IMLebanon

تضارب مصالح الساسة والشركات يهدد فرص الغاز الأميركي بأوروبا

NordStream

موسى مهدي

تعارض المصالح بين الاستراتيجيات السياسية الأوروبية التي تسعى إلى عزل روسيا وتكبيدها أكبر الخسائر في أعقاب ضم جزيرة القرم والتدخل في أوكرانيا، ومصالح الشركات الأوروبية التي تمد المستهلك بالغاز، ربما تضرب فرص تصدير الغاز الأميركي المسال إلى أوروبا وتتيح الفرصة لشركة “غاز بروم” للعودة مجدداً لزيادة حصتها من سوق الغاز في دول الاتحاد الأوروبي. خاصة أن غاز بروم تخفض أسعار الغاز إلى مستويات دنيا لدول مثل ألمانيا وتسعى لتوسيع خطوط إمدادات الغاز إلى أوروبا، عبر مناطق لا تدخل في الحدود الجغرافية لدول الاتحاد. وسط هذه المحددات تواجه صادرات الغاز الأميركي إلى أوروبا مجموعة من العقبات، ربما تجعلها غير منافسة وغير مناسبة للدول الأوروبية. ويمكن تلخيص هذه العقبات في النقاط التالية:

أولاً: سعر كلفة الغاز الأميركي المصدر إلى أوروبا، تقدر بحوالى 4.3 دولارات لمليون وحدة حرارة بريطانية. وهي وحدة القياس في تسعير الغاز إلى جانب المتر المكعب.

وهذا يعني أن الشركات الأميركية ستبيع الغاز إلى أوروبا بسعر أعلى من سعر الكلفة لتحقيق مكاسب من التصدير. وبالتالي يرى خبراء في صناعة الغاز، أن الشركات الأميركية التي تشرع حالياً في تصدير الغاز الطبيعي المسال، ستسعى إلى تحقيق ربح لا يقل عن دولار لوحدة الغاز. وهو ما يعني أن سعر وحدة الغاز الأميركي سيكون في حدود خمسة دولارات على الأقل. وهذا السعر مرتفع كثيراً عن سعر الوحدة التي تصلها عبر الأنابيب من روسيا والتي تقدر بحوالى 3.4 دولارات في السوق الألماني مثلاً.

ثانياً: شركات الطاقة الأوروبية ترغب في التعامل مع مزود ثابت ومضمون، يؤمن لها الإمدادات من الغاز على المدى الطويل وبسعر ثابت. وهنا يلاحظ أن الشركات الأميركية المصدرة للغاز المسال، ستتنافس مع كل من قطر وروسيا. لأنهما الدولتان اللتان تملكان احتياطات ضخمة ومنشآت لتصدير الغاز. فروسيا لديها أنابيب الغاز التي تمد أوروبا بالغاز لعقود. ولكنها تستخدم الغاز في ابتزاز أوروبا سياسياً، كما أن لديها أطماعا توسعية، خاصة في أعقاب ضمها جزيرة القرم.

كما سبق لروسيا أن استخدمت “سلاح الغاز” ضد أوروبا في فترات الشتاء، وتركت أجزاء من أوروبا تتجمد. وبالتالي فإن أوروبا تريد بقدر الإمكان تقليل الاعتماد على الغاز الروسي، لأغراض سياسية، رغم أن الغاز الروسي أرخص والإمدادات متوفرة. أما على صعيد المنافس الثاني وهو قطر التي تملك أكبر منشآت للغاز المسال في العالم، وتصدر حوالى 104 مليارات متر مكعب من الغاز المسال إلى أنحاء العالم، فهي مورد مضمون من حيث الإمدادات المتوفرة من الغاز ومن حيث حجم الاحتياطي الضخم الذي يقدر بحوالى 22 ترليون متر مكعب ويضعها في المرتبة الثالثة عالمياً، من حيث احتياطات الغاز العالمية. وكانت قطر ولا تزال تعتمد في صادراتها من الغاز المسال على أسواق آسيا، ولكنها في السنوات الأخيرة بدأت تهتم بالسوق الأوروبي، حيث رفعت حجم حصتها من السوق الأوروبي إلى نحو 10% أو أكثر قليلاً. ولكن على صعيد الغاز المسال المصدر إلى أوروبا،فإن حصة قطر تبلغ 50% تليها حصة الغاز الجزائري المسال البالغة 18% والغاز النيجيري البالغة 17 %. ولكن الشركات القطرية تجد أسعارا أعلى للغاز المسال في آسيا مقارنة بأوروبا.

وفي الظروف الطبيعية، أي قبل انهيار أسعار النفط، كان سعر الغاز المسال في آسيا يتراوح بين 15 إلى 17 دولاراً للوحدة البريطانية، مقارنة بسعر يراوح بين 10 إلى 12 في أوروبا.

