IMLebanon

هل تنتقل الفائدة السلبية الى الدين العام؟

Debt
طوني رزق
لم يعد هناك من المستحيلات في العالم الاقتصادي والمالي في الزمن الحالي، ولا تنقص الجرأة لدى أيّ مرجع دولي لتطبيق سياسات لم يشهدها التاريخ. وبعد حرب العملات واعتماد أسعار الفائدة السلبية بات كل شيء ممكناً ومسار الامور قد يحتّم تطبيق الفائدة السلبية على الديون العامة ايضاً.
تتّسِع يوماً بعد يوم رقعة تطبيق أسعار الفائدة السلبية في مختلف أنحاء العالم حتى على مستوى الاحتياطي الفدرالي الاميركي الذي بدأ سياسة رفع أسعار الفائدة في كانون الاول من العام 2015 ودخل في نادي التفكير في احتمالات اللجوء الى أسعار الفائدة السلبية.

وإذا استعرضنا الدول التي بدأت هذه السياسة المرتكزة على الفائدة السلبية، تأتي سويسرا في المرتبة الاولى علماً انها الدولة الاولى التي تجرّأت على اعتماد هذه السياسة المفاجئة على المستوى العالمي، والتي تحوّلت الى تيار عالمي يكبر باستمرار.

اولاً: سويسرا بفائدة سلبية 0,75 %.
ثانياً: الدانمرك بفائدة سلبية 0,65 %
ثالثاً: السويد بفائدة سلبية 0,5 %
رابعاً: اليابان بفائدة سلبية 0,1 %
خامساً: أوروبا منطقة اليورو بفائدة ايجابية 0,05 %
سادساً: الولايات المتحدة: فائدة ايجابية 0,5 %
سابعاً: بريطانيا: فائدة ايجابية 0,5 %
ثامناً: هونغ كونغ: فائدة ايجابية 0,75 %
تاسعاً: الإمارات العربية المتحدة: فائدة ايجابية 1,25 %

لماذا الفائدة السلبية؟

تجرّأ العالم في الذهاب الى اعتماد الفائدة السلبية، وذلك للأسباب التالية:

اولاً: إستعمالها سلاحاً في حرب العملات، وقد لجأت الى ذلك سويسرا لإضعاف الفرنك السويسري الذي كانت قوته عاملاً اساسياً في إضعاف الصادرات والنمو الاقتصادي.

ثانياً: تدفع الفائدة السلبية المستثمرين لتوظيف اموالهم في قطاعات منتجة بدلاً من تركها بدون عائدات كودائع مصرفية، او حتى تحمّل كلفة كونها ودائع مصرفية بفائدة سلبية.

ثالثاً: تشجيع التسليف والاقتراض من باب تخفيض كلفة الاقتراض مع انخفاض اسعار الفائدة، وبالتالي التشجيع على الاستهلاك وتدعيم الطلب في الاسواق والذي يقود الى زيادة الانتاج ودفع العملية الاقتصادية وتعزيز خلق فرَص وظائف جديدة.

علماً انّ ذلك ينسجم مع مقررات مجموعة العشرين في التركيز على تحسين نسبة النمو الاقتصادي وخلق وظائف جديدة، وهما المقياسان الأساسيان للأداء الاقتصادي والمعتمدان في المرحلة الراهنة، على رغم انّ الأصوات بدأت تسمع بضرورة تغيير المعايير القياسية للأداء الاقتصادي غير تلك المذكورة سابقاً والمرتبطة أيضاً بنسبة التضخم.

الفائدة السلبية أصبحت واقعاً

وعلى المستوى العالمي أصبحت اسعار الفائدة السلبية واقعاً على الجميع تقبّله والتأقلم معه، والمتوقّع الآن ان يدخل المزيد من الدول الى ساحات أسعار الفائدة السلبية.

وتعمد المصارف المركزية الى الفائدة السلبية خصوصاً لدفع المصارف التي تختزن السيولة الى الانتقال الى توظيفات ذات مخاطر أعلى على أمل ان يؤدي ذلك الى تسريع نسبة النمو الاقتصادي.

لكنّ ذلك لن يحلّ مشكلة حرب العملات. وفي دليل على ذلك فإنّ لجوء بنك اليابان الى الفائدة السلبية بصورة مفاجئة لم يحل دون ارتفاع الين الياباني من 123 يناً الى 113 يناً للدولار الواحد، اذ إنّ الاحتياطي الفدرالي أعطى في المقابل إشارات الى احتمال التوقّف عن رفع الفائدة من جهة وحتى الذهاب الى الفائدة السلبية أيضاً. وهذا ما لجَمَ صعود الدولار، ليرتفع اليورو الى 1,12 دولار من 0,09 دولار في المدة الاخيرة.

وسوف يضطرّ العالم بأجمعه الى الذهاب في اتجاه اسعار الفائدة السلبية لمواجهة تغيير وجهة تدفّق الاموال بين دولة واخرى طلباً لأسعار الفائدة الأفضل.

وهذا ما دفع الكثيرين في الولايات المتحدة الاميركية للتوقع بتحوّل الاحتياطي الفدرالي الى تخفيض الفائدة بدلاً من رفعها، ولقد نَقلَ البعض انّ رئيسة الاحتياطي الفدرالي الاميركي قد تتحوّل فعلياً الى أسعار الفائدة السلبية ايضاً.

الفائدة على الديون السيادية

ولن يتأخر الفكر الاقتصادي والمالي للانتقال الى فرضيات جديدة على مستوى الديون السيادية العملاقة، والتي يبدو انها ذهبت في اتجاه لا رجوع عنه. امّا هذه الفرضيات الجديدة فتتركّز حول الكلفة الباهظة للديون السيادية، والتي لن تتحملها الحكومات والشعوب لمدة طويلة.

واستباقاً لأيّ انفجار على هذا الصعيد، هذا الانفجار الذي سوف يطال الجميع من دون استثناء، يجب التفكير جدياً بالبدء في خفض أسعار الفائدة على الديون السيادية وقد يصِل الأمر الى المطالبة بأسعار فائدة سلبية على هذه الديون بحجّة انّ الدائنين سوف يقبلون بذلك بدلاً من خسارة أموالهم ومحفظة السندات السيادية التي يحملونها. إنها نظرية ليست بعيدة من الواقع في عالم أصبحت المستحيلات ممكنات ولا تنقص فيه الجرأة لدى أيّ من المراجع الدولية.