IMLebanon

الإستحقاق النيابي ينتظر مبادرة الحريري؟

 

 

كتب طارق ترشيشي في صحيفة “الجمهورية”:

خلافاً لكلّ التوقّعات المتشائمة، يؤكّد ديبلوماسيون عاملون في بيروت أنّ «الدخان الأبيض» سيتصاعد قريباً إيذاناً بالاتفاق على قانون انتخاب جديد تجري الانتخابات النيابية على أساسه في مهلة أقصاها أيلول المقبل.مبعثُ تفاؤلِ هؤلاء الديبلوماسيين انتخابياً، أوّلاً، هو أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لن يقبل في أيّ شكل وتحت أيّ ظرف تمديدَ ولاية مجلس النواب مجدّداً أو إجراءَ الانتخابات وفق قانون الستين النافذ، خلافاً لتعهّدِه للّبنانيين في «خطاب القسم» أمام مجلس النواب في 31 تشرين الأوّل الماضي بإجراء الانتخابات النيابية المقبلة على أساس قانون انتخاب جديد.

ومبعثُ تفاؤل هؤلاء الديبلوماسيين ثانياً، هو تمسُّك الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله بإقرار قانون انتخاب يعتمد النظام النسبي «ممرّاً إلزامياً» للعبور إلى الدولة العادلة وذات التمثيل الشامل لمكوّناتها في مجلس النواب، وهذا الموقف لن يحيد الحزب وحلفاؤه، وعلى رأسِهم رئيس الجمهورية، عنه، إلى أن يحقّق هدفَه تماماً، كالموقف الذي أدّى إلى انتخاب عون رئيساً بعد طول جدال وسجال وانتظار دامَ الشغور الرئاسي معه لأكثر من سنتين.

ومبعثُ تفاؤل هؤلاء الديبلوماسيين ثالثاً هو اقتناعهم بأنّ رئيس الحكومة سعد الحريري ستكون له مبادرته النيابية لحلّ أزمة الاستحقاق النيابي مِثل مبادرته الرئاسية التي حلّت أزمة الاستحقاق الرئاسي بتبنّيه ترشيحَ عون لرئاسة الجمهورية.

الديبلوماسيون أنفسُهم يشبّهون ما يحصل الآن في شأن الاستحقاق النيابي بما حصَل في شأن الاستحقاق الرئاسي في الأسابيع القليلة التي سَبقت انتخاب عون.

فريق يَقبل بهذا الاقتراح في شأن قانون الانتخاب وآخر يرفض ذاك، تماماً مثلما انقسَم الأفرقاء السياسيون حول مرشّحي رئاسة الجمهورية الذين اختُزلوا في الأيام الأخيرة من الاستحقاق بالمرشّحَين عون ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، قبل أن يتوافق الجميع ويُحسَم الأمر في النهاية لمصلحة عون ويعود فرنجية إلى عرينه النيابي آملاً في أن تكون له فرصته الرئاسية السانحة في المرحلة المقبلة.

ولذلك، يرى الديبلوماسيون، أنّ كرةَ قانون الانتخاب العتيد باتت في ملعب الحريري الذي على الخيار الذي سيتّخذه في هذا الصَدد ستتحدّد ماهية قانون الانتخاب، علماً أنّ هامش الخيارات أمامه بات ضيّقاً ولم يعُد من مجال فيه للترَف، لا للحريري نفسِه ولا للآخرين، فسواء عارَض هذا الاقتراح أو ذاك فإنه ستكون له «خطوته الