IMLebanon

التفاؤل الرئاسي المُفتعل… وتجَّار الأوهام!

baabda

 

 

كتب نبيل هيثم في صحيفة “الجمهورية”:

«كلّ البلد ينتظرعلى مقعد الاحتياط، ومَن يظنّ نفسه أنه يلعب، فبالكاد يلعب خارج الملعب»! لعلّ هذا التوصيف المعبّر والبالغ الدلالة، هو أفضل ما يجده مرجعٌ سياسيّ كبير في رسمه للمشهد الداخلي، وللتدليل على أنّ كلّ الحراك السياسي في الآونة الأخيرة، ورغم الصخب الذي رافقه، كان يدور على هامش الملفات الداخلية، دون الغوص في جوهرها، لسبب بسيط مفاده أن لا أحد من بين كلّ اللاعبين، يملك مفتاح باب الدخول الى أعماقها وسبر أغوارها وملامسة قطبها المخفيّة وفكّ ألغازها.

ورغم اللعب المتواصل خارج الملعب، ليس مستغرَباً في نظر المرجع السياسي إن أحاطت السلبية نتائج «ثلاثية الحوار» في آب، وعدم تمكنها في ظلّ الانقسام السياسي الحاد، من بلورة حلول كما يتمنّاها الرئيس نبيه بري، ولا إن تناسلت التعقيدات في حضن الملف النفطي وزادت من قابليته على الاشتعال قبل الوصول الى عمق البحر النفطي، ولا إن خيّبت المزايدات والمكايدات أمل وزير المال علي حسن خليل وقطعت طريق موازنة يعوِّل عليها لإعادة تقليع البلد مالياً واقتصادياً.

ولكن ما هو أكثر من مستغرَب، كما يقول المرجع نفسه، هو التفاؤل المفتعل حول الملف الرئاسي، وتنظير بعض «المرشحين البارزين» للحسم الرئاسي بين آب وأيلول المقبلين؟

ما سرّ هذا التفاؤل؟

هناك مَن يتحدث عن سيناريوهات رفعت من حظوظ رئيس تكتل الاصلاح والتغيير النائب ميشال عون، مدعومة بمبادرة فرنسية حملها وزير الخارجية جان مارك ايرولت في زيارته الأخيرة، وموافقة أميركية عبّرت عن نفسها في إشارات مباشرة وصفت بالإيجابية، تلقاها مقرّبون من عون، ورضا تيار المستقبل، أو جزء منه، على تبنّي ترشيح عون. تُضاف اليها ليونة قرأتها الرابية في مواقف «مطمئِنة» لرئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط. ومن الطبيعي في أجواء هذه السيناريوهات أن يسكن التفاؤل الرابية.

لكن، مقابل هذه الصورة، صورة أخرى معاكسة للمسار التفاؤلي، يرسمها المرجع الكبير ربطاً بمجموعة معطيات استقاها من مواكبته المباشرة للملف الرئاسي وعلى أكثر من خط داخلي وخارجي:

– لأيّ استحقاق رئاسي مقدّمات تمهيدية؛ موضوعية وطبيعية وضرورية، وهذه المقدّمات غير متوفرة حالياً.

– يبدو أنّ هناك «غرفة سوداء» يديرها مَن تصحّ تسميتهم بـ»تجار الأوهام»، هي التي تتولّى تاريخ الحسم الرئاسي بين آب وأيلول، ومن دون أساس متين لمصداقيّتها.

– كلّ القرائن والدلائل وحركة الزوار الأميركيين، تؤكد أنّ لبنان مدرَجٌ حالياً في سلّم الأولويات الأميركية، أولويّة واشنطن في هذه المرحلة، داخلية تتصل حصراً بإتمام انتخاباتها الرئاسية قبل أيّ عملٍ آخر، ومن السابق لأوانه الحديث عن كلامٍ أميركي في الرئاسة اللبنانية أو مبادرةٍ ما تصبّ في خدمة إنجاز الاستحقاق الرئاسي اللبناني سواءٌ في آب أو أيلول أو ما بعدهما.

