IMLebanon

عقود شركات مقدمي الخدمات: من يُحاسب من؟

ElectricityStrike3
لاجتماع الذي يُعقد في وزارة الطاقة والمياه، اليوم، سيحاول حسم الخيارات في شأن مصير عقود شركات مقدمي الخدمات في مؤسسة كهرباء لبنان. الأجواء حتى الآن لا تشي باحتمال الحسم القريب، ولا سيما في ظل الصراع على الريوع بين القوى المسيطرة، وكذلك في ظل تبدّل المواقع والمواقف، إذ كان مفاجئاً أن ينقلب الاستشاري المكلف بالإشراف على هذا المشروع من التسويق لإنجازات، يعتبرها الكثيرون «وهمية»، إلى التعبير عن ميل ضمني لإنهاء المشروع وإعلان فشله

فاتن الحاج

تنتهي في 31 آذار المقبل عقود الشركات الخاصة مع مؤسسة كهرباء لبنان، التي لُزّمت طوال السنوات الأربع الماضية عمليات إدارة شبكات التوزيع وصيانتها والجباية، في عملية «خصخصة» مموّهة، رتّبت أكلافاً باهظة، بلغت بحسب هذه العقود نحو 785 مليوناً و462 ألفاً و727 دولاراً.

وعلى الرغم من أن الفترة الفاصلة حتى الموعد المذكور لا تتعدى 55 يوماً، إلا أن القرار في شأن مصير هذه العقود لا يزال غير محسوم، بل إن هناك تجاذبات كثيرة وحسابات مختلفة تعرقل الوصول حتى الآن الى خيارات مدروسة تحفظ مصالح المؤسسة العامة والمقيمين في لبنان عموماً.
تقول مصادر مطّلعة لـ»الأخبار» إن اجتماعاً سيُعقد اليوم، في وزارة الطاقة، لحسم الخيارات، إلا أن الأجواء التي سبقت تشي بأن الأمر قد لا يُحسم بسهولة، وقد يحتاج الى المزيد من الوقت للوصول الى صيغة محددة. بحسب هذه المصادر، تتدرج الخيارات المطروحة كالآتي:
– تمديد لمدّة سنتين بناءً على دراسة الاقتراحات التي تقدّمت بها الشركات نفسها.
– تمديد «تقني» لمدة 4 أشهر (حتى نهاية تموز) تعويضاً عن التوقف القسري لمدة أربعة أشهر في صيف 2014، نتيجة انتفاضة المياومين، وذلك لتجنب مطالبة الشركات الخاصة بالعطل والضرر.
– الالتزام بمدّة العقود واسترداد المؤسسة لعمليات التوزيع والجباية والعودة الى صيغة «المياومين» أو «عمال غب الطلب»، وهو ما تتفاداه إدارة المؤسسة لمنع تكرار التجربة السيئة السابقة ونتائجها السلبية.
– استرداد العمليات من الشركات الخاصة على أساس صيغة جديدة تسمح بانتظام العمل في المؤسسة، وهو ما يتطلب وقتاً يتجاوز الوقت المتاح حتى 31 آذار، كما يتطلب قراراً سياسياً ليس مضموناً التوافق عليه، ولا سيما أنه يفرض النهوض بالمؤسسة وملء الشواغر في ملاكاتها وتمكينها من القيام بواجباتها… أي الإقلاع كلياً عن مشروع تدميرها تمهيداً لخصخصتها بشكل سافر وكلي.

