IMLebanon

فادي الجميّل: “المعاملة بالمثل” تحمي الصناعة اللبنانية

fadi-gemayel
كيف يمكن لبلد يشرع أبوابه وحدوده للعالم أن يحافظ على قطاع صناعي لا يقوى على خوض غمار المنافسة على أرضه، وإن كان لا يقل أهمية عن القطاعات الصناعية في عدد من دول المنطقة وبعض دول العالم، ويفوقها جميعاً بتنوع صناعاته (بشهادة البنك الدولي)؟
وفي بلد لا يجرؤ على معاملة الدول الأخرى كما تعامله، كيف يمكن ان يحمي قطاعاته الإنتاجية، لاسيما الصناعية منها، في وجه صناعات أجنبية، اقل ما يقال فبها إنها “محفَّزة ومدعومة” من دولها، ومعبّدة أمامها طرق الدخول الى لبنان من “دون أدنى قيد أو شرط”.
أما الصناعة اللبنانية، العطشى، لتحفيزات تعدّ بديهية في معظم دول العالم، فهي لا تمثّل من الناتج المحلي أكثر من 12%، وعندما يعلو صوت واحد مطالب بتحفيز الصناعة تصدح في مقابله مئات الأصوات والنظريات عن ان لبنان بلد خدمات سياحية وليس بلداً صناعياً، ويتعامى الجميع عن ان قبرص “السياحية” لا تقل مساهمة الصناعة فيها عن 30% من ناتجها المحلي.
للدخول أكثر في مكامن ضعف الصناعة اللبنانية، والوقوف عند حاجاتها، التقت “المدن” رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميّل، وكان الحوار الآتي:

*ما هو واقع القطاع الصناعي راهناً؟ ما هي الاجراءات المحفّزة التي يتوجب علىى الدولة اتخاذها؟

القطاع الصناعي بالرغم من كل المحن ما زال يثبت حتى اليوم قوته وقدرته على الإستمرار، إلا انه ليس في جزيرة بل يتأثر بكل الأزمات المحيطة، بدليل ان الصادرات تراجعت بين عامي 2012 و2014 بشكل تراكمي نحو 20%. وعلى الرغم من خطورة هذا التراجع وأثره السلبي على الاقتصاد يبقى هذا التراجع أقل سوءاً نظراً الى شدة خطورة الأوضاع التي مرت بلبنان والمنطقة والتي كانت كفيلة بإحداث انهيار في صادرات أي بلد آخر. ومع الأسف خلال العام 2015 زاد التراجع نحو 10% ليصبح التراجع التراكمي 30% منذ العام 2012.
صحيح أن صادراتنا لم تنهار ولكن هناك حدود قصوى للقدرة على استيعاب الازمات. فالمشاكل بدأت عام 2011 مع عرقلة الطرق البرية للتصدير بسبب الازمة السورية ولم يحصل اغلاق كلي للحدود الا في العام 2015، فبين عامي 2011 و2015 بقيت الحدود البرية مفتوحة وانما بأكلاف اضافية لجهة الشحن والتأمين، ثم اتت ازمة اغلاق الحدود بشكل كلي في العام 2015 وعندها اتجهنا الى التصدير البحري، فالقطاع الصناعي يحاول التأقلم مع الأوضاع ولكن على الدولة وضع يدها بيد الصناعي وتحفيزه لتجاوزها والإستمرار الى حين عودة الإستقرار.

*ما هي المحفزات المطلوبة من الدولة والتي يمكن أن تُحدث تحوّلاً في القطاع الصناعي؟

لا بد من دعم أكلاف الشحن البحري للصادرات الصناعية والزراعية، كما انه بات من الضروري دعم الرأسمال التشغيلي للتصدير لتمكين الصناعيين من استيعاب الأكلاف. ومن المهم أيضاً وضع رسوم تكافئية على السلع المستوردة والمنافسة لمثيلتها في لبنان في سبيل معالجة حالات الإغراق، وإقرار برنامج عمل مع شركائنا التجاريين في العالم لزيادة نسبة الصادرات من لبنان بنسب معينة لتقليص العجز التجاري. كما لا بد من معالجة الاكلاف الاضافية لاسيما لجهة التخفيف من ضغط اسعار الطاقة بالنسبة الى الصناعات ذات استخدام الطاقة المكثفة، فعلى الرغم من تراجع اسعار النفط الا ان الطاقة ما زالت تشكل ما لا يقل عن 30 او 35% من حجم اكلاف بعض الصناعات.

*هل تمكّن الإجراءات التحفيزية القطاع الصناعي من المنافسة محلياً ودولياً والإندماج في الاتفاقيات المرتبط بها لبنان؟

لدينا تجارب مع العديد من الاتفاقيات الدولية ومما لا شك فيه ان الاتفاقيات زادت الاستيراد الى لبنان من دون ان ترتفع الصادرات في الوتيرة نفسها، لذلك لا بد من إجراء دراسة معمّقة وشفافة لملف الإنضمام الى منظمة التجارة العالمية WTO قبل البت به، ويجب على الدولة أن تقر بأنها اخطأت عندما خفضت مستوى التعرفات الجمركية الى حدود الصفر، إذ كان يفترض بنا ان نعمد الى رفع التعرفات الجمركية، ثم خفضها بما يتناسب والإتفاقيات الدولية كما فعلت بقية الدول العربية.
والأهم من كل ذلك أن نسعى الى زيادة صادراتنا الى الدول الاوروبية من مبدأ المعاملة بالمثل فعلى سبيل المثال نحن نستورد من ايطاليا وفرنسا باكثر من مليار دولار فيما نصدّر لهما بأقل من مئة مليون دولار، والسبب يعود الى ان بعض القطاعات لا يمكننا تصدير منتوجاته، كقطاع الألبان والاجبان وجميع المنتوجات التي يدخل بها الانتاج الزراعي، لأنها تدخل في منظومة قيود صعبة ما يمنع منتجاتنا من الوصول الى الدول المعنية.

*ما المانع أمامنا من التعامل مع الدول كافة بالمثل؟

هذا ما طالبنا به مراراً اي المعاملة بالمثل، ولكن مع الاسف المشكلة سياسية في هذا الملف، فالدولة اللبنانية تخاف من تغيير طريقة التعاطي مع الدول لاسيما العربية التي تأخذ اجراءات قاسية لحماية صناعاتها، ولابد من التعامل معها بالمثل.
فالقرار الذي أخذه سابقاً وزير الصناعة حسين الحاج حسن حول إلزام المستورد بالحصول على موافقة مسبقة للاستيراد، هو نوع من المعاملة بالمثل للمحافطة على الحد الادنى من صناعاتنا، ولكن مع الأسف تم تعليق القرار لأنه جوبه بالرفض من الداخل والخارج.
من هنا نحن نتمنى المعاملة بالمثل مع الدول كافة ومراعاة التوازن بالاتفاقيات التجارية لاسيما ان التجارب اثبتت وقوع ظلم على لبنان، اذ ليس من الطبيعي ان تشرع السوق اللبنانية أبوابها فيما الدول تقفل ابوابها في وجه منتجاتنا.

*ما هو حجم استيعاب السوق اللبنانية ولماذا يتزايد التهافت الدولي عليها؟

السوق اللبنانية صغيرة وليست قادرة على الاستيعاب ولكن هناك تهافت عليها لأنها سوق إغراق وسوق مكشوفة، وهذا ما دفعنا الى وضع رؤية انقاذية ليس للقطاع الصناعي فحسب بل لكافة القطاعات لأن نمو الصناعة يدفع معه العديد من القطاعات كالطاقة والنقل والزراعة وغيرها.. وقد تقدمنا بالورقة الإنقاذية الى معظم المسؤولين، وحتى اللحظة لم يبدوا لنا اي تجاوب، ولكننا نأمل ان تظهر صوابية طروحاتنا بسبب انعدام الحلول المتكاملة، فكل سياسي يطرح جزءا من حل ونحن جمعنا سلة الحلول.