IMLebanon

الصين تلجأ للشرق الأوسط لإعادة التوازن إلى الاقتصاد العالمي المتباطئ

ChinaMiddleEast

أسماء الخولي

في عالم موازٍ للتباطؤ الاقتصادي العالمي والانهيارات المستمرة في أسواق المال والسلع العالمية، لجأت الصين، التي تعتبر الأكثر تأثيرا في نمو الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن لتعزيز وجودها في منطقة الشرق الأوسط، للعمل على إعادة الاستقرار في المنطقة من جانب، وفتح مساعٍ تجارية واقتصادية جديدة على الجانب الآخر.

وبداية بالسعودية، ومرورًا بمصر وإيران، بدأ الرئيس الصيني شي جين بينغ جولاته، الأسبوع الماضي، وهي الزيارة الأولى للدول الثلاث منذ توليه منصبه قبل ثلاث سنوات. وتأتي الزيارة في وقت تقطع فيه السعودية علاقاتها الدبلوماسية بإيران، فضلا عن تعرض الدول المصدرة للبترول في المنطقة إلى بعض المصاعب مع انهيار أسعار النفط عالميًا.

اتفاقيات التعاون المشترك

بغرض تطوير العلاقات الاستراتيجية مع السعودية، أكبر اقتصاد عربي، وقع جين بينغ، يوم الثلاثاء الماضي، مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، 14 اتفاقية من بينها اتفاقيات في مجالات التعاون النووي، بالإضافة إلى الاقتصاد، والتقنية، والملاحة، والاستثمار الصناعي، والاتصالات والمعلومات، والتطوير البيئي، والتنمية، والطاقة المتجددة.
وتصدرت الطاقة أجندة المحادثات التي أجراها الرئيس الصيني في السعودية، فضلا عن مناقشة التكنولوجيات النووية والشمسية، علمًا بأن السعودية تخطط لإنتاج طاقة كهربائية بمقدار 55 غيغاواط من الطاقة الشمسية بحلول عام 2032، والتخلي تمامًا عن إحراق النفط والغاز لهذا الغرض. ويمكن أن تساعدها الصين في ذلك، إذ إنها تعد من أهم البلدان المنتجة للبطاريات الشمسية في العالم.

التبادل التجاري بين البلدين

تظهر البيانات الرسمية نمو العلاقات التجارية بين السعودية والصين، إذ وصل حجم التجارة بين البلدين إلى 69.1 مليار دولار أميركي في عام 2014، مقارنة مع 10.3 مليار دولار عام 2004. ويعتبر النفط والغاز الطبيعي من أهم ركائز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، حيث استمرت الصين في شراء كميات كبيرة من النفط الخام لملء احتياطاتها الاستراتيجية من النفط رغم تباطؤ النمو بها خلال العام الماضي، وترغب السعودية في أن تحافظ الصين على مكانتها كأكبر بلد مستورد للنفط السعودي، في ظل تنوع الواردات الصينية من الطاقة.
وتتصدر السعودية دول الخليج في الشراكة الاستثمارية مع الصين، إذ بلغ حجم الاستثمارات الصينية في السعودية خلال عام 2014 نحو 730 مليون دولار، فيما قُدرت الاستثمارات السعودية في الصين بنحو 30.61 مليون دولار، وبلغ عدد المشاريع السعودية الصينية المشتركة نحو 88 مشروعًا برأسمال مستثمر بلغ نحو 537 مليون دولار.
ووفقًا لتوقعات مؤسسة «جيمس تاون فاونديشن» الأميركية، ستصبح الصين أكبر سوق تصديرية لدول الخليج العربي في عام 2020، بقيمة صادرات تقدر بنحو 142 مليار دولار، وواردات تصل لنحو 137 مليارًا، ليبلغ حجم التبادل التجاري بين الصين ودول الخليج نحو 279 مليار دولار. وتتطلع السعودية إلى زيادة الاستثمارات في التجارة غير النفطية في الصين، بما فيها التعدين والجواهر وتجارة التجزئة والتكنولوجيا الحيوية.

الشراكة النفطية

لسنوات كثيرة مضت، امتدت لأكثر من 25 عامًا، والصين تعتمد على الخليج العربي في تأمين الجانب الأكبر من وارداتها النفطية. ومنذ أن انخرطت الصين في الاقتصاد العالمي وبدأت عملية الإصلاح والانفتاح، وهي تسعى لتأمين احتياجاتها من السلع والموارد الأساسية، مما جعلها تعزز علاقاتها مع دول الشرق الأوسط لضمان حصولها على نفط الخليج.
وكان اتفاق التعاون الاستراتيجي الذي وقعته كل من السعودية والصين في عام 1999 منعطفًا مهمًا في مسيرة تعاونهما النفطي. وتطورت علاقات التعاون بين البلدين حتى أصبحت السعودية أكبر شريك تجاري للصين في غرب آسيا ومنطقة الشرق الأوسط للسنة الثالثة عشرة على التوالي، وحلت الصين من جانبها محل الولايات المتحدة، لتكون أكبر شريك تجاري للسعودية منذ عام 2011.
وترغب السعودية في التعاون مع الصين في مجالات داخل وخارج القطاع النفطي، فعلى الرغم من انهيار أسعار النفط عالميًا وتعدد مصادر الطاقة أمام الصين؛ يبعث افتتاح الرئيس الصيني لمركز الملك عبد الله لأبحاث البترول في الرياض، وكذلك تدشين شركة «ينبع أرامكو سينوبك» (ياسرف) لتكرير النفط، برسالة اطمئنان بأن الصين ستواصل اعتمادها على النفط المتدفق من السعودية. وتسعى شركات الطاقة الصينية للقيام بدور أكبر في كل من السعودية وإيران اللتين تزودان الصين بنحو ربع وارداتها النفطية.

