IMLebanon

فرنسوا فييون في الطريق إلى الإليزيه؟

francois-fillion

 

 

كتب محمد بلوط في صحيفة “السفير”:

باستثناء فرانسوا فييون، لم يكن أحد ليراهن على فرانسوا فييون رئيساً للجمهورية الفرنسية في نيسان المقبل. ذلك أن رئيس وزراء فرنسا خمسة اعوام متتالية في الحقبة الساركوزية الممتدة من 2007 الى 2012، الذي فجّر مفاجأة كبرى بانتصاره في الانتخابات التمهيدية لحزب «الجمهوريين»، لخوض معركة الرئاسة في نيسان المقبل، لم يكن مرشحاً في كل استطلاعات الرأي، الى أكثر من المركز الثالث في أفضل الاحوال طيلة عام كامل من استمزاج آراء ناخبي اليمين الوسط، قبل ان يستدرك معهد «ايبسوس» الامر قبل ساعات من توجه اربعة ملايين فرنسي الى صناديق الاقتراع، ويضعه في المقدمة بنسبة 30 في المئة. فرانسوا فييون حاز 44 في المئة من اصوات ناخبي حزب «الجمهوريين»، تاركاً وراءه، على مسافة بعيدة، رئيس الوزراء الآخر آلان جوبيه، عند 28 في المئة، فيما آلت الساركوزية، ونيكولا ساركوزي، الى هزيمة، بحلول الرئيس الفرنسي السابق ثالثاً مع 21 في المئة من الاصوات، بعدما كان جوبيه وساركوزي مرشحين لخوض الدورة الثانية من الانتخابات الاولية، الاحد المقبل.

ومن دون أدنى شك، يمكن القول إن الرئيس الفرنسي المقبل، لن يكون سوى فرانسوا فييون، وهي المرة الاولى في فرنسا التي تحسم فيها انتخابات تمهيدية، المعركة من أجل الإليزيه قبل الوصول اليها في نيسان من العام المقبل. اذ ان اتساع المسافة بينه وبين آلان جوبيه، يجعله بعيداً عن متناول خصمه في الدورة الثانية الأحد المقبل، فضلاً عن إعلان ساركوزي تأييده وتصويته له. وفييون رئيساً من دون منازع، بسبب انعدام حظوظ الرئيس فرانسوا هولاند بالبقاء ولاية ثانية في الاليزيه، الرئيس الذي سجل رقماً قياسياً في تاريخ فرنسا بانحدار شعبيته حتى الأربعة في المئة من الفرنسيين، وأرقاما قياسية اخرى في النقمة على سياسته الاجتماعية والاقتصادية والامنية. وفييون رئيساً لأن تعقيدات نظام الدورتين الانتخابي للرئاسة، يحرم مرشحة كمارين لوبان عن «الجبهة الوطنية»، من وراثة الجمهورية الفرنسية الخامسة، وحتمية اتحاد أحزاب اليسار واليمين، كما حدث عام 2002 في مواجهة والدها جان ماري لوبان، لمنعها من الفوز في الدورة الثانية في مواجهة فرانسوا فييون، اذا لم تفز بأغلبية الاصوات في الدورة الاولى، اذ لم يحدث أن فاز مرشح بنسبة واحد وخمسين في المئة من الاصوات في تاريخ الانتخابات الرئاسية مند تأسيس الجمهورية الخامسة الفرنسية عام 1958.

والأرجح أن فوز فييون في الانتخابات التمهيدية، وتحول انتخابات الرئاسة في نيسان المقبل، الى قصة فوز معلن، قد سهله في المقام الاول، تقنياً، فشل استراتيجية ساركوزي في الإبقاء على اختيار المرشح داخل جدران حزب «الجمهوريين»، اكبر احزاب فرنسا وأعضائه الذين يقتربون من 200 الف عضو. وأدى حق المشاركة في اختيار المرشح لمن شاء من الناخبين، الى جعل تطويق ساركوزي للآلة الحزبية بالموالين للساركوزية أمراًَ لا طائل تحته، خصوصاً ان الاحزاب اليمينية الفرنسية، تحولت الى ماكينات انتخابية، ولم تعد تجمعات سياسية وفكرية حقيقية. اذ أدى إقبال أربعة ملايين ناخب من اليمين والوسط، وحتى اليسار، الى جعل الحزب الساركوزي مجرد ناخب بين ناخبين كثر وإغراقه خصوصاً بناخبي الوسط الذين لم يستسيغوا استراتيجية ساركوزي بسرقة شعارات يمين الوسط، ولا بعث آلان جوبيه وافتقاد عجوز الشيراكية الغاربة للكاريسما، وتعبيره عن فشل الطبقة السياسية الفرنسية بتجديد نفسها ووجوهها منذ الثمانينيات.

ويبدو فرانسوا فييون الى حد ما امتداداً لظاهرة دونالد ترامب، من دون شعبويته، بحمله بصيغة أوضح وأكثر تبلوراً خطاباً في ميدان السياسة الخارجية تحديداً، خطاباً ثورياً في ما يتعلق بالنزاع في سوريا، ومواجهة «داعش»، رغم أنها لم تكن عنصراً أساسياً في فوزه في انتخابات أمس. فالرجل الذي يبدأ منذ اليوم مسيرته نحو الإليزيه لخلافة فرانسوا هولاند، لم ينتظر حملة الانتخابات الأولية لإعلان نيته الانقلاب على كل السياسة، التي اتبعها نيكولا ساركوزي، وفرانسوا هولاند. والأرجح أنه سيستفيد من تقاطع المواقف مع الترامبية في أولوية مواجهة «داعش»، وإعادة ترتيب السياسات الفرنسية في سوريا على هذا الأساس. بل ذهب فييون أبعد من ترامب في دعوته الى ضم «حزب الله»، وايران، والجيش السوري، والأكراد، والرئيس بشار الاسد، الى تحالف دولي لمكافحة الارهاب، واعتبارهم شركاء شرعيين وجديين في محاربة «داعش»، لأنهم «يقاتلون داعش، واذا ما أردنا فعلا القضاء عليه». كما دعا منذ ثلاثة اعوام الى إعادة العلاقات مع دمشق والتنسيق معها، وفتح السفارة الفرنسية فيها. وكترامب ايضا، يعبّر فييون ايضا عن تعاظم تيار فرنسي داخل المؤسسة الفرنسية يعمل على إعادة التفكير بطبيعة العلاقات مع السعودية التي اعتبرها أحد مصادر التهديد الارهابي في أوروبا، ودعا الى مراجعة العلاقات معها ومع قطر. وفرانسوا فييون، مفاجأة جيدة للروس، اذ يدعو الى إعادة النظر بالسياسة الاوروبية التي تدفع روسيا نحو آسيا، كما قال، و «كلما كبرت آسيا اقتصاديا، كبر الاتجاه فيها للعب دور عسكري، ودفع روسيا نحو آسيا هو نتيجة لسياستنا الحالية التي ينبغي أن تتغير».