IMLebanon

الرئيس يحتاج إلى “ثلاثة توافقات”

baabda-residence

 

 

كتب طارق ترشيشي في صحيفة “الجمهورية”:

يقول سياسيّون إنّ تفاؤل رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون باقترابه من انتخابه رئيساً للجمهورية، مصدرُه معطيات تلقّاها من الرئيس سعد الحريري، بأنّه سيتبنّى في اللحظة المناسبة ترشيحَه للرئاسة، شاءَ تيّار «المستقبل» أم لم يشَأ.والذين يؤكّدون هذه المعطيات يقولون إنّ الحريري سيتّخذ هذا القرار في ضوء قراءةٍ أجراها وحلفاءَه الإقليميين، وخرَجوا بنتيجتها مقتنعين بأنّ التطوّرات الإقليمية تشي بأنّ الكفّة سترجح لمصلحة خصومهم، وأنّ مِن الأفضل التوصّل مبكراً إلى تسوية مع هؤلاء الخصوم من دون انتظار وقوع الخسارة التي يمكن أن تُظهرهم في موقع المتنازلين، أو المهزومين.

وعندما سأل الحريري مباشرةً أو عبر الموفدين عون عن المقابل الذي سيناله إذا تبنّى ترشيحَه للرئاسة، كان ردّ عون: «أنا أكون رئيس جمهورية، وأنت تكون رئيس حكومة»، فردَّ الحريري: «أن أكون رئيس حكومة فهذا مِن باب تحصيل الحاصل، فأنا الشخصية السنّية الأكثر تمثيلاً، وأيّ رئيس جمهورية سيُنتخب سيسمّيني لرئاسة الحكومة، فماذا يمكنك أن تقدّم لي غيرَ ذلك». فردّ عون: أنتَ مخطئ، فوصولك إلى رئاسة الحكومة يحتاج إلى تأييد حزب الله، ولا أحد سوايَ يمكنه إقناع الحزب بك».

على أنّ الحريري يدرك حقيقة أنّ حزب الله هو «ممرّ إلزامي» لوصوله الى رئاسة الحكومة التي يطمح إليها بقوّة، بل إنه مقتنع بأن لا مفرّ له من التفاهم مع الحزب حول هذا الامر وغيرِه من القضايا، ولذلك بادرَ عبر بعض معاونيه إلى اتصالات سرّية على هامش الحوار الثنائي إلى استكشاف ما إذا كان الحزب يؤيّد وصوله الى رئاسة الحكومة في حال تبنّى ترشيحَ عون، فكان الجواب بالإيجاب وأنّ الحزب لا يمانع في ذلك، لكن ما يهمّه هو أداء رئيس الحكومة والتزاماته السياسية لإنهاء الأزمة اللبنانية والعمل على تعزيز أواصر الوحدة الوطنية.

على أنّ تفاؤل عون وفريقه المستند إلى المعطيات الإيجابية الحريرية، هو ما أثارَ قلقَ زعيم تيار «المردة» سليمان فرنجية الذي كان الحريري قد تبنّى ترشيحَه، ولذلك سارَع إلى زيارة رئيس مجلس النواب نبيه برّي وقيادة حزب الله في اليوم التالي لزيارة الحريري الأخيرة لعين التينة، وذلك للوقوف على صحّة ما قيل مِن أنّ الحريري أبلغَ إلى بري أنّه سيتبنّى ترشيح عون، متخلّياً عن ترشيحه.

وقد خرج فرنجية من عين التينة مؤكّداً استمرارَه في ترشيحه، وكأنّه يوجّه رسالة اعتراضيةً ما إلى مَن يَعنيهم الأمر، إذ إنّه كان ولا يزال مقتنعاً بأنّ الرياض التي أيّدت مبادرةَ الحريري لترشيحِه ما تزال على موقفها وأنّها لن تذهب الى تأييد عون.

ويبدو أنّ لدى فرنجية خطّة «باء»، قد تكون ما أعلنَه على طاولة الحوار من أنّه مستعدّ للسير في انتخاب مرشّح ثالث غيرَه وغير عون، ما يعني أنّه لن ينسحب لعون حتى ولو تبنّى الحريري ترشيحَه.

لكن ثمّة معطيات تشير إلى أنّ ما يجري داخلياً شيء وما يحصل في الإقليم شيء آخر، فحلُّ الأزمة اللبنانية بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية لا يمكن أن يتمّ بمعزل عن توافق سعودي ـ إيراني، والاشتباك الدائر بين الرياض وطهران مستمرّ في التصاعد ولا يظهر حتى الآن أنّه سيتوقف، أقلّه من الجانب السعودي الذي يخوض وحلفاءَه الحرب ضد إيران وحلفائها على كلّ الجبهات، من سوريا إلى العراق والبحرين واليمن، بغية تحقيق إنجازات وانتصارات تؤهّله أن يكون شريكاً أساسياً في حلّ الأزمات الاقليمية.

