IMLebanon

الحوار في موعده على وقع “لعنات” باسيل والحكومة باقية بقرار لا يتجرأ عليه أحد

salam-bassil

 

محمد شقير

يمضي لبنان السياسي حالياً إجازة قسرية يخرقها الخطاب الذي يلقيه رئيس المجلس النيابي نبيه بري في المهرجان الذي تقيمه حركة «أمل» عصر بعد غد الأربعاء في صور لمناسبة الذكرى الثامنة والثلاثين لإخفاء مؤسس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين في ليبيا، لما سيبنى عليه من مواقف وردود فعل ستكون حاضرة في جلسة الحوار الوطني الموسع التي تُعقد الإثنين المقبل في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة وتليها دعوة جديدة إلى انتخاب رئيس جديد للبنان تسبق معاودة مجلس الوزراء جلساته في الثامن من أيلول (سبتمبر) المقبل قبل أن يغادر رئيس الحكومة تمام سلام إلى فنزويلا للمشاركة في اجتماع لدول عدم الانحياز، ومنها إلى نيويورك لتمثيل لبنان في افتتاح أعمال الدورة العادية للأمم المتحدة.

ويأتي الخطاب المرتقب لرئيس البرلمان هذه المرة متزامناً مع بلوغ التأزم السياسي ذروته على خلفية السجال السياسي والإعلامي المترتب على مقاطعة «تكتل التغيير والإصلاح» لجلسة الحكومة الأخيرة والتعامل معها على أنها ليست ميثاقية بذريعة عدم حضور وزرائه الجلسة ولجوء رئيس «التيار الوطني الحر» إلى توزيع «لعناته» على من شارك في الجلسة من الوزراء المسيحيين وإقحام الاستحقاق الرئاسي في حملاته التي استخدم فيها تعابير سياسية غير مألوفة على حد قول قطب نيابي أمام زواره، واصفاً كلامه بالتحريض على الآخرين وشحن النفوس بكل أشكال الاحتقان المذهبي والطائفي.

«لعنات باسيل»

واعتبر القطب النيابي نفسه أن التعابير التي استخدمها الوزير باسيل في رده على معترضيه، لا تليق بوزير الخارجية الذي يفترض فيه أن يتصرف بمسؤولية بدلاً من البحث عن «شعبوية» لا تخدمه ولا تصب في مصلحة مؤسس «التيار الوطني» العماد ميشال عون كمرشح لرئاسة الجمهورية.

وعزا القطب النيابي نفسه السبب إلى أن من يستخدم مثل هذه التعابير المرفوضة يضيق صدره بأي معارض. وسأل: كيف سيكون الحال إذا ما انتخب العماد عون رئيساً للجمهورية؟ وهل يقبل أن يلصق وزير الخارجية «التهم» بالذين خالفوه الرأي ولم يتضامنوا معه في دعوته إلى مقاطعة جلسة مجلس الوزراء؟

وفي السياق ذاته، نقل نواب عن الرئيس بري قوله إن لا غنى عن الحوار، ومن لديه بديل فليبادر إلى طرحه بعيداً من المزايدات، وبالتالي من يفكر بمقاطعة الحوار عليه أن يتحمل مسؤولية قراره السلبي، خصوصاً في ظل الظروف الصعبة التي يمر فيها البلد.

وأكد الرئيس بري -بحسب النواب- أن أحداً لن يتجرأ على الاستقالة من الحكومة أو مجرد التفكير في فرطها، لأن التفريط بها سيدفع البلد في اتجاه الفراغ الحتمي، وبالتالي على الجميع أن يتطلعوا إلى الأمام إذا أرادوا فعلاً أن ينقذوا بلدهم، ولأن الالتفات إلى الوراء لا يفيد من يعرقل الجهود الرامية إلى إخراج الحكومة من الشلل الذي تعاني منه ووقف تعطيل الدور التشريعي للبرلمان.

ووصف الرئيس بري من يذهب بعيداً في تصعيد مواقفه بأنه أشبه بمن يطلق الرصاص على نفسه أو من يقفل الباب ويجلس وحيداً في الغرفة. وقال إن التواصل بين جميع الأطراف أكثر من ضروري في الوقت الحاضر، وان الزعامة لن تكون في التحريض إنما في إنقاذ البلد من أزمته.

ولم يغب عن بال رئيس البرلمان معاتبة وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق على غيابه عن جلسة مجلس الوزراء، وهو سيضعه في الأسباب التي أملت عليه معاتبته في اللقاء الذي يجمعهما قريباً بناء على طلب المشنوق، الذي ربما أراده لتوضيح موقفه من تغيبه عن الجلسة.

«لغز غياب المشنوق»

وعلمت «الحياة» أن غياب الوزير المشنوق عن الجلسة أثير في الاتصال الذي جرى أخيراً بين الرئيس بري ورئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة، الذي وعد بمعالجته، خصوصاً أن الرئيس بري لم يكن مرتاحاً إلى موقفه.

وطبيعي أن يشكل غياب الوزير المشنوق عن الجلسة لغزاً يستدعي توضيحه، مع أنه كان تحدث عن أن هناك معطيات دفعته إلى اتخاذ قراره هذا سيضعها بتصرف رئيس الحكومة الذي يُمضي حالياً إجازة قصيرة في خارج البلد.

