IMLebanon

تقرير IMLebanon: بين “الاغتصاب” والاعلام… تسرع ولا مهنية

dahr-el-ein

ثلاثة شبان اغتصبوا فتاة قاصر في بلدة ضهر العين في قضاء الكورة… خبر نزل كالصاعقة على المجتمع اللبناني المتحفظ، خبر هزّنا ودفعنا الى استنتجات كثيرة ومتطرفة بحق هؤلاء الشبان وكل مغتصب، إلا ان المفاجئ هو ان القرار القضائي جاء مغايرا لتلك الرواية حيث أصدر القاضي ناجي دحداح قراره الظني وأخلى سبيل المتهمين الثلاثة في قضية اغتصاب الفتاة بعدما اعترفوا هم والفتاة انهم كانوا يقومون بالمجامعة برضاها فيما ظنّ بعمة القاصر بتهمة التحريض.

بالطبع لسنا بوارد الدفاع عن اي كان في تلك القضية الحساسة ولن نلعب دور محامي الشيطان والتطرق الى اي تفصيل، ولكن ما يهمنا فقط هو الاسلوب الذي اعتمدته وسائل الاعلام في تناول تلك القضية وتسليط الضوء على الدور الذي لعبته خصوصا وان لكل قصة أكثر من رواية.

وسائل الاعلام تاجرت في القضية وكشفت اسماء الشبان والفتاة القاصر وحتى بعضها ذهب بعيدا لحد مقابلة الفتاة مباشرة على الهواء، ومن سيئات هذا الامر وفاة والدة احدى المتهمين بعد سماعها الخبر، فالسبق الصحافي اصبح يفتقر للاخلاق والمعايير اللازمة والضرورية لنقل الخبر بموضوعية وبكل صدق وشفافية.

الوسيلة الاعلامية سلاح فتاك يسقط انظمة ويغيّر قوانين فكيف يمكن اعتماد المهنية أثناء العمل؟ وكيف نتجنب الوقوع في فخّ الاثارة؟

وسائل إعلام فقدت أخلاقياتها وازمة بنيوية كبيرة

الاعلامي في المؤسسة اللبنانية للارسال والأستاذ الجامعي يزبك وهبي أوضح في حديث لـIMlebanon ان “ما قامته به بعض وسائل الاعلام خلال تغطيتها الخبر لا يمت بالاخلاقيات الانسانية بصلة قبل الصحافية، وهذا الأمر كان له عواقب كثيرة ومنها ان والدة احد الشبان المتهمين توفيت بعد سماعها خبر ان ابنها متهم بقضية اغتصاب”.

وأضاف يزبك انه “يجب الحرص دائما على الاخلاقيات الانسانية والصحافية وعدم ذكر اسماء المتهمين كاملا والاكتفاء فقط بذكر اول حرفين من الاسم، خصوصا وان المتهم هو متهم حتى تثبت إدانته أو بريء حتى تثبت ادانته”.

من جهته، أكّد مدير تحرير صحيفة “النهار” غسان الحجار لـIMlebanon أننا “نعيش بأزمة بُنيوية كبيرة في الإعلام في ظل غياب المعايير المهنية فضلا عن طبيعة الإعلام التي تطغي في المجتمع”، مشيرا الى أنه “وسائل الاعلام الالكترونية تسعى دائما الى التسويق لأخبارها عبر مواقع التواصل الاجتماعي من دون اعتماد اي معايير مهنية، أما وسائل الاعلام التقليدية فلا يمكنها ان “تقوم بالاستقصاء المطلوب وراء الخبر بسبب الشح المادي الذي تعاني منه المؤسسات”، مؤكدا ان “المندوب الذي يكون على الأرض مطلوب منه ان يغطي النشطات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها من الامور لذلك لا يمكنه ان يتابع أساس الأمور والقضايا التي تطرح”.

وشدد الحجار على أننا “نواجه مشكلة كبيرة في كل الاعلام اللبناني، فالمشكلة لم تعد لم تعد مسألة خبر بل مسألة بُنيوية في نقل الخبر”، مضيفا أن “الصحافي بدأ يسعى الى الاثارة في العناوين والاخبار لكي يجذب القراء ولكن شرط ألا تكون فارغة في المضمون او العنوان غير مرتبط بالخبر”.