وفي هذه الحال لا يبدو أنّ الرياض مهتمة بحلّ الأزمة اللبنانية أو بتأييد انتخاب عون حليف حزب الله وكلّ المحور المناوئ لها في المنطقة، قبل أن يتبلورَ مستقبل دورها في لبنان والمنطقة.

على أنّ المؤشر على تصاعد الاشتباك السعودي ـ الايراني، هو ما يَصدر عن طهران من مواقف ضدّ الرياض، وكان آخرها ما عبّرَ عنه رئيس لجنة الشؤون الخارجية والأمن في مجلس الشورى الايراني علاء الدين بروجردي خلال زيارته الاخيرة لبيروت ودمشق، وكذلك المواقف الأخيرة التي أعلنَها الامين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله والتي هاجَم فيها القيادة السعودية، وقد لقيَت ردّاً فوريّاً للحريري دافعَ فيه عن السعودية وهاجَم قيادة الحزب وطهران.

ويعتقد سياسيّون أنّ الرياض وفي ضوء هذه المواقف، لا يمكنها تبديل موقفها إيجاباً من عون، مع العِلم أنّها لم تتّخذ أيّ موقف يشير الى انّها لم تعُد تؤيّد ترشيح فرنجية، وهو ما يدركه كثيرون حتى عون نفسُه، وإن كان يحاول ان يفصلَ في الموقف بين الحريري وبين تيار «المستقبل» الذي لا تؤيّد غالبيتُه ترشيحَه.

فالرَجل حتى إشعارٍ آخر مقتنعٌ الآن بأنّ الحريري إذا ما قرّر تبنّي ترشيحه فإنّ جميع «المستقبليّين» سيلتزمون هذا الخيار، وأنّ السعودية إذا قرّرت الشيء نفسَه فإنّه لن يكون مناصٌ للحريري أو لتيار «المستقبل» من التزام هذا القرار.

ويقول البعض إنّ السعوديين والايرانيين يمكن ان يتلاقوا في لحظةٍ ما، ولكنّ ذلك لن يكون كافياً لتسهيل انتخاب الرئيس اللبناني. والسبب انّ الرياض تفصل بين طهران وحزب الله، وهي تعتبر أنّ الحزب «يشاغب» عليها ويعوقها عن تحقيق اهدافِها في سوريا واليمن والبحرين.

كذلك فإنّ إنجاز الاستحقاق الرئاسي يحتاج ايضاً الى توافق بين «الحزب» وتيار«المستقبل»، وهذا الأمر لم يحصل بعد، بدليل انّ الحريري ينبري الى الردّ مدافعاً عن الرياض ومهاجماً الحزبَ كلّما صدرَ موقف عن السيّد نصرالله يهاجم القيادة السعودية.

ولذلك، يضيف هؤلاء، فإنّ إنجاز الاستحقاق الرئاسي بات يحتاج الى ثلاثة توافقات:

الأوّل بين الرياض وطهران، والثاني بين الرياض وحزب الله، والثالث بين حزب الله وتيار «المستقبل». وحتى الآن لا مؤشّرات على حصول هذه التوافقات الثلاثة، علماً أنّ طهران تواظب على التأكيد أنّها تَعتبر انتخاب الرئيس اللبناني «شأناً داخلياً»، ما يعني أنّها تترك هذا الأمر لحزب الله، لأنّها تثق بالخيارات والمواقف التي يتّخذها في هذا الصَدد، على عكس تيار «المستقبل» الذي لا يمكنه الحسم في هذا الأمر إلّا بعد التشاور مع القيادة السعودية.

كلّ هذه المعطيات بدأت تولّد اقتناعاً لدى جميع الأوساط المهتمة، مفادُه أنّ ما يجري حتى الآن، سيمهّد شيئاً فشيئاً إلى البحث عن رئيس توافقي، لأنّ الملفات الكبرى المطروحة في الإقليم واستمرار الاشتباك السعودي ـ الايراني والانشغال الاميركي بالانتخابات الرئاسية يُظهر أنّ إمكانية إنجاز الاستحقاق بتَبني مرشّحٍ قوي باتت ضعيفة جداً، وأنّ خيار الرئيس التوافقي يُبعد عن الجميع كأسَ الشعور بالهزيمة حول هذا أو ذاك، وإنّ أوانَ اختياره وانتخابه لم يحِن بعد، ويسجّل بعض السياسيّين أن لا أحد مهتمّ حالياً بالرئاسة اللبنانية سوى فرنسا والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي فقط.

ويرى هؤلاء أن لا شيء متوقّع حصوله على جبهة الاستحقاق الرئاسي، من الآن وحتى نهاية السنة على الأقلّ، لكنّ احتمال حصول مفاجأة أو إحداث ثغرةٍ في الجدار المسدود يَبقى وارداً، كأن تعلنَ الرياض مثلاً تأييدَها ترشيحَ عون، أو حتّى أيَّ مرشّح آخَر يمكن التوافق داخلياً عليه.