IMLebanon

أمور غير طبيعية في الاقتصاد العالمي

EconomicIndicators3
بروفسور غريتا صعب
قد تكون السياسات النقدية وما نعرفه عنها أصبحت غير طبيعية في خضمّ ما يشهده العالم اليوم من تراجع في النمو وتباطؤ التضخّم ومعدّلات بطالة عالية – وقد يكون الطبيعي أكثر هو تجربة العالم اليوم مع معدّلات فوائد سلبية باتت هي الرائجة في دول العالم – وهذا يعني فيما يعنيه «فقدان السيطرة» من قبَل المصارف المركزية العالمية ومحاولتهم الفاشلة في إنعاش اقتصادات دوَلهم.
يبدو أنّ مخاوف الانتكاسة تفاقمت، ممّا دفع البنك المركزي السويدي- وهو أقدم بنك مركزي في العالم – إلى اتخاذ سياسات غريبة بعض الشيء، واقتصاديًا غير طبيعية، ألَا وهي أسعار فوائد سلبية في محاولات لإنعاش الاقتصاد وتفادي المغالاة في عملتهم.

لذلك وعلى ما يبدو، ما كان غيرَ طبيعي في الاقتصاد العالمي وأصبح الطبيعيَّ والرائج هو معدّلات الفوائد السلبية التي تُعتبر الحلّ الاخير من جملة حلول قامت بها المصارف المركزية في العالم ولم تنجح في تخطّي مشاكلها – وأصبحت الفوائد السلبية هي الوسيلة الوحيدة التي تتبعها المصارف المركزية وبشكل متزايد في محاولة أخيرة منها لتعزيز النمو وتحسين مستوى التضخم – لذلك قد يكون السؤال، ما هي الحكمة في معدّلات فوائد سلبية؟

وهل تساعد حسبَ اعتقاد حكّام المصارف المركزية في تعزيز النمو وإطلاق العملية الاقتصادية، أم أنّها مجرّد محاولة أخيرة بعد نفاد كلّ المحاولات السابقة في الوصول الى حلول عملية – هذا والمحللون في مرجن ستانلي يصِفون هذه العملية بأنها «تجربة خطيرة» للقطاع المصرفي كونها تتآكل أرباح البنوك، ممّا يخلق مخاطر نظامية أخرى.

ويبقى السؤال، ماذا تعني فوائد سلبية للمصارف؟ وكيف تؤثّر على العملاء؟ وماذا يحدث إذا باتت هذه العملية هي الوسيلة الوحيدة لإنعاش الاقتصاد؟ – الفكرة هي أنّ معدّلات فوائد سلبية توفّر حافزًا للمصارف من اجل إقراض المال بدلًا من الاحتفاظ به، وينطبق الشيء نفسه على المدخرين، فيتشجّعون الى صرف المال بدلًا من الاحتفاظ به، وإذا ما بقيَت أسعار الفوائد سلبية فإنّ المصارف سوف تتّجه الى تحقيق ارباح بطرق اخرى، مثل الرهون أو فرض رسوم على الحسابات الجارية … كذلك هناك مخاوف من أن يسحب الزبائن نقودهم، علماً أنه لا يوجد أيّ دليل على أيّ زيادة كبيرة في استخدام النقود في الدانمرك والسويد وسويسرا.

أمّا أن تصبح هذه العملية هي الوسيلة الوحيدة، فقد أوضَح البنك المركزي السويدي تداعياتها بأنّ ذلك سوف يَجعل النقد بديلاً صالحاً للمصارف – لكن هذا الامر يبقى غيرَ دقيق، لا سيّما وأنّ التجارب الأوّلية في سويسرا والسويد لم تُسفر عن عمليات سَحب كبيرة من النظام المصرفي، ممّا دفعَ العديد من المصارف المركزية الى السير في هذا الاتجاه، وقد لا يتوقّفون قبل أن يروا أنّ اقتصاداتهم عاوَدت نموّها أو أن تكون الفوائد السلبية بدأت تظهر ضررًا أكثر من المنفعة المرتجاة منها – وإذا كانت أسعار الفوائد السلبية أمرًا غيرَ اعتيادي لفترة ليست ببعيدة، فما يمكن ان يحدث إذا ما أصبحت أمرًا روتينيًا وسياسةً طويلة الأمد، لا سيّما وأنّ النظام المالي العالمي مبنيّ على افتراض أسعار فوائد فوق الصفر.

