IMLebanon

بعيدا عن الآيفون .. «أبل» تستثمر في قطاع الخدمات

apple-didichuxing
ليزلي هوك وريتشارد ووترز

“ديدي تشاكسينج”، أكبر شركة لسيارات الأجرة في الصين، لم تخف إعجابها بشركة أبل. من يزورون مقرها في بكين يتم إخبارهم كيف أن تشينج واي، مؤسسها، اختار اسم الشركة الرسمي – الذي يعني تكنولوجيا البرتقالة الصغيرة – تيمنا بمجموعة التكنولوجيا الأمريكية. كان ينظر إلى الشعار في أحد متاجر أبل وقال في نفسه، إذا لم أستطع أن أكون تفاحة، استطيع أن أكون برتقالة.

هذا الإعجاب يبدو أنه متبادل بين الطرفين، إذ استثمرت أبل مليار دولار في شركة ديدي في الأسبوع الماضي، وهو أكبر استثمار لها في حصة أقلية على الإطلاق.

الصفقة لا تشكل إنفاقا ضخما لشركة تملك صافي نقدية مقدارها 153 مليار دولار، لكنها خطوة غير عادية، لأن “أبل” تجنبت في السابق استخدام نقودها للاستثمار في الشركات الناشئة. على عكس غيرها من شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل “جوجل” و”إنتل”، التي لديها أذرع نشطة في المشاريع المغامرة، أبل لديها تقليد طويل في احتضان الأفكار الجديدة داخل الشركة.

استثمار شركة ديدي يشير أيضا إلى القائمة المتنامية من التحديات التي تواجه شركة أبل في الصين، وهي بلد أصبح ذا أهمية متزايدة لنموها. كما يمكن أن يكون لديه عواقب واسعة على جهود أبل للانتقال إلى ما وراء جهاز الآيفون إلى الخدمات.

على مدى أعوام، كانت الصين بمنزلة مصدر رئيسي للطلب الجديد على منتجات أبل في الوقت الذي وصل فيه انتشار جهاز الآيفون إلى حالة من الإشباع في الأسواق الأكثر تقدما مثل الولايات المتحدة. لكن هذا الوضع انقلب بشكل كبير في الربع الأخير، عندما انخفضت المبيعات في الصين بنسبة 26 في المائة، لتسهم بأول انخفاض في إيرادات أبل منذ أكثر من عقد من الزمن.

أرقام المبيعات المخيبة للآمال كانت مجرد أحدث خبر سيئ يخرج من الصين بالنسبة للمجموعة الأمريكية، في الوقت الذي تفرض فيه الحكومة قيودا بشكل متزايد على شركات التكنولوجيا الأجنبية.

بعد إقرار قوانين جديدة متعلقة بمحتوى الإنترنت، تم حجب خدمات الأفلام والكتب الخاصة بـ”أبل”. وهذا الشهر خسرت الشركة دعوى قضائية ضد مجموعة صينية تستخدم كلمة “آيفون” على الحقائب الجلدية والإكسسوارات. كما أن هناك سجالا بين “أبل” وبكين حول البيانات.

كارل أيكان، المستثمر الناشط الذي كان واحدا من أكبر المساهمين في أبل، أشار إلى التحديات التي تواجه الشركة في الصين باعتبارها السبب الرئيسي وراء قراره بيع جميع أسهمه. قال في مقابلة مع شبكة “سي إن بي سي” بعد يوم من النتائج المخيبة للآمال، إن بكين يمكن “أن تتدخل وتجعل من الصعب جدا على أبل البيع هناك”.

ربما تأمل “أبل” في أن تستفيد سياسيا من تحالفها مع واحدة من أبرز الشركات الناشئة في الصين.

قالت جين ليو، رئيسة شركة ديدي، في مؤتمر صحافي يوم الجمعة: “إن صناع السياسة في الصين كانوا أكثر انفتاحا بكثير. هناك أساس جيد جدا نستطيع استنادا إليه أن نساعد بعضنا بعضا في نواح كثيرة”.

