IMLebanon

ماذا يمكن أن يفعل سلام؟

tamam-salam

كتب د.ناصر زيدان في صحيفة “الأنباء” الكويتية:

الصرخة التي أطلقها رئيس الحكومة تمام سلام في إفطار دار الأيتام الإسلامية، كانت لها ارتدادات واسعة وسمعت أصداؤها بوضوح في الأوساط السياسية والشعبية، لأنها حملت كلاما ربما يقال للمرة الأولى بهذا الوضوح، وكانت بمنزلة الإنذار الذي لا يجوز تجاهله في هذا الوقت بالذات.

سلام الذي بدا متأثرا أثناء إلقاء خطابه، دق ناقوس الخطر بقوة لكي يسمع الجميع. الحاضرون الكثر في الإفطار من المسؤولين والفعاليات، والذين خارج القاعة من المعنيين والمواطنين. واللافت في كلامه إشارته للمرة الأولى الى ان “الاستقرار ليس معطى ثابتا”، وان البلاد دخلت في الأيام العصيبة، وقد استهلكنا كل الاحتياط المتوافر.

أما دعوته إلى صحوة وطنية “كي لا تكون حكومتنا آخر الحكومات والمجلس النيابي آخر المجالس التشريعية” فقد أثارت مخاوف متعددة، واختلف حول ضرورة الإشارة إليها أم عدمه، المتابعون.

شريحة من القوى السياسية والشعبية، رأت في كلام سلام مناسبة لتسليط الضوء على تقصير المسؤولين اللبنانيين في أدائهم السياسي، وبالتالي تغليب مصالحهم وحساباتهم الشخصية والفئوية على مصلحة البلاد، وتحديدا في عجزهم عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية منذ أكثر من عامين، كما في استهتارهم بإقرار القوانين والقرارات اللازمة لتسيير شؤون الدولة، وفي المقدمة منها قانون الانتخاب، ومراسيم الإسراع في استخراج الثروة النفطية المتوافرة تحت المياه الإقليمية، في وقت تعاني البلاد من اختناق قل مثيله في المجلات الاقتصادية، بحيث وصلت البطالة بين القادرين على العمل إلى ما يزيد على 32%، وهذا الرقم يعتبر كارثة حقيقية غير مسبوقة، حتى في أيام الحرب.

شريحة أخرى من اللبنانيين، اعتبرت ان كلام سلام مبالغ فيه، وهو هروب من المسؤولية، والأوضاع برأيها ليست على هذه الشاكلة المأساوية، لكون لبنان خرج منتصرا ومعافى من آتون اللهيب الإقليمي، وينعم بالاستقرار، بينما محيطه العربي يحترق.

ويقول بعض هؤلاء ـ ومنهم وزراء في الحكومة ـ ان على سلام ان يكون أكثر حزما في معالجة الأمور، ويتهمونه بأنه أسير لقوى خارج الحكومة تملي عليه القرارات، وهو لا يستطيع تجاوز هذه الإملاءات، ويعطي هؤلاء مثالا على هذا ذلك، في طريقة تعاطيه مع ملفي أمن الدولة وسد جنة.

في القراءة الموضوعية لما يجري، لا يمكن التقليل من خطورة ما أشار إليه رئيس الحكومة، فالدولة برمتها تقع على فالق الانقسام الكبير، وأي اهتزاز يمكن ان يحدث تشققات يصعب إعادة دمجها في المستقبل، وفترة “الغنج” السياسي من أجل الحصول على مكاسب سياسية، قد ولت، ذلك لأن الكلام عن اندثار دول، وتفكك أخرى في المنطقة، لم يعد سرا، وقد تحدث عنه جهارا رئيس المخابرات الخارجية الأميركية السابق أمام وسائل الإعلام.

ولبنان بطبيعة الحال، يقع ضمن دائرة الخطر ذاتها، وقد يدفع ثمنا غاليا، إذا ما بقي تعاطي المسؤولين فيه على هذه الشاكلة من الاستخفاف.

ولعل تحذير الرئيس نبيه بري من خطورة الوضع، ودعوته الى ما يشبه “الدوحة اللبنانية” في 2 أغسطس المقبل، دليل آخر، يشبه ما أطلقه الرئيس سلام بأسلوب مختلف.

ويأتي في سياق استدراك المخاطر القادمة، اللقاء الرمضاني اللافت الذي عقده رئيس اللقاء الديموقراطي وليد جنبلاط ونجله تيمور والوزيران وائل أبوفاعور وأكرم شهيب مع وزراء ونواب حزب الله في الضاحية الجنوبية.

لا يمكن للرئيس تمام سلام بمفرده إحداث خرق في جدار الانسداد الوطني السميك الذي يؤرق البلاد، وطريقة إدارته للملف الحكومي الشائك في هذه الظروف المعقدة، قد تكون الأمثل، لأنه بطبيعة الحال، يحاول الحفاظ على ما تبقى من شرعية دستورية، لتغطية المؤسسات التي مازالت تحافظ على هيبة الدولة ووحدتها، لاسيما الجيش والقوى الأمنية الأخرى.

وسلام يواجه تحديات واسعة داخل هذه الحكومة، فموقف حزب الكتائب ترك إرباكا كبيرا في مجلس الوزراء، كما ان مطالبة وزير الخارجية ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بتطبيق اللامركزية “الإدارية والمالية” الموسعة في هذا الوقت بالذات، قد تحمل أكثر من تفسير، ولا تساعد سلام على تجاوز المصاعب الجمة.