«طريق الحرير»

يمتد الاهتمام السعودي بالصين ليشمل شراكة في المشروع العالمي الذي أطلقه الرئيس الصيني والمعروف بـ«طريق الحرير»، والذي يشمل 56 دولة في قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا، يبلغ إجمالي عدد سكانها مجتمعة 4.4 مليار نسمة، أي ما يعادل 63 في المائة من سكان العالم، ويبلغ حجم اقتصاداتها 21 تريليون دولار، أي 29 في المائة من الاقتصاد العالمي الحالي.
وتبلغ تكلفة طريق الحرير نحو 47 مليار دولار، وهو عبارة عن مجموعة من الطرق المترابطة تسلكها السفن والقوافل، بهدف التجارة، وترجع تسميته إلى عام 1877، حيث كان يربط بين الصين والجزء الجنوبي والغربي لآسيا الوسطى والهند.
وسمي طريق الحرير بهذا الاسم لأن الصين كانت أول دولة في العالم تزرع التوت وتربي ديدان القز وتنتج المنسوجات الحريرية، وتنقلها لشعوب العالم عبر هذا الطريق، لذا سمي طريق الحرير نسبة إلى أشهر سلعة تنتجها الدولة التي أطلقته.
وفي سبتمبر (أيلول) عام 2013، أعلن الرئيس الصيني مبادرة جديدة تهدف لتعزيز التعاون الاقتصادي. وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي دعا إلى إعادة إنشاء شبكة الممرات البحرية القديمة لخلق طريق الحرير البحري لتعزيز الربط الدولي ودعم حركة التجارة.
وتسعى الصين إلى تعظيم الاستفادة من الطريق في مضاعفة تجارتها مع الدول العربية من 240 مليار دولار إلى 600 مليار دولار، وتستهدف رفع رصيدها من الاستثمار غير المالي في الدول العربية من 10 مليارات دولار إلى أكثر من 60 مليار دولار، بالإضافة إلى الوصول بحجم تجارتها مع أفريقيا إلى 400 مليار دولار بحلول 2020.
ويبدأ طريق الحرير من الصين، ويمر عبر تركستان وخراسان وكردستان وسوريا إلى مصر ودول شمال أفريقيا مرورًا بأوروبا.
وفي الوقت الذي تشهد فيها اقتصادات الخليج العربي تحولا هيكليًا، معلنة بدء استراتيجية التنويع الاقتصادي، يصبح طريق الحرير الحديث إحدى ركائز التنمية والنهضة الاقتصادية التي تطمح إليها دول المنطقة بالشراكة مع التنين الصيني، لما ينتج عنه من رفع مستوى البنية الأساسية وخلق فرص العمل، وتسريع وتيرة التنمية واستدامتها على حد سواء.

مصر.. بوابة الصين إلى أفريقيا

في أول زيارة لرئيس صيني إلى مصر منذ نحو 12 عامًا، وتزامنًا مع مرور 60 عامًا على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، تأتي الصين لتعزز أُطر التعاون الاقتصادي والتجاري المشترك مع مصر باعتبارها البوابة الأهم للنفاذ إلى القارة الأفريقية. وفي مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الخميس الماضي، أكد جين بينغ على أهمية التكامل مع مصر وتوسيع آفاق التعاون في الاستثمار والكهرباء، والطاقة والموانئ، والخدمات اللوجيستية والتكنولوجيا، والنفط والغاز.
وأكد شي جين بينغ، الوزير المفوض والقائم بأعمال السفارة الصينية في القاهرة، أن حجم التبادل التجاري بين القاهرة وبكين بلغ نحو 12 مليار دولار بنهاية عام 2015، مما جعل الصين أكبر شريك تجاري لمصر. بينما بلغ حجم الاستثمار الصيني في مصر 5 مليارات دولار موزعة على مجالات البنية التحتية وتطوير المنطقة الصناعية في السويس والغاز والنفط وغيرها.
وتأكيدًا على الرغبة الصينية في تعزيز التعاون المشترك مع مصر، وقعت مصر والصين 21 اتفاقية ومذكرة تفاهم في عدة مجالات، تمت مناقشة غالبيتها في مؤتمر مصر الاقتصادي في مارس (آذار) 2015، منها مذكرة تفاهم بشأن الحزام الاقتصادي بطريق الحرير وطريق الحرير البحري، ومذكرة تفاهم للتعاون الاقتصادي والفني، ومذكرة تعاون تجاري واقتصادي بالمنطقة الاقتصادية بقناة السويس، ومذكرة تفاهم بشأن تخطيط محور قناة السويس، ومذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال الطيران المدني واتفاقات مهمة أخرى.
ولإعطاء دفعة قوية للتنمية الاقتصادية في مصر، تعتزم الصين بالتعاون مع الحكومة المصرية إقامة 15 مشروعًا في مصر قد يصل إجمالي قيمتها إلى 15 مليار دولار. ومن بين العقود الموقعة اتفاقات عقود مشروطة بين وزارة الإسكان المصرية، وشركة صينية، لتنفيذ المرحلة الأولى من العاصمة الإدارية الجديدة، إضافة إلى عقود القمر الصناعي «مصر سات 2».
ومن أجل تعزيز احتياطيات النقد الأجنبي لدى المركزي المصري، والبالغة نحو 16.4 مليار دولار، وكذا لدعم الموازنة العامة للدولة، وقعت الصين مع محافظ البنك المركزي طارق عامر، الخميس الماضي، اتفاقية تمويل مع الصين بقيمة مليار دولار، ما بين 2016 – 2018، كما وقع البنك الأهلي المصري أيضًا على اتفاقية تمويل مع الصين بقيمة 700 مليون دولار.