وأضاف: “في الوقت الحالي وفي ظل الشح المادي في المؤسسات الاعلامية وعدم القدرة على تدريب الصحافيين كما يجب وحسب المعايير العالمية ودفع مستحقاتهم على الوقت، فتصبح المؤسسة التي تتأخر في كل شيء مجبورة على نشر أخبار هؤلاء الصحافيين”.

السبق الصحافي لا يقام على حساب الضحية

وفي ما يخص كيفية اجراء السبق الصحافي، شدد يزبك على أن “طريقة تعاطي الاعلام مع القضية لم تكن جيدة أبدا والسبق الصحافي لا يقام على حساب الضحية وعبر اجراء مقابلة معها او مع بعض الاشخاص المقربين منها”، مشيرا الى أنه “يجب ترك الأمور للتحقيق والتعاطي مع الحدث مثلما تعاطت معه القوى الامنية واعتماد البيان الذي وزعته وعدم الدخول في مسألة الأسماء، والامور الانسانية والحساسة على الاعلام ان يتابعها بطريقة دقيقة جدا”.

أما الحجار، فقال إن “القضية التي حصلت في الشمال مع الفتاة، قضية اجتماعية حساسة ومهة يجب ان تنشر في كل وسائل الاعلام ولكن من دون السعي وراء السبق الصحافي واجراء مقابلة مع الفتاة وتحويلها الى سلعة اعلامية، والمشكلة هي انه لم يتم متابعة القضية جيدا ليتم نشر الخبر فيما وسائل الاعلام كلها بدأت بنقله عن بعضها البعض من دون التأكد من المعلومات”.

ولفت الى أن “بعض المواقع الالكترونية التي نشأت حديثا توظف أشخاصا غير متخصصين وغير كفوئين مهمتهم السعي خلف الاثارة في الاخبار لجذب القراء من دون احترام المعايير المهنية، والمشكلة ان القراء يقعون في هذا الفخ”.

وعن كيفية التعامل مع الاخبار الحساسة، أكد الحجار: “القوى الامنية عندما توزع خبرا عن شخص متهم بالسرقة تنشر اول حرفين من اسمه ولكن في القوت نفسه تنشر صورته، فالصورة لوحدها كفيلة بالتشهير بالمتهم”، مشيرا الى أن “بعض وسائل الاعلام التي تعتمد المهنية عبر نشر الحرفين الأولين من اسم المتهم بدأت تجد نفسها متأخرة عن الوسائل الاخرى التي تنشر الاسم كاملا خصوصا وان القارئ يسعى دائما خلف معرفة الاسم كاملا”.

الاعلاميون ليسوا قضاة ونقل الأخبار يجب ان يتم بدقة ومهنية

يزبك شدد على أن “الاعلاميين ليسوا قضاة، فالقضاة موجودون في المحكمة ونحن لا ندين ولا نبرئ بل ننقل الخبر والمطلوب اليوم على الاعلاميين الا يطبقوا قانون الاعلام فقط بل المبادئ التي تعلموها”.

أما الحجار فأكد أننا “نعاني من نقص في المهنية بسبب قيام كل وسائل الاعلام بنقل الخبر من دون التأكد من صحته”، موضحا أن “كل القضايا الاجتماعية الحساسة يجب التعامل معها بحذر وبدقة ومهنية عالية منعا لأي التباس”.

رسالة الى طلاب الصحافة والمبتدئين

في الختام وجهّ يزبك رسالة الى الصحافيين والطلاب بصفته اساتذ جامعة، قائلا: “الاخلاقيات التي نتعلمها في الجامعة لا ندرسها فقط لكي نحفظها بل من اجل تطبيقها”، متمنيا على بعض الادارات التلفزيونية عدم السعي وراء السبق الصحافي على حساب المتهم او الضحية، موضحا أن “في الخارج وسائل الاعلام لا تصور المتهم بل تكتفي بوضع صورة غير واضحة له او تصور ظهره لكي لا تكشف وجهه”.

من ناحيته، طالب الحجار الاعلاميين عدم الوقوع في فخ الاثارة عبر عملية جذب القراء مشددا على التمثل بالوسائل الإعلامية العالمية التي تعتمد المعايير المهنية العالية خصوصا وان الصحافي الذي لا يخرج عن المهنية هو الذي سيخلد اسمه في المجتمع، مؤكدا ان “المهنية لا تخسّر بل تربّح على المدى الطويل”.