استثمار “أبل” في شركة ديدي، أول تمويل لها تم الكشف عنه علنا لإحدى شركات النقل، استنادا إلى قيمة سوقية للمجموعة الصينية تبلغ 25 مليار دولار، يؤكد كيف أن الشركة تتطلع إلى ما وراء الأجهزة ونحو الخدمات.

استحواذ “أبل” على بيتس إليكترونيكس، شركة صناعة السماعات وخدمة الموسيقى، مقابل ثلاثة مليارات دولار في عام 2014، كانت ذات دور فعال في إطلاق خدمة البث “أبل ميوزيك” بعد عام من ذلك التاريخ.

هناك فكرة كانت أبل تعمل عليها، وهي مشروع سيارة سري، الذي لم تعترف به الشركة قط بشكل علني. وكثير من عمليات الاستحواذ التي نفذتها أبل أخيرا كانت لشركات ناشئة صغيرة لديها تكنولوجيا يمكن أن تكون مفيدة في سيارة ذكية.

وردا على سؤال يوم الجمعة حول ما إذا كانت “أبل” و”ديدي” يمكن أن تتجاوزا أعمال مشاركة ركوب سيارات الأجرة – إلى العمل معا لتطوير السيارات الذكية أو التي دون سائق الخاصة بهما – بدت ليو متحفظة. قالت: “نحن واثقون أننا سنفيد بعضنا بعضا فيما يتعلق بالمنتجات، والتكنولوجيا، وفي كثير من المستويات الأخرى”.

ليو لم تكشف عن تفاصيل حول كيف سيتم التعاون بين “أبل” و”ديدي”، لكنها قالت إن تكامل المنتجات، والتسويق، وعلوم البيانات هي مجالات ممكنة.

جيف بلابر، المحلل “في سي سي إس”، يقول: “الأمر يتعلق بالتنوع في الخدمات والتعلم بشأن ما يتحول الآن إلى سوق سيارات مجزأة جدا”. يضيف أنه أثناء دخول أبل مجال الخدمات، فإنها تحتاج إلى فهم الأسواق المحلية بشكل أفضل، والشراكة مع “ديدي” يمكن أن تفيد في هذا المجال.

وانضمت “ديدي” إلى شراكة استراتيجية مع شركات تطبيقات سيارات الأجرة الآسيوية مثل “أولا” في الهند، و”جراب تاكسي” في جنوب شرق آسيا، و”ليفت” في الولايات المتحدة، في ما يشبه تحالفا عالميا ضد شركة أوبر، المنافسة الرئيسية لشركة ديدي.

أموال “أبل” تصل في وقت حاسم بالنسبة لـ”ديدي”، كونها عالقة في حرب مكلفة لدعم الأسعار ضد “أوبر الصين”، فضلا عن شركتين من الشركات الناشئة الأخرى لسيارات الأجرة في الصين؛ “ييداو” و”شنتشو”.

وجمعت “ديدي” أكثر من ملياري دولار من مستثمرين في هذه الجولة التمويلية، بما في ذلك المبلغ الذي دفعته أبل، ما أدى إلى زيادة إجمالي الأموال التي جمعت إلى أكثر من ستة مليارات دولار.

ترافيس كالانيك، الرئيس التنفيذي لشركة أوبر، قال إنه سمع عن صفقة أبل فقط في اليوم الذي أعلنت فيه، على الرغم من أن الشركتين تعملان معا. وأضاف: “نحن لدينا شراكة مع “أبل”. فعلنا أشياء كثيرة معهم ونستمر بالشراكة مع أبل بطرق تجعل الصناعة تتقدم وتجعلنا متحمسين”.

وبالنسبة لـ”أبل”، استثمار واحد في “ديدي” لن يجعل التحديات التي تواجهها تختفي بين ليلة وضحاها، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بقضايا الخصوصية.