كما أن غياب المشنوق عن الجلسة شكل مفاجأة لعدد من زملائه النواب في كتلة «المستقبل»، الذين فضلوا عدم إقحام أنفسهم في إجابات يمكن أن تحمل في طياتها مجموعة من الاجتهادات لن تكون متطابقة مع المعطيات التي سيبلغها هو إلى رئيس الحكومة عندما يلتقيه فور عودته من الخارج. ناهيك بأن الوزير المشنوق، وإن كان يحتفظ لنفسه بالمعطيات التي سيصارح بها الرئيس سلام، فإن الأخير -كما تقول مصادر مطلعة على موقفه- لم يكن مرتاحاً إلى غياب المشنوق، نظراً إلى تلازمه مع غياب وزراء «تكتل التغيير» وخروج الوزير ميشال فرعون احتجاجاً على عدم الأخذ برأيه بتأجيل البحث في جدول أعمال الجلسة في ظل غياب الوزراء.

وعلى رغم أن هناك من يقول إن الوزير المشنوق بغيابه عن الجلسة، أتقن اللعبة وحشر «حزب الله» مع حليفه العماد عون، لم يرق لعدد من نواب «تكتل التغيير» اكتفاء الحزب من خلال وزيريه محمد فنيش وحسين الحاج حسن بالتمني على الرئيس سلام تأجيل الجلسة أو صرف النظر عن البحث في جدول الأعمال في حال إصراره على عقدها، فإن كلمة الفصل تبقى عند وزير الداخلية بعيداً من التأويل والاجتهاد، وصولاً إلى تلويح البعض بأن لديه حسابات خاصة كانت وراء غيابه.

لذلك، لا بد من التريث قبل استباق أي كلام يتعلق بغياب المشنوق، خصوصاً أنه يفضل الصمت حتى إشعار آخر وسيبوح بموقفه إلى رئيس الحكومة، فيما لم يصدر أي موقف عن كتلة «المستقبل» التي ينتمي إليها، مع أنه كان صاحب الخيارات الثلاثة التي طرحها في اجتماع الكتلة برئاسة الحريري، الذي يفترض أن يستأنف فور عودته إلى بيروت اتخاذ موقف يكون بمستوى الأخطار التي بدأ ينزلق اليها البلد.

ومعلوم أن هذه الخيارات تبدأ ببقاء الوضع على حاله، وهذا سيكون مكلفاً للبلد الذي يقف على حافة الانهيار السياسي والاقتصادي، وتنتهي بإمكان التفكير في الوصول إلى تسوية سياسية مروراً بالخروج من الحكومة ومن الحوارين الموسع برعاية بري والثنائي مع «حزب الله» وبرعاية بري أيضاً، مع أن مثل هذا الخيار لا يجد من يحبذه أو يدعو إليه.

وعليه، يفترض أن يشكل استكمال الحوار في كتلة «المستقبل» برئاسة الحريري -كما تقول مصادر سياسية- علامةً فارقة تطوي صفحة الوقوف في منتصف الطريق بين المواجهة أو الانخراط في التسوية، وتدفع في اتجاه ضبط الإيقاع السياسي لأكبر كتله برلمانية، لأنه لم يعد من الجائز ان تستمر في حالٍ من الإرباك كما هو حاصل اليوم، وبالتالي لا بد من أن تحسم خيارها بوضع النقاط على الحروف وتحديداً في خصوص ملف الاستحقاق الرئاسي.

وإلى أن يحين موعد انعقاد هذا الاجتماع لكتلة «المستقبل» فإن مصادر نيابية ترفض أن تغرق في حملات التهويل، سواء بمقاطعة الحوار الموسع، أو الاستقالة من الحكومة، لأن بقاء الأخيرة أكثر من ضروري ولأن قرار فرطها يصطدم بقرار دولي وإقليمي داعم لاستمرارها ولن يكون في مقدور أحد أن يتجرأ على إسقاطه مهما علا شأنه، لأنه لن يستطيع تسديد بدل الفاتورة السياسية التي ستكون مكلفة له وللبلد إذا ما أقحم نفسه في مغامرة إسقاطها.

ولفتت هذه المصادر إلى أن «نعف» البلد ليس مسموحاً لأحد. وقالت إن مسؤولية الأطراف تفرض عليها التصرف بواقعية بدلاً من تلويحها من حين لآخر باتخاذ مواقف تصعيدية أقل ما يقال فيها إنها صبيانية. ودعت المصادر نفسها إلى الكف عن تهشيم صورة الرئيس الحريري، وسألت: «لمصلحة من يريد البعض أن يحرجه؟ ومن سيكون البديل القادر على ملء الفراغ وعلى مواجهة الإرهاب والتطرف؟». وقالت إن هناك ضرورة ملحة لخيار الاعتدال بزعامة من نعتبره الأكثر تمثيلاً في طائفته وشارعه مهما حاول هذا أو ذاك إضعافه.

وبناء عليه، هناك من ينصح الوزير باسيل بعدم طرح «الميثاقية» كما يراها من وجهة نظره على طاولة الحوار، لأن مجرد طرحها سيلقى ردوداً قاسية من معظم المشاركين الذين يرون أن الدفاع عنها لا يكون بتوزيع «لعناته» على من يخالفه في الرأي.