– ليس لدى فرنسا أية مبادرة رئاسية جدّية حيال الرئاسة اللبنانية، فهاجس الإرهاب، قلَب أجندة أولويّاتها، بحيث صارت مهتمة بالداخل الفرنسي قبل أيّ مكانٍ آخر، شأنها في ذلك شأن كلّ أوروبا التي يقلقها الإرهاب. وأبلغ دلالة على ذلك سعيها الى تخفيض عديد قواتها العاملة في اليونيفيل في جنوب لبنان ونقلهم الى فرنسا للضرورات الأمنية ذاتها التي استوجبت استدعاء الاحتياط.

إلّا أنّ ما حمله الوزير ايرولت في زيارته الاخيرة، ليس سوى أفكار عامة، سبقه الى طرحها السفير الفرنسي في بيروت مع بعض القوى السياسية، وحاول من خلالها الاستفسار عمّا إذا كانت هناك إمكانية لقبول فكرة «أن يوافق رئيسُ تيارٍ سياسيّ بارز في «14 آذار»، على ترشيح رئيس تكتل بارز في «8 آذار» لرئاسة الجمهورية، مع ضمانات متبادلة يقدّم الجزء الأساس منها الحزب الحليف للمرشح المذكور». علماً أنّ هذا الطرح الفرنسي لم يلقَ استجابة من القوى السياسية والحزبية التي عُرض عليها.

– لم تبدر حتى الآن أية إشارة تقارب سعودي إيراني لا حول المنطقة ولا حول لبنان. بل العكس التازّم بينهما يتفاقم أكثر فأكثر على أكثر من ساحة.

– لا توجد أي مقدّمات سعودية في الوقت الحالي توحي بمقاربة حثيثة وعميقة للملف الرئاسي اللبناني، كما لم تبدر أي إشارة سعودية حول «مواقف نوعية» من الاستحقاق الرئاسي، إن بالتخلّي عن مرشحين معيَّنين، او بتزكية مرشحين آخرين، كانوا مدرَجين في خانة «الفيتو».

– الموقف الإيراني العلني كان وما يزال «نوافق على ما يوافق عليه «حزب الله»، وتبعاً لذلك لم تبدر أية إشارات إيرانية تؤكد ما يُحكى عن سعيٍ فرنسيّ لطرق الباب الإيراني مجدداً، لتسويق فكرة «الضمانات» أو غيرها. وإن صحّ ذلك فالموقف واضح، كما يؤكد الإيرانيون: نوافق على ما يوافق عليه «حزب الله».

– أيّ تفاؤل رئاسي، سواءٌ أكان مبنياً على أسس صلبة أم لا، ينبغي أن يقترن بطريق مفتوح الى المجلس النيابي، وهذا يفرض التوافق مع الأطراف الأساسيين. فإن كان تفاؤلُ الرابية جدّياً، فكيف يمكن أن تتجاوز عقبة بري، المعلوم موقفه المؤيّد لمرشحين معيّنين، فضلاً عن أنّ الكيميا «مش راكبة» مع عون، والأخير ما زال يعتبر أنّ المجلس النيابي الحالي غير شرعي. ومعلوم أيضاً أنّ بري، وخلال لقائه الأخير مع وزير الخارجية جبران باسيل، لم يُبدِ له ما يُطمئن رئاسياً.

– خلافاً لكلّ ما قيل عن تطوّرات شابت الملف الرئاسي والحديث عن «مبادرة الضمانات»، فإنّ المبادرة الرئاسية التي طرحها الرئيس سعد الحريري بترشيح النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، ما زالت سارية المفعول في نظر تيار المردة، والذي يؤكد أنه ليس معنيّاً بأيّ كلامٍ آخر…