ثالثاً: لا توجد منشآت كافية في أوروبا لتحويل الغاز المسال إلى حالته الغازية. وحتى الآن يقدر عدد منشآت تحويل الغاز من وضعه السائل إلى وضعه الغازي، بحوالى 23 منشأة تبلغ طاقتها 144.5 مليون طن. وذلك حسب خبيرة الغاز في مجموعة “يورو آسيا”، باتي غوزمان. وتقدر غوزمان إجمالي واردات أوروبا من الغاز الطبيعي بحوالى 225 مليون متر مكعب سنوياً، تبلغ حصة روسيا منها حوالى 28%.

رابعاً: ترى الخبيرة غوزمان في تصريحات لنشرة “ناتشرال يوروب غاز”، أن الغاز المسال المستورد إلى أوروبا سواء من أميركا أو من مصادر أخرى لن يكون منافساً للغاز المستورد عبر الأنابيب والذي تسيطر عليه شركة “غازبروم” الروسية. وإنما يمكن أن يستخدم الغاز المسال في أوروبا لسد النقص الطارئ أو تنويع الإمدادات.

خامساً: حتى الآن غير معروف الحجم الحقيقي لاحتياطات الغاز الصخري الأميركي، وما إذا كان حجم الإنتاج سيحافظ على مستوياته الحالية، أم سيواصل التذبذب مثلما هو الحال بالنسبة لإنتاج النفط الصخري التي ترتفع وتنخفض وفقاً للكلفة ومعدلات الربحية.

استراتيجيات السياسة ومصالح الشركات

منذ ظهور ثورة الغاز الصخري في أميركا تسعى روسيا إلى إغلاق الباب أمام الغاز الأميركي. ففي آسيا وقعت اتفاقية الـ400 مليار دولار لإمداد الصين بالغاز، وفي أوروبا سعت إلى مضاعفة إمداداتها لألمانيا عبر توسع خطوط أنابيب “نورد ستريم” وخفض سعر الكلفة. وفي المقابل فإن أميركا تستغل ضم روسيا لجزيرة القرم لتضييق الخناق على الغاز الروسي في أوروبا. ويقابل هذا الصراع بين موسكو وواشنطن على أوروبا صراع آخر بين شركات الطاقة الأوروبية التي يهمها السعر الرخيص وضمان الإمدادات، وتجد ذلك عند شركة “غاز بروم” وبين مفوضية الاتحاد الأوروبي التي تبنت استراتيجية خفض الاعتماد على الغاز الروسي. ورغم أن استراتيجية تقليل الاعتماد على الغاز الروسي وتنويع الإمدادات الذي يصب في مصلحة مصدري الغاز الأميركيين، فإن الشركات الأوروبية التي تنفذ عملية الاستيراد وضمان إمدادات الغاز، تقاوم استراتيجية التخلي عن الغاز الروسي. وكدليل على ذلك، فإن الشركات الألمانية تتمسك بخطة توسيع خط “نورد ستريم”. وفي هذا الصدد، يرى خبراء غاز أن النقاش الجاري حالياً في الاتحاد الأوروبي بشأن توسيع خط “نورد ستريم” الذي يمد ألمانيا بالغاز الروسي مباشرة من دون أن يمر بأي أراض من أراضي دول الاتحاد الأوروبي، ينحصر في إطار التعارض بين استراتيجيات السياسة التي تعتمدها المفوضية الأوروبية وتعارض توسيع الأنابيب وبين الشركات الألمانية التي تمد المستهلك الألماني بالغاز، ويهمها السعر والربحية أكثر من المصالح السياسية.

وعلى هذا الخلاف تلعب موسكو لكسب السوق الألماني الضخم بتقديم سعر رخيص يقترب من ثلاثة دولارات لوحدة الغاز، وبالتالي إحداث انقسام داخل أوروبا. ويمر خط “نورد ستريم” تحت بحر البلطيق، ويحمل حالياً كميات تقدر بنحو 55 مليار متر مكعب من الغاز الروسي إلى ألمانيا. ويعني توسيعه أن إمدادات الغاز الروسي إلى ألمانيا سترتفع إلى 110 مليارات متر مكعب. وهذا يعني أن روسيا لن تحتاج إلى الأراضي الأوكرانية في إيصال الغاز إلى أوروبا. ويذكر أن المفوضية الأوروبية ترفض حتى الآن مد خطوط غاز لا تمر عبر أوكرانيا، حتى تجعل من الصعب على روسيا تخطي أوكرانيا وتصبح مشكلة جزيرة القرم غير مؤثرة على اقتصادات روسيا. وفي هذا الصعيد يصب مشروع أنابيب “تركيش غاز” المقترح بين روسيا وتركيا ويواجه عقبات بسبب الخلاف السياسي بين الجانبين.