الأمر الأكيد هو أنّ أسعار فوائد سلبية سوف تضرّ حتمًا بالمصارف واستمراريتها والطرق التقليدية الي يمرّ بها رأس المال من المدّخرين الى المستثمرين، والتي يَلد عنها استثمارات منتجة.

وقد يكون الهدف الواضح للعيان هو تخفيف إيرادات المصارف لكي لا تصبح أقلّ رغبة في الإقراض، ونظريًا قد تبدو هذه السياسة جذّابةً وواحدة من أحدث السياسات المتّبعة من أجل إنعاش الاقتصاد وتفادي الانكماش – إنّما يبقى القول إنّ عواقبها غير متوقّعة وقد لا تُحدث ما يراه أو يسعى إليه حكّام المصارف المركزية، وقد تشجعّ أيضًا المصارف في الاستثمار في أخطر الأصول، ممّا قد يقود إلى فقاعات أصول جديدة أو البحث عن استثمارات بديلة.

هذا، وجاءت خطوة البنك المركزي الياباني نتيجة ما قام به البنك المركزي الاوروبي، كذلك المصارف المركزية في سويسرا والسويد الدانمرك، إنّما ولغايته يبدو أنّ مكاسب الين مقابل الدولار الاميركي تُظهر عدم قناعة المستثمرين بأنّ المعدّلات السلبية سوف تُحدث تحسّناً في معدلات التضخّم، كما أنّه ليس من الواضح ما إذا كانت هذه السياسة سوف تؤدي لإضعاف الين في المستقبل – هذا حسب موديز- لذلك وبعد ثماني سنوات من الأزمة المالية، والمصارفُ المركزية تسعى جاهدةً للخروج من ورطة النموّ المنخفض، وللعِلم، صنّاع السياسة النقدية خفَضوا أسعار الفوائد ٦٣٧ مرّة واستثمروا بما مقداره ١٢،٣ تريليون دولار من الأصول منذ آذار ٢٠٠٨.

والخطر الأكبر يبقى على المصارف، لا سيّما وأنّ جزءاً كبيراً من أرباحها هو نتيجة الفرق بين الفوائد المدفوعة على الودائع وتلك التي تدرّها القروض – لذلك من المتوقع أن تنخفض أرباح المصارف – هذا وحسب توقعات Deutsche Bank فد تتراجع أرباح المصارف اليابانية بنسب ٠،٢ – ٠،٣ بالمائة وتشجّع الاستثمارات خارج البلاد لا سيّما في الأسواق الرئيسية مثل الولايات المتحدة والدول الناشئة – هكذا تبدو الأمور ولغايته غيرَ واضحة، وتبدو خطوة اليابان أحدث دفعة في محاربة الانكماش بَيد أنّ تنفيذ سعر فوائد سلبية لا يخلو من المخاطر وقد يؤدّي إلى تخزين المدّخرات بدلًا من دفع ثمن لتخرينها في البنك.

وقد يكون التوسّع في الخارج ردّاً طبيعيًا على معدّلات سلبية في الداخل إنْ كان بالنسبة لأوروبا أو لليابان، لكنّ ارتفاع تكاليف الدولار الاميركي وتقلّب الأسواق الرئيسية في آسيا النامية يجعل المصارف في وضعية صعبة جدًا.

لذلك، أمورٌ غير طبيعية مثل التسيير الكمّي وأسعار فوائد سلبية، ليست سوى عمليات مستجدّة في وضعية النظام المالي العالمي وإنْ ظهرَت حسناتها في بعض الدول قد لا تنسحب على دول أخرى، ممّا يَعني وجوبَ الانتظار لِما سوف يَحدث نتيجة هاتين العمليتين غير المطابقتين للاقتصاد وتفسيراته.