يقول مارك ناتكين، العضو المنتدب في شركة ماربريدج للاستشارات في بكين: “بالتأكيد خدماتها المتنوعة، باستثناء الأجهزة، ستستمر في مواجهة الكثير من الضغط هنا”. ويضيف أن الخصوصية قضية شائكة بالنسبة لأي شركة تكنولوجيا أجنبية. “إذا لم تكن مرتاحا تماما لمنح الحكومة إمكانية الوصول إلى بياناتك فلا يمكنك ممارسة الأعمال هنا”.

في الوقت نفسه، تواجه “ديدي” تحديات سياسية خاصة بها في الصين، في الوقت الذي تعد فيه بكين قوانين تنظيمية جديدة تتعلق بمشاركة سيارات الأجرة، وهي قوانين يمكن أن تعيد تشكيل أعمالها بشكل جذري.

القواعد، التي تم إصدارها أولا على شكل مسودة في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، تجري حاليا إعادة النظر فيها وأصبح ينظر إليها باعتبارها اختبارا حقيقيا للصراع بين القوى المؤيدة للابتكار والقوى المحافظة في الحكومة.

في حين أن “ديدي” تملك بالأصل دعم أقوى شركات التكنولوجيا في الصين، بما في ذلك “تينسينت” و”علي بابا”، وكلتاهما من المساهمين في “ديدي”، إلا أن العلاقة بين شركات التكنولوجيا العملاقة هذه والقطاع المملوك للدولة كانت في بعض الأوقات غير مستقرة.

لكن السباق على سوق مشاركة الركوب بالأجرة في الصين يستمر. تقول “ديدي” إنها لا تزال تجمع التمويل لجولتها الحالية ولم تكشف بعد عن المستثمرين الآخرين فيها.

وعن الطريقة التي ستنفق بها استثمار أبل البالغ مليار دولار، تقول “ديدي” إن المال سيوظف في منتجات وتكنولوجيا جديدة. لكن بعض المختصين يقولون إن هناك حاجة إليه لتمويل معركتها مع أوبر ـ التي تتخذ من أمريكا مقرا لها ـ للحصول على حصة سوقية في الصين.

وشهدت حروب سيارات الأجرة التي يتم طلبها عبر شبكة الإنترنت في الصين كل جانب من الجانبين ينفق المليارات من الدولارات لتمويل الخصومات للعملاء والدعم للسائقين.

وفي آذار (مارس) أخبر تشنيج واي، رئيس مجلس إدارة “ديدي”، موقع QQ أن الشركة خصصت أربعة مليارات دولار تم جمعها منذ العام الماضي لإنفاقها على ما سماه “تعزيز السوق”. ولم يتضح كم من هذا المبلغ تم إنفاقه بالفعل، على الرغم من أن التقديرات المبنية على عرض مالي قدم في العام الماضي تشير إلى أن “ديدي” يمكن أن تكون قد خسرت 1.4 مليار دولار العام الماضي بشكل رئيسي على الدعم. وخسرت أوبر مليار دولار في العام الماضي في الصين، وفقا للرئيس التنفيذي، ترافيس كالانك.

يقول جه جيا، وهو مدون تكنولوجيا مؤثر، إنه يعتقد أن “ديدي” ربما تنفق أكثر على الدعم مما تصرح به – تبلغ “ديدي” ثلاثة أو أربعة أضعاف حجم “أوبر” في الصين والسائقون الذين يعملون في الشركتين على حد سواء يقولون إن نسبة الدعم متعادلة تقريبا. “ديدي لا تستطيع تحمل خفض الدعم وإلا فإن هذا سيؤدي فقط إلى تسليم مستخدميها للشركات المنافسة”.

ولم تكشف “ديدي” عن خسائرها المالية، لكن المتحدثة باسمها قالت إنها تنفق على الدعم مبالغ أقل من “أوبر”، وإنها حققت نقطة التعادل بين التكاليف والإيرادات في أكثر من نصف الـ 400 مدينة التي تعمل فيها. وقالت: “لن يظهر المستثمرون مثل هذا الدعم لو لم نبين لهم مسارا واضحا نحو الربحية”.