IMLebanon

إنعاشاً لذاكرة ابراهيم الأمين (بقلم طوني أبي نجم)

ibrahim-alamine

 

 

كتب طوني أبي نجم

 

كتب ابراهيم الأمين في جريدة الأخبار بتاريخ الثلثاء 6 كانون الأول 2016 مقالة تحت عنوان: “استعادة الحقوق أو السلطة”. لا حاجة لنقاش الأمين في مضمون مقالته، لأنه في الأساس ليس مخولا ولا مؤهلا للنقاش في “حقوق المسيحيين” ولا في ما يحق لهم وما لا يحق لهم. إنما، وكون الأمين هو رئيس تحرير “الأخبار” التي أنشأها المسؤول الأمني السابق في الحزب عماد مغنية، وتتابع تأمين تمويلها اليوم عبر قنوات على علاقة بـ”حزب الله” سواء بطريقة مباشرة أم غير مباشرة، فإن ما يستوجب التوقف عنده هو المقطع الأخير من المقالة الذي قال فيه:

“إن نجاح محاولة البعض، تحويل حدث وطني كبير ونوعي، تمثل في انتصار العماد عون، إلى قضية تخص قسماً من اللبنانيين، يعني حكماً، دفع بقية اللبنانيين، والسيئين منهم على وجه التحديد، إلى لعبة تأبيد النظام الطائفي الذي يحكم لبنان منذ أن اخترعه الاستعمار دولة مستقلة ونهائية. وهذا يعني أنه عند أول مفترق إقليمي كبير، سيخرج من بين المسلمين، وهناك استعداد لذلك، من يطالب بتغيير جوهري لصيغة الحكم والنظام في لبنان. وعندها، نسير جميعاً باتجاه خيارين أحلاهما مرّ: الهجرة أو الذمية!”

لذلك وجب تذكير ابراهيم الأمين بالآتي:

ـ أولا إن التاريخ اللبناني لا يبدأ في العام 1982 يوم أسس الحرس الثوري الإيراني ميليشياته في لبنان المسمّاة زوراً “حزب الله”. كما أنه لا يبدأ حكماً في العام 1943 تاريخ الاستقلال اللبناني، ولا في الـ1920 مع إعلان الجنرال غورو تأسيس دولة لبنان الكبير. فما قبل هذه التواريخ محطات لا يمكن لأي باحث أو مؤرخ القفز فوقها، من الإمارة الشهيرة المستقلة مع الأمير فخر الدين المعني الكبير وصولا الى نظام المتصرفية، مئات من السنين عجزت خلالها الإمبراطورية العثمانية من حكم لبنان كما حكمت بقية المناطق والأقاليم في المنطقة، واضطرت إلى الاعتراف بوضعية خاصة لجبل لبنان، هذا الجبل الذي كان نفوذه يتوسع أو يضيق بحسب المراحل.

وبالتالي فإن الإهانة التي وجّهها ابراهيم الأمين الى الدولة اللبنانية التي اعتبرها “اختراع الاستعمار” تستوجب مساءلة توازي المساءلة التي تعرّض لها الطالب باسل الأمين، لأن من يعتبر وطنه اختراعاً من الاستعمار يكون يطعن في أسس الكيان ويستأهل الإحالة الى المحاكمة تماماً كما باسل الأمين، مع فارق أن ابراهيم الأمين يملك صحيفة ويُفترض أن يتحمّل مسؤولية أكبر ولم يكتب على حائط على الفايسبوك!

ـ ثانياً: إن القول إنه في حال طالب المسيحيون بحقوقهم “سيخرج من بين المسلمين، وهناك استعداد لذلك، من يطالب بتغيير جوهري لصيغة الحكم والنظام في لبنان”، وبأنه عندها سيبقى “خياران أحلاهما مرّ: الهجرة أو الذمية!”، فإن أبسط ما يمكن أن يُقال هو إن الأمين يترك لنفسه بهذا التحليل صفتين: الغباء أو الجهل… وأحلاهما العمالة لأعداء لبنان بصيغته الحضارية والتعددية.

الجهل في التاريخ والجغرافيا، الجهل في تاريخ المسيحيين، تاريخ عمّدوه بالمقاومة والاستشهاد ليحفظوا حريتهم. ولا بدّ من إحالته الى ما قاله غبطة البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير في العام 1994 إن “التاريخ يشهد بأن المسيحيين إذا خُيّروا بين الحرية والعيش المشترك فسيختارون الحرية من دون أي تردد”. يمكن للمسلمين أن يطالبوا بتغيير صيغة الحكم والنظام في لبنان، وتيار المستقبل حتى اليوم يصرّ على “الطائف” والمناصفة ووقف العدّ، كما أكد الرئيس سعد الحريري مراراً وتكراراً. عندها يبقى “حزب الله” في قفص الاتهام المثبت بالوقائع والأدلة والأرشيف والتصريحات الحديثة (آخرها للشيخ نعيم قاسم في كانون الثاني 2016 في حديث لتلفزيون “الميادين”)، لأن هذا الحزب لم يخفِ يوماً سعيه إلى إقامة جمهورية إسلامية في لبنان تتبع لمنظومة ولاية الفقيه وللولي الفقيه الإيراني.

لكن شتّان ما بين أمنيات “حزب الله” وأحلامه ومشاريعه، وما بين محاولة تحقيق هذه الأحلام على أرض الواقع في لبنان. فإذا كان الأحرار من أبناء الطائفة الشيعية يرفضون الخضوع لـ”حزب الله” ولقنوه في الانتخابات البلدية والاختيارية أكثر من درس في أكثر من منطقة، وإذا كان السواد الأعظم من الطائفة السنية يخوض مواجهات مباشرة وغير مباشرة مع “حزب الله” ومن وراءه، بالسياسة في لبنان وبالحديد والنار في أكثر من دولة ومنطقة محيطة، وإذا كان أبناء طائفة الموحدين الدروز اتحدوا في 9 أيار 2008 وواجهوا مشاريع حزب ولاية الفقيه في الجبل وأوقفوا تقدمه بعد أن كان احتل بيروت، فهل ينتظر أتباع هذا الحزب من السُذّج أن يقف المسيحيون، أبناء “المقاومة اللبنانية”، مكتوفي الأيدي في حال وضعهم أمام خيارات كمثل التي ذكرها ابراهيم الأمين؟

الهجرة غير واردة مهما بلغت كلفة الصمود، الذمية لم تكن يوماً موجودة في قاموس مسيحيي لبنان، والاستسلام من خارج ثقافتهم. وفي كل مرة كان مسيحيو لبنان يوضعون أمام هذه الخيارات، كان ردهم يأتي صاعقاً بخيارهم الوحيد وهو المقاومة ثم المقاومة ثم المقاومة. المقاومة الحقيقية دفاعاً عن حريتهم وإيمانهم مهما بلغت التضحيات، والمقاومة اللبنانية دائماً وأبداً ليبقى لبنان مساحة للحرية لكل المتعطشين إليها في هذه البقعة من العالم في وجه كل طغاة العالم وأوباشه. ومن واجه منظمة التحرير الفلسطينية وجيش حافظ الأسد ومجموع الميليشيات والمرتزقة، سيتدبر أمره في مواجهة فلول الباسدران والباسيج في لبنان إن اقتضى الأمر.