IMLebanon

روسيا مُحاصَرة إقتصادياً.. والروبل يتهاوى

Ruble-Russia
برفوسور جاسم عجاقة
يواصل الروبل الروسي تقهقره مقابل الدولار الأميركي مع إستمرار إنخفاض أسعار النفط العالمي – المورد الرئيسي للخزينة الروسية. هذا الواقع يُبعد أيّ أمل بخفض الفوائد التي ترزح تحتها الشركات الروسية والمواطنون الروس. فإلى أيّ مدى يُمكن الإستمرار على هذا الوضع وما هي السيناريوهات المطروحة؟
من 32.86 في أول العام 2014 إلى 84.08 روبل للدولار الواحد في 21 كانون الثاني 2016 أيْ ما يزيد عن 60% هي نسبة إنخفاض الروبل الروسي مقابل الدولار الأميركي.

يعود السبب بالدرجة الأولى إلى تراجع أسعار النفط العالمية والتي إنخفضت بنسبة 68.24% في الفترة نفسها ما يُظهر مدى تعلق الاقتصاد الروسي بالنفط وإعتماد مداخيل الخزينة الروسية على مداخيل النفط (أكثر من 50% من مداخيل الدولة). هذا الواقع المرّ لروسيا يتزامن مع إستراتيجية عسكرية توسّعية لموسكو وفي ظلّ عقوبات دولية تحرم الاقتصاد الروسي من العنصر الأساسي لتطوّره – الإستثمارات.

ويدفع الإحتياط الروسي من العملات الأجنبية والذهب ثمناً كبيراً يتمثل بإنخفاض من 510.5 مليار دولار أميركي في أول العام 2014 إلى 368.3 مليار دولار في 21 كانون الثاني 2016 (أي إنخفاض بقيمة 142.2 مليار دولار أميركي) لتتحقق بذلك الأهداف الأميركية والسعودية بلجم قدرة روسيا العسكرية. لكنّ المُتضرّر الأكبر من كلّ هذا يبقى الاقتصاد الروسي وبالتحديد الشركات الروسية والمواطن الروسي.

فمحاربة التضخّم فرضت على المصرف المركزي الروسي رفع الفوائد في العام 2014 إلى 17% وهذا ما أثقل حمل القروض على الشركات الروسية التي تجد مُشكلة في تصريف بضائعها مع العقوبات الغربية وزيادة كلفة إستيراد البضائع من الخارج، ومع منافسة البضائع الصينية. وعلى هذا الصعيد، تراجعت صادرات قطاع السيارات بنسبة 27% في الأشهر الست الأولى من العام 2015 وبالنسبة نفسها تقريباً في الشق الثاني من العام.

كما أنّ ارتفاع الفوائد يضرب الإستثمار الداخلي وحتى الأجنبي نتيجة المخاوف من زيادة التضخم وبالتالي خطر خسارة رأس المال المُستثمر. وبالتالي ومع تراجع الروبل أكثر هناك إحتمالان أمام المصرف المركزي: الأوّل يتمثّل بالتدخل في الأسواق لشراء العملة الوطنية ما يعني تآكل أكبر للإحتياط الروسي من العملات الأجنبية؛ والثاني رفع الفائدة وهذا يعني ضرب الاقتصاد بشكل كبير نتيجة ضرب الشركات والمواطن الروسي مع إنحسار المداخيل على عملة الروبل!

من هنا نرى الموقف الصعب للمصرف المركزي الروسي والذي أطلق جرس الإنذار الإثنين الماضي وطالب بحلٍّ سياسي على صعيد الحكومة كي لا تصلّ الأمور إلى حدّ الكارثة كما حصل في العام 1998 حين حذفت روسيا ثلاثة أصفار من عملتها (يعني كلّ ألف روبل قديم تُساوي 1 روبل جديد).

هذا الواقع الاقتصادي يدفع بالإقتصاد الروسي إلى الإنكماش حيث وبحسب دراسة صندوق النقد الدولي التي ظهرت حديثاً، ومن المُتوقع أن ينكمش الاقتصاد الروسي بنسبة 1% هذا العام مقارنة بـ 2.8% توقعتها الحكومة الروسية.

كل هذا يُنذر بأزمة كارثية شبيهة بأزمة العام 1998 وذلك بحكم ثلاثة عوامل:

أولاً: هشاشة الاقتصاد الروسي مع تراجع أسعار النفط ومع العقوبات الغربية على روسيا، وهذان الأمران أدّيا إلى تراجع المداخيل وحرمان الاقتصاد الروسي من الإستثمارات إذ إنها تراجعت بقيمة 128 مليار دولار أميركي في العام 2014 و60 مليار في العام 2013.

ثانياً: الحذر العالمي والمحلّي من التضخم. هذا الأخير له تداعيات رئيسة على أسعار المواد الغذائية المُستوردة من البلدان التي تفرض عقوبات على روسيا ما يُشكل رافعة للتضخم!

ثالثاً: غياب أيّ خطط من قبل السلطات الرسمية وهذا ما تمّت ترجمته بخطوات تقليدية لها مفعول سلبي على الاقتصاد كما تمّ الذكر أعلاه. لكن يبقى القول إنّ هناك عدداً من المُعطيات التي تُراهن عليها روسيا لتصحيح الوضع. هذه المعطيات تتمثل بـ: (1) الإحتياط الروسي من العملات الأجنبية والذي يبقى على مُستوى عالٍ على الرغم من سرعة تآكله، (2) الدعم الإيراني المُحتمل والذي يتمثل بدعم مالي مباشر و/أو دعم تجاري عبر إستخدام روسيا لإيران لتصريف البضائع، (3) تقهقر الصناعة النفطية الصخرية في الولايات المُتحدة الأميركية عبر الضغط أكثر على أسعار النفط نزولاً لوقف الإنتاج الأميركي أو على الأقلّ تقليله. (4) فرض نظام في سوريا لصالح روسيا يمنع أيّ مخطط لإمداد أوروبا بغاز غير الغاز الروسي.

لكنّ هذه المراهنات تبقى رهنَ تطوّر الاقتصاد العالمي والذي تنصّ التوقعات على أنّ تراجع الأسعار فيه قد يؤدّي إلى إنكماش كبير شبيه بأزمة 2008 مع عامل جديد وهو فقدان المصارف المركزية القدرة على إمتصاص الأزمات خصوصاً مع حجم الأموال التي ضخّتها في الاقتصاد وطبع الكثير من العملة.