موقف إدارة المؤسسة

ترفض إدارة المؤسسة التعليق على هذه المعلومات، واكتفى المكتب الإعلامي في ردّه على أسئلة وجهتها «الأخبار» الى رئيس مجلس الإدارة ــ المدير العام كمال حايك عبر البريد بالقول: «جواباً على أسئلتكم، لا بد من التذكير أولاً بأن مشروع مقدمي خدمات التوزيع تعرض لنكسات عدّة منذ انطلاقته في نيسان 2012، كان أهمها الاعتصامات المتكررة التي شهدتها مؤسسة كهرباء لبنان من قبل بعض عمال غب الطلب وجباة الإكراء السابقين، والتي كان آخرها إقفال المبنى المركزي وبعض دوائر المؤسسة مدة أربعة أشهر في صيف 2014، ما أثر مباشرة بشكل سلبي. كذلك فإن فترة الإقفال القسري وما نتج منه من أزمة سيولة لدى المؤسسة خلال الفترة التي أعقبت الإقفال أدت الى عدم بلوغ النتائج المرجوة، إضافة الى عوامل أخرى. حالياً، قام كل من اللجنة المكلفة من قبل المؤسسة والاستشاري NEEDS بإعداد مسودة تقويم ودراسة للمشروع، عرضوا فيها أكثر من خيار، لذلك لا قرار نهائياً حتى الآن بشأن التمديد أو عدمه، حيث إن هذا القرار يجب أن يقترن بدراسات عديدة ومفصّلة تبيّن إيجابيات التمديد وسلبياته، وأن يعرض الموضوع على الجهات المعنية، لأن مشروع مقدمي الخدمات هو من ضمن ورقة سياسة قطاع الكهرباء، واتخذت بشأنه قرارات عدّة من قبل مجلس الوزراء. لذلك سيستمر البحث في هذا الموضوع مع الجهات المعنية خلال عدة اجتماعات ستعقد لهذا الغرض في الأيام المقبلة».
عشية الاجتماع في وزارة الطاقة اليوم، وفي إطار اجتماعاته المفتوحة لمناقشة الخيارات، عقد مجلس إدارة المؤسسة جلسة طويلة أمس، خصصها لدارسة «مسودة التقويم» وتقرير الاستشاري NEEDS. تفيد مصادر على صلّة بالملف بأن مجلس الإدارة يميل أكثر الى رفض التجديد لعقود شركات مقدّمي الخدمات، ولا سيما أن بعض الأعضاء كانوا متحفظين على هذه العقود أصلاً، وهم يستندون اليوم الى تقرير الاستشاري نفسه الذي جاء مفاجئاً في مضمونه، إذ لم يعد متحمساً لاستكمال المشروع الذي كان المسوّق الرئيسي له. وبحسب المعلومات، تعمّد الاستشاري عدم الجزم بشيء، وجاء تقويمه ضعيفاً وغير مستند الى أي أسس علمية، بل لم يتضمن عرضاً لسلبيات أو إيجابيات أي خيار، كما لم يتضمن موقفاً محدداً من أي خيار، كما لو أنه لم يكن معنياً بالإشراف على تنفيذ هذه العقود ومساعدة المؤسسة على الرقابة وحسن التنفيذ. تقول المصادر إن «هناك قطبة مخفية ما في تقرير الاستشاري، فهو انتقل فجأة من التفاخر بإنجازات حققها مشروع مقدمي الخدمات الى موقف يكاد لا يكون مبالياً باستمرار المشروع أو وقفه!».

موقف وزارة الطاقة

ما هو موقف وزارة الطاقة والمياه؟ وهل دخل ملف «عقود مقدمي الخدمات» في بازار الصراعات بين الرئيس نبيه بري والرئيس ميشال عون في ضوء موقف وزير المال علي حسن خليل المعترض (ضمنياً) على تمديد العقود أو تجميدها؟
محاولات الحصول على تعليقات المسؤولين في وزارة الطاقة باءت بالفشل، إلا أن المعلومات تفيد بأن القيّمين على الوزارة يميلون أكثر الى صيغة تُبقي المشروع ولكن بشروط مختلفة. انطلاقاً من ذلك، استبق المتحمسون لشركات مقدمي الخدمات موعد انتهاء العقود في 31 آذار، وأطلقوا ما وصفوه «خطة معالجة إنقاذية» وسموها «خريطة طريق» تسعى إلى تمديد عمر المشروع بعد تقويم التجربة وحل المشاكل العالقة.
وكانت وزارة الطاقة والمياه ومؤسسة الكهرباء والشركة الاستشارية للمشروع «NEEDS» قد حدّدت 31 كانون الثاني الماضي موعداً للخروج بتوجهات حول مصير المشروع، إلا أن المهلة نفدت ولم يتخذ القرار النهائي في وقت أن اللجنة المكلفة من مؤسسة الكهرباء بمراقبة وتقويم أعمال مقدمي الخدمات والشركة الاستشارية (NEEDS) أوصت بعدم التجديد أو التمديد للمشروع ولو ليوم واحد. وهناك أكثرية بين إداريي المؤسسة يشيعون أن التجديد أو التمديد لم يعد خياراً وارداً، بعدما خرجت الصرخة من أداء الشركات ليس فقط من المواطنين والمراقبين وبعض المعنيين في مؤسسة الكهرباء، بل حتى من جانب أكثر المدافعين عن المشروع وعرابيه، ولا سيما الاستشاري. وهؤلاء يعتقدون بأن عقود مقدمي الخدمات ألحقت أضراراً كبيرة بالقطاع من الناحية المالية والفنية، ولا سيما على صعيد هدر المال العام وزيادة العجز، يقول أحد الإداريين «ما كان يحصل في الفترة الماضية هو أن الشركات مارست ضغوطاً لتعطيل الرقابة على أعمالها».

