IMLebanon

الإنسحاب الروسي من سوريا: جمود الأسواق .. وإنهيار الليرة

syria
رولا عطار

لم ينتظر السوريون كثيراً ليتلمسوا أثر قرار إعلان روسيا عن البدء بسحب قواتها من سوريا. فما هي إلا ساعات حتى بدأ سعر صرف الدولار بالارتفاع أمام الليرة السورية ليتجاوز 475 ليرة للدولار الواحد، وهذا ما سيؤدي بدوره إلى زيادة مباشرة في أسعار السلع والمواد الأساسية. ويرى مراقبون أن التقييم الحقيقي لتداعيات الانسحاب الروسي لم يظهر فعلياً بعد، بل يتطلب أياماً إضافية، غير ان بوادر الأثر كانت واضحة.
أي تفسير اقتصادي لما سيحدث سيكون مرتبطاً بإتضاح الصورة وكيف يُنظر لموضوع الانسحاب، هل هو أمر ايجابي أم سلبي؟، فإذا كانت الآراء تتجه نحو اعتبار عملية الانسحاب ذات تداعيات سلبية على مستقبل البلاد، فسيخلق ذلك حالة تخوف وتهافت على شراء الدولار والذهب وزيادة في الأسعار. أما في حال اتجهت الآراء نحو رؤية الانسحاب على أنه عامل مساعد وإيجابي وله دور في تنسيق الجهود واتفاق طرفي المعارضة والنظام على الجلوس الى طاولة التفاوض، حينها سيسود جو من الإطمئنان والارتياح، اما “اضطرابات سعر الصرف وأسعار السلع، فسرعان ما ستعود بعد عودة الثقة الى الشارع، في حال أثمرت جهود التفاوض. ولكن بشكل عام عندما تكون الأمور غير واضحة كما هو الحال الآن، يكون التشاؤم أكثر من التفاؤل، بحسب ما يقوله لـ “المدن” الخبير الاقتصادي الدكتور عابد فضلية الذي يشير الى أنه لا يوجد مبرر اقتصادي علمي كافٍ، يؤثر على ارتفاع سعر الصرف بشكل مباشر، وحتى ما شهدناه في فترات سابقة من سنوات الأزمة من قفزات في سعر الصرف، كان بسبب عوامل نفسية تختلف العوامل المؤثرة فيها من فرد لآخر ومن يوم لآخر.
أما بالنسبة لما يجري في سوق الصرف، فإن الطلب على شراء القطع الأجنبي ازداد بشكل قوي منذ لحظة الاعلان الروسي عن الانسحاب، خاصة في الشمال السوري. وقد أعلنت شركات الصرافة عن ايقاف بيع الدولار للأفراد حتى اشعار آخر، وسمحت بالبيع للتجار فقط، وذلك بقرار صادر عن مصرف سوريا المركزي الذي عقد الأربعاء جلسة “تدخّلٍ” بحضور ممثلي شركات ومكاتب الصرافة، للوقوف على آخر التطورات الحاصلة في سعر صرف الليرة السورية ولمناقشة التراجع في سعر الصرف، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بضبط مسار سعر الصرف عند مستويات مقبولة. وخلال الاجتماع أعاد حاكم المصرف أديب ميالة، اسباب التراجع، بشكل اساسي الى استغلال “الأطراف المعادية” لخبر سحب جزء من القوات الروسية، للتأثير على معنويات المواطنين والعمل على رفع سعر الصرف بشكل غير مبرر، ولاسيما في ظل المستجدات الاقتصادية “الإيجابية” والتي كان من أبرزها فتح معبر جديد بين سوريا والعراق يمر عبره يومياً “أكثر من 150 سيارة” تحمل المنتجات السورية إلى العراق، وكذلك تشغيل الخط البحري المباشر بين الموانئ السورية والروسية لتسهيل تصدير المنتجات السورية إلى جمهورية روسيا الاتحادية.
وعلى صعيد حركة الأسواق، فقد لوحظ وجود شبه توقف تام لحركة البيع والشراء بعدما تجاوز سعر الصرف الـ 470 ليرة للدولار الواحد، فالتجار يترقبون ما سيحدث في الأيام القادمة لأن القيام بعمليات بيع وشراء في ظل الظروف الحالية ووجود فروقات في سعر الصرف خلال الأيام الماضية تراوحت نسبتها بين 10و12% ربما يعرضهم للخسارات، ومن خلال ذلك يمكن وصف حالة الأسواق بالجمود لدى الباعة وبالصدمة من قبل المستهلكين، كما يشير لـ”المدن” رئيس جمعية حماية المستهلك عدنان دخاخني. ويضيف دخاخني، بأن هناك ارتفاعاً غير مسبوق لأسعار السلع الأساسية والخدمية وهذا يستدعي تدخل الحكومة بإجراءات توضح بأن ما يحدث هو حرب اقتصادية ليس إلا، وستنتهي خلال أيام، وأن الأمر مرتبط بعمليات المضاربة التي تحدث في سوق الصرف بإستمرار. لكن في المقابل، فإن رئيس غرفة تجارة دمشق غسان قلاع، يرى أنه من المبكر تقييم وضع السوق بهذه السرعة استناداً إلى الأحداث السياسية، لذلك من الأفضل الانتظار بضعة أيام أخرى لتتضح ردود الافعال حول ما يحدث وكيف ستنعكس على حركة السوق والأسعار.
مهما يكن فإن إرتفاع سعر صرف الليرة يبقى خطراً على الإقتصاد، وبشكل أساسي على حركة المستهلكين، خاصة وأن عودة الثقة الى الليرة قد تستغرق وقتاً، وقد تكون عرضة لإستغلال تجار العملة للوضع، والإبقاء على التوترات النفسية وخلق جو سوداوي يُبقى على سعر الصرف مرتفعاً، بهدف تحقيق الأرباح، ما يعني ان الأسواق قد تبقى في خطر الجمود، لأن ما يكسبه تجار الحرب، لا يمكن ان يتنازلوا عنه بسهولة.