IMLebanon

العونية هي الميثاقية (بقلم أسعد بشارة)

michel-aoun

 

كتب أسعد بشارة:

 

لا يفوت التيار “الوطني الحر” خصوصاً في مرحلة ما بعد العام 2005 فرصة الا ليذكر بالميثاقية والحقوق، فالميثاقية من جهة نظر العماد ميشال عون، هي ما يفترض ان يناله من حصته داخل النظام، باعتباره ممثل الأغلبية المسيحية، وهو امر فضلاً عن عدم صحته، خصوصاً بعد أن انفضت عن الجنرال أغلبيات صغيرة من قوى 8 آذار، ككتلة النائب سليمان فرنجية، وكتلة الطاشناق المستقلة، وغيرها من القوى المحلية في زحلة والمناطق المسيحية، بات امراً خارجاً عن الواقعية، لا بل بات مرادفاً لحصرية تمثيل لم تعد قابلة للصرف، سواء عند المسيحيين، او في العلاقة مع باقي المكونات السياسية.

منذ العام 1988 ، والميثاقية التي ضربها العماد عون بعد استمراره بحكومة اللون الطائفي الواحد، باتت بالنسبة له المرادف للعونية، وكل ذلك وفق معادلة، انا أو لا وجود للميثاقية، وفي ذاك السياق اغتيل الرئيس المنتخب رينيه معوض، الذي منعه عون من الوصول الى بعبدا، بعدما اعتبره رئيساً مفتقداً للشرعية.

باسم حصرية تمثيل المسيحيين، عارض الجنرال اتفاق الطائف بشقه السيادي، وتجاهل حينها صلاحيات الرئاسة، ليعود ويستحضرها في العام 2005 ، ويجعل منها عنوان معركته الداخلية بعدما اعتبر أن خروج النظام السوري، اسقط المعركة السيادية، وان الاولوية باتت لمعركة استرداد ما “سلب” من صلاحيات ومواقع، وعلى رأسها الرئاسة الاولى، التي كانت ومازالت منذ العام 1988 وتحديداً منذ العام 2005 والى اليوم عنوانا لمعركة التعطيل باسم الميثاقية والحقوق.

ويبقى السؤال: هل كرس العماد عون “العونية الميثاقية”، كمعادلة ثابتة، متفق عليها من الحلفاء والخصوم؟

الواضح أن هذه المعادلة أصبحت محاصرة حتى داخل البيت المسيحي، وتحديداً في دوائر ثلاث. ففي الدائرة الاولى المرتبطة بعلاقة القوات اللبنانية مع التيار بعد لقاء معراب، نجح عون بنيل شيك قواتي لكن ليس على بياض، وما موقف القوات اللبنانية من تأييد التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، الا مؤشراً على أن القوات غير مستعدة لأن تغطي الميثاقية العونية، التي تحمل في طياتها بذور انقلاب على اتفاق الطائف، والتي لم تنتقل الى ان تكون عنواناً لأي مكسب للمسيحيين، بل استقرت على نشأتها الاولى في العام 1988 كمطلب لشخص وفئة، وهو مطلب غير قابل لأن يكون مكسباً مسيحياً، بالمعنى الذي يغري به الجنرال باقي المسيحيين كي يدعموه، لا بل ان هذه الميثاقية العونية، تحولت في أغلب محطاتها الى مغامرات دفع المسيحيون ثمنها غالياً.

في الدائرة الثانية المتعلقة بموقف الكنيسة، لم تنجح الميثاقية العونية ولو لمرة واحدة بإقناع الكنيسة، من الخلف الى السلف، بأنها تشكل عنوان الخلاص، لا بل أن المحطتين اللتين اصطدم بهما العماد عون مع كل من البطريرك نصرالله صفير وبشارة الراعي، ارتبطتا بالفراغ الرئاسي الذي تسببت به الميثاقية العونية، ما خلف في المحطتين احداث جسام، وتغييرات في معادلة التوازن الداخلي.

في الدائرة الثالثة وهي الأوسع، والمرتبطة بتحالف الميثاقية العونية، مع سلاح حزب الله، على طريقة تبادل الخدمات، بدا ان للسلاح حسابات تتخطى طموح العماد عون بتكريس ميثاقية على مقاسه. هذه الحسابات تتصل بطبيعة الصراع في المنطقة وبتوازنات القوى، وبالعلاقة مع السنة في لبنان والمنطقة، وهي بالتالي تستعمل يافطة الميثاقية متى دعت الحاجة وتتلحف بشعار تحالف الأقليات، لكن توظفها في الوقت المناسب، وتضحي بها في خدمة التسوية.

لم يسبق لزعماء مسيحيين كبار في تاريخ لبنان، أن ربطوا الميثاقية، بوصولهم للموقع الاول. لم يتصرف الرئيس كميل شمعون، ولا الشيخ بيار الجميل ولا العميد ريمون اده على هذا النحو، ففي العام 1970 ، توافقوا على انتخاب الرئيس سليمان فرنجية، وفي العام 1976 ، أمنوا حصول جلسة انتخاب الرئيس الياس سركيس، معتبرين أن الفراغ هو العدو الاول للميثاقية، وهو المدخل الى اضعاف المسيحيين، اما اليوم فإن تجربة العماد عون التي تربط الميثاقية بوصوله الى قصر بعبدا، هي التجربة الاولى التي تخاض منذ إنشاء لبنان الكبير.

هذه التجربة ومهندسوها، الذين يكررون عبارة ميثاقية في اليوم آلاف المرات، يتجاهلون أن ميثاقية من نوع آخر مفقودة في علاقة المسيحيين ببعضهم البعض،سواء أؤلئك الذين تلغي الميثاقية العونية مكوناتهم، أو الذين وافقوا على مضض تاركين الميثاقية العونية كي تستنفد نفسها، فيما هم ينتظرونها عند نهاية الطريق، ولا يتجشمون عناء السؤال عن سبب عدم اتساع صدر الميثاقية لترشيح سمير جعجع، بعد أن سدت أبواب الرئاسة بوجه مرشح الخيار الأول والأخير.