في هذا السياق، بدا لافتاً استنفار نقابة عمال ومستخدمي المؤسسة ضد المشروع عبر بيانات متتالية تتحدث فيها عن تقصير الشركات الملتزمة والشركة الاستشارية، بخلاف موقفها عند انطلاقة المشروع، إذ كان صوت النقابة خافتاً. نسأل رئيس النقابة شربل صالح عن السبب، فيجيب أننا «لم نكن قادرين على الحكم على المشروع في بدايته، وخصوصاً أننا وعدنا بالمن والسلوى وبتحسينات كبيرة ففوجئنا بالسلبية المطلقة، ونعتقد اليوم أنّه لو بقيت أسعار النفط مرتفعة على ما كانت عليه سابقاً لأقفلت مؤسسة كهرباء لبنان بسبب ممارسات الشركات». لم يكشف صالح عن البديل من المشروع الذي لمّح إليه البيان الأخير للنقابة، مكتفياً بالقول «على الأقل خلينا نرجع متل ما كنا قبل الشركات يعني مع متعهدي غب الطلب».
وكان وزير المال علي حسن خليل قد رفض أخيراً فتح اعتماد في موازنة المؤسسة لعام 2015 بقيمة مليارين و167 مليوناً و500 ألف ليرة للتجديد للشركة الاستشارية، لمراقبة أعمال الشركات في ضوء الملاحظات المرفوعة حول أداء الشركة المذكورة. وعدّت هذه الخطوة بمثابة موقف ضد استمرار العقود.

مراحل المشروع ونتائجه

وافقت حكومة سعد الحريري على تلزيم شركات خاصة خدمات توزيع الكهرباء والجباية، كعنصر أساسي من عناصر «ورقة سياسة إصلاح قطاع الكهرباء» التي وضعها وزير الطاقة (حينها) جبران باسيل، وأقرّت بتاريخ 21/6/2010. يومها، تم تقديم مشروع مقدمي الخدمات على أنّه الحل الوحيد المتاح لإصلاح قطاع التوزيع في الكهرباء الذي يصيبه الكثير من الاهتراء والسوء في تقديم الخدمات. وقيل إن المشروع سيؤمن المعالجة الجذرية من خلال تأهيل القطاع وتصليحه وتحديثه ومعالجة النزف الحاصل في المؤسسة، في ظل العجز البشري وإصلاح أوضاع العاملين. وقد شكل هدف تركيب 1,4 مليون عداد ذكي في مختلف المناطق اللبنانية بقيمة 370 مليون دولار، حجر الزاوية في المشروع، والتزمت الشركات الخاصة ببدء تركيب هذه العدادات اعتباراً من شباط 2014، إلا أن شيئاً لم يحصل حتى الآن.
في بداية صيف 2010، تعاقدت وزارة الطاقة والمياه مع شركة استشارية هي NEEDS، ووقّعت المؤسسة آنذاك عقداً مع هذه الشركة بقيمة 10 ملايين دولار، على أن تكون مهمتها مساعدة المؤسسة في إدارة المشروع وتقديم النصح إليها في ما يتعلق به. إلا أن الشكوى كانت عارمة من أداء الاستشاري. أعيد تقسيم الخريطة الكهربائية إلى مناطق ثلاث: منطقة شمال بيروت الإدارية لُزّمت شركة BUS التي تملك معظم أسهمها شركة BUTEC، ومنطقة بيروت الإدارية والبقاع التي لُزّمت الى شركة KVA المملوكة من شركتي «خطيب وعلمي» و«الشركة العربية للإنشاءات»، ومنطقة جنوب بيروت الإدارية التي لُزّمت الى شركة NEUC التابعة لمجموعة «دباس». وفازت هذه الشركات بالعقود الرضائية بقيمة إجمالية بلغت 785 مليوناً و462 ألفاً و727 دولاراً على 4 سنوات، بناءً على التقويم الذي أجرته شركة NEEDS للعروض الفنية والمالية.
وتوضح المصادر أن المشروع انطلق على أساس أنّه سيؤمن تمويله الذاتي من خلال الوفر الذي سيحققه، وقد تمت الموافقة عليه من قبل مجلس الوزراء ووزارة المال وديوان المحاسبة على هذا الأساس. وتذكر أن مدير شركة NEEDS منير يحيى أفاد ديوان المحاسبة في التحقيق الذي أجراه معه في عام 2012 بأن المشروع سيكسب المؤسسة نحو 685 مليون دولار ويخفف السرقات ويحسن الجباية، إلا أن ما حصل كان عكس ذلك تماماً، كما تؤكد المصادر، إذ ازدادت السرقات الكهربائية وساءت أعمال الجباية وتردت نسب التحصيل، فضلاً عن تراكم 38 ألف معاملة، في ظل عدم إمكانية محاسبة هذه الشركات بسبب عقود مبهمة، كذلك ازدادت خسائر المؤسسة وخصوصاً مع تسديدها فواتير شركات الخدمات الباهظة.