباتت المستشفيات والمراكز الطبية تستوفي الفاتورة على سعر 89000 ليرة للدولار». وشدد ضو على أن «اتحاد صناديق التعاضد الصحي يسعى لتحقيق هدف رئيس، وهو أن تتوافر رعاية صحية لكل الناس دون تفرقة أو تمييز، لأن قدرة الجماعة المتعاضدة أقوى من قدرة المواطن وحده».

الضمان الاجتماعي
ومن جهته، أقرّ مدير عام الضمان الاجتماعي الدكتور محمد كركي بصعوبة «الهمّ الاستشفائي لدى الناس منذ انهيار قيمة العملة الوطنية»، وكشف لـ«الشرق الأوسط»، أن مجلس إدارة الضمان «حقق نقلة نوعيّة ومقبولة في الأيام الماضية، حيث اتخذ قراراً بتسديد 60 في المائة من القيمة الفعلية لفاتورة الأدوية للأمراض المزمنة شرط أن تكون أدوية «جنيريك». وقال: «أعدنا هندسة كل تقديمات الضمان الاجتماعي، وبات بإمكان المضمونين الاستفادة من 620 نوعاً من الدواء بتغطية 60 في المائة من قيمتها»، مشيراً إلى أن «الزيادة شملت أيضاً معاينات الأطباء المختصّين، وباتت قيمة المعاينة مليون ليرة لبنانية (ما يعادل 11 دولاراً أميركياً).

وأكد كركي أن الضمان «اتخذ قراراً برفع فاتورة الاستشفاء، وهذا القرار سيوضع موضع التنفيذ خلال أسبوعين المقبلين»، موضحاً أن «القرار يقضي بأن يدفع الضمان ما نسبته 50 في المائة على 3200 عملية جراحيّة، وأيضاً نفس النسبة للعلاج الاستشفائي في كل المستشفيات اللبنانية، وذلك بدلاً من نسبة الـ90 في المائة التي كان يسددها قبل الأزمة».