IMLebanon

حين ينتقل الخلاف من المقاومة إلى “الكوتا”!

 

كتب عماد مرمل في صحيفة “السفير”:

مع بدء مناقشة البيان الوزاري لحكومة سعد الحريري في مجلس النواب، أمس، تبدت أكثر فأكثر ملامح المرحلة السياسية الجديدة التي جمعت المتناقضين حول ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية وتوجت بتشكيل الحكومة الجديدة، برغم مخاضها الصعب على مدى شهر ونصف الشهر.

ولعل أحدا لم يكن يعتقد، الى ما قبل انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية، ان لجنة وزارية تضم كل التناقضات الصارخة في لبنان تستطيع ان تنجز في جلستين بيانا وزاريا يحاكي قضايا خلافية، ينقسم حولها اللبنانيون بحدة.

بل ان أحدا لم يكن يتصور، حتى ما قبل اشهر قليلة، ان سعد الحريري وعلي حسن خليل ومحمد فنيش ومروان حمادة وسليم جريصاتي ويوسف فنيانوس وبيار ابي عاصي يمكن ان يجتمعوا حول طاولة واحدة، فكيف بان يضعوا بهذه السلاسة مسودة بيان وزاري، بدت أقرب الى «الرياضة الذهنية» منها الى مادة صراع حول كل كلمة وحرف كما كان يحصل في السابق.

وإذا كانت «الاصول» تقضي بمناقشة البيان في المجلس النيابي قبل التصويت على الثقة في الحكومة الجديدة، فان الاكيد انها ستنال ثقة مرتفعة جدا، بعدما يكون النواب قد افرغوا «مخزونهم» من «الكلام السائل»، في أعقاب سنوات من الصمت الاضطراري الذي فرضه تعطيل المجلس.

صحيح، ان البيان الوزاري تحول مع الوقت الى مجرد «فولكلور سياسي» أو «موضوع انشاء»، لا تطبقه اي حكومة، لكن هذا لا ينفي ان ما تضمنه مشروع بيان حكومة «استعادة الثقة» من توافق شبه تام على «واجب الدولة وسعيها لتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلة والجزء اللبناني من قرية الغجر بشتى الوسائل المشروعة، مع تأكيد حق المواطنين اللبنانيين في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي ورد اعتداءاته واسترجاع الاراضي المحتلة»، إنما يعكس مرونة بعض الاطراف الداخلية المعروفة بخصومتها لـ «حزب الله» في مقاربة جوهر المقاومة، بمعزل عن عدم إدراج الثلاثية الشهيرة (الجيش والشعب والمقاومة) في نص البيان.

أكثر من ذلك، يكشف أحد أعضاء لجنة الصياغة عن ان الرئيس الحريري فاجأه عندما ردّ على بعض رافضي الصيغة المعتمدة حول المقاومة بالقول: يا اخوان.. حزب الله سلّم معنا بمسألة الالتزام بالقرارات الدولية.. معقول ما نعطيه في مكان آخر؟

ويضيف عضو اللجنة من حلفاء حزب الله: امام هذا الموقف للحريري لم أجد ان هناك حاجة للتدخل والإضافة.

ويلاحظ مصدر سياسي واكب عمل اللجنة ان شخصيات معروفة بانها من «الصقور»، بدت خلال المناقشات هادئة وواقعية، في انعكاس للمناخ الجديد السائد مع بداية العهد، لافتا الانتباه الى انه من المفارقات التي سُجلت أثناء مداولات لجنة البيان الوزاري ان الخلاف هذه المرة تركز على مسألة الـ «كوتا النسائية» وحجم حضور المرأة في مجلس النواب، وليس على سلاح المقاومة او الازمة السورية!

ويعتبر المصدر ان البيان الوزاري دشّن مرحلة جديدة وطوى كل المرحلة السابقة، ومن ضمنها «اعلان بعبدا» الذي فقد وظيفته مع الاستغناء عن معادلة النأي بالنفس التي حلت مكانها قاعدة الابتعاد عن الصراعات الخارجية، مشيرا الى ان الفارق بين المعادلتين هو تحديدا الفارق بين ميشال عون وميشال سليمان.

ويشير المصدر الى ان فلسفة البيان الوزاري لا تصلح فقط للحكومة الحالية المحكومة بالعمر القصير ربطا بالانتخابات النيابية المقبلة، وإنما هي ينبغي ان تشكل ركيزة البيانات الوزارية للحكومات المقبلة، لان الاهداف الموضوعة من مكافحة للفساد وبناء لاقتصاد المعرفة وغيرها من الامور الاستراتيجية، لا يمكن ان تُنجز خلال أشهر قليلة، ولا أحد من أعضاء اللجنة او الحكومة لديه أصلا مثل هذا الوهم.

ويستنتج المصدر المطلع ان دروب العهد سالكة وآمنة حتى الآن، وما السرعة في انجاز البيان الوزاري، سوى أحد المؤشرات في هذا الاتجاه.

وعليه، يبدو واضحا ان قوة الدفع التي أتت بعون رئيسا للجمهورية لم تفقد زخمها بعد، بل هي ولّدت الحكومة خلال فترة مقبولة، ثم انتجت البيان الوزاري في وقت قياسي. لكن الاختبار الاهم لجدوى هذه «الطاقة المتجددة» يكمن في مدى قدرتها على الدفع نحو وضع الموازنة وإقرار قانون الانتخاب العصري، وإلا فان الانجازات الاخرى التي تحققت ستبقى شكلية.. وناقصة.