IMLebanon

في ذكرى 13 نيسان: أهالي المخفيّين… “إقرَعوا على قبورنا وأبلِغونا عنهم”

lebanese-war

 

كتبت ناتالي إقليموس في “الجمهورية”:

41 عاماً مضَت على الحرب الأهلية، غابت محاور القتال: الشيّاح – عين الرمّانة، القبّة – زغرتا، تل الزعر والمخيّمات الفلسطينية… أسكتت المدافع، وكذلك أزيز الرصاص والقذائف، هدأت الجبهات، غاب المقاتلون، همدت الحركة في الخنادق… إلّا أنّ الحرب لم تنتهِ بل تبدّلت متاريسها وطبيعة أدواتها. ولم تعُد الأزمة اللبنانية محصورةً في النزاع العربي – الإسرائيلي أو التدخّل السوري، لكنّها باتت في مكان آخر. أزمة شلل دولة برُمَّتها وتَهاوي مؤسسات رسمية تباعاً كأحجار الدومينو، في ظلّ فراغ رئاسي يشارف على دخول عامه الثالث.اليوم 13 نيسان. لم تعُد القضية منحصرة بترداد عبارة “تِنذكر وما تِنعاد” سنوياً لضمان عدم اندلاع الحرب مجدّداً. فأكثر من أيّ وقتٍ مضى يمرّ اللبنانيون في نفقِ مظلِم، لم يتجرّعوا مرارتَه حتى في أشدّ فترات الحرب فداحةً.

ففي تلك الحقبة من تاريخهم لم تُغيّب الاستحقاقات الدستورية، والمواعيد الرسمية، ولم تصِل النفايات إلى تخوم أبواب منازلهم، ولم يَسمعوا بهذا الكمّ مِن فضائح الفساد الإداري.

 

لذا تطلّ ذكرى الحرب اليوم في ظروف لا يُحسَدون عليها، فالمخيّمات متفشّية على امتداد الوطن كقنابل موقوتة وبؤَر أمنية، وعوضَ ترتيب أوضاع المخيّمات وإكمال حلمِ عودة الفلسطينيين إلى ديارهم، جاءَ همُّ اللجوء السوري ليضاعف أزمة أعداد اللاجئين على أرضٍ لا تتجاوز مساحتها الـ 10452 كلم مربّع. فلم تكد تكتمل فرحة اللبنانيين بجَلاء الجيش السوري، ودحرِ الاحتلال عن وطنهم، حتى فُرض عليهم أكثر من مليون ونصف مليون لاجئ سوري.

وفي هذا السياق، لا يعتبر رئيس لجنة “سوليد” غازي عاد أنّ 13 نيسان موعد اندلاع الحرب، فيُبدي اقتناعه بأنّ “بداية الحرب كانت قبل هذا التاريخ، بين الجيش اللبناني والفصائل الفلسطينية، وفي 13 نيسان وقعَ التغيير، وانتقلَ القتال بين الميليشيات والفصائل الفلسطينية”.

الوصية الأخيرة

على طريقة “بَدنا نكمِّل بلّي بقيو”، يُحصي عاد العائلات التي ماتت تباعاً وهي تطالب بمعرفة مصير المخطوفين، فيقول: “بتنا لا نتجاوز عدد أصابع اليدين ونحن نطالب بمعرفة مصير المخطوفين في السجون السوريّة، المؤسف أنّ الموت غيّبَ بعضَ الأهالي، والمرض أقعدَ الأمّهات”.

ويضيف من قلبٍ محروق: “في قلوبنا غصّة. فالقضية تعيش معنا، تكبر معنا، والحادثة في عيون الأهالي كأنّها وقعَت البارحة. لا يزال وقعُها موجعاً ومحرقاً لهم، وعلى رغم تقدّمِهم في العمر لم تبرُد مشاعرهم ولم يملّوا الصلاة والدعاء، وهم سريعو التعلّقِ بأيّ خبَر يسمعونه قد يقودهم إلى معرفة مصير أبنائهم”. لذا يَعتبر عاد أنّ حال الأهالي “بالويل” وفي قلقٍ دائم.

لا يَعتبر عاد أنّ الحرب انتهَت طالما ملفّ المخفيين لم يبلغ خواتيمه، فيقول: “الحرب لا تزال قائمة، وأكبر دليل على استمرارها مسلسل معاناة العائلات التي نخسرها تباعاً، ووصيتُها واحدة: “نريد معرفة مصير أولادنا، وإذا عرفتم بعد مماتِنا شيئاً عنهم، إقرَعوا على قبورنا وأبلِغونا”.

الهيئة الوطنية

نتيجة المشكلات الصحّية، الاجتماعية، الاقتصادية وغيرها، التي تعاني منها العائلات، يلفت عاد إلى أنّه “ما عاد بوسعِهم البقاء في الطرُق”، لذا وحيال الأجواء السياسية المتوتّرة، ما مِن تحرّكات مرتقبة راهناً. بل إنّهم مصِرّون على متابعة القضية بقنوات رسمية.

فيوضح عاد: “أتابع شخصياً من خلال مجلس النواب مع لجنة الحقوق النيابية مشروع قانون تشكيل الهيئة الوطنية، وذلك بعدما أقفَلنا الخيمة. إختلفَ أسلوب متابعتِنا للقضية، لذا نعمل في المجلس لإقرار تشكيل الهيئة التي ستكون بداية حلّ لقضية المخفيّين”.

 

وعمّا إذا كان التبديل في آليّة التحرّك قد أفضى إلى نتيجة ملموسة، يُجيب: “لا يمكن القول إنّنا نراوح مكاننا، لا شكّ في أنّ المسألة تسير ببطء، ولكن بخطوات مدروسة”، مشيراً إلى أنّه في الاجتماع الأخير، “تحوّلَ القانون من لجنة حقوق الإنسان إلى لجنة الإدارة والعدل، في انتظار تحويله قريباً إلى الهيئة العامة للتصديق عليه، ومن ثمّ يتمّ تشكيل الهيئة”.

أمّا بالنسبة إلى دورها فيقول: “إنّها هيئة متخصّصة، ستشكّل المرجعية الأولى في متابعة الإخفاء القسري، والبحث في المقابر الجماعية، وتفنيد ملفّات المخفيين، وغيرها من القضايا في هذا المجال”.

 

بنك الـ DNA

تُعلّق عائلات المخفيّين آمالاً كبيرة على تشكيل الهيئة الوطنية لكشفِ مصير أبنائها، لكنّ إنشاءَ بنك الـDNA مطلب قديم جديد، يلحّون عليه، مردّدين: “شو ناطرين نموت كِلنا؟”.

في هذا الإطار يوضح عاد: “سيشكّل هذا البنك صلة الوصل بين الأهل وأبنائهم المخفيّين، لذا لا بدّ مِن الاحتفاظ بداتا عن الجينات الوراثية، وإذا اكتشَفنا في المستقبل جثثاً، أو بقايا رفات، بفضل إجراء فحص DNA سنتمكّن من التعرّف إلى هوية الجثة وتطابقِها مع عائلات المخفيّين”.

ويضيف: “المؤسف أنّ الأهالي يموتون تباعاً من دون أيّ داتا جينية عنهم، وبذلك نفقد كمّاً هائلاً من المعلومات، وعلى رغم مطالبتنا الدؤوبة لم نصل إلى نتيجة فعلية”.

وردّاً على تخوّف البعض من إنشاء هذا البنك، ولا سيّما بعض السياسيين، يجيب: “لا أرى من سبب مباشَر، هناك جملة عوامل خلفَ الرفض، أبرزُها التهرّب من مقاربة الموضوع برُمّته، خصوصاً أنّ أيديهم تلوّثت في الحرب”، ملاحظاً أنّ “العدد الأكبر من السياسيين يرفض الاقترابَ من هذا الموضوع أو مناقشته، والدليل هو التأخير في إعداد الداتا المساعدة وتوفير المعطيات اللازمة، وكأنّهم يريدون إلغاءَ الموضوع من الذاكرة. وهذا جلُّ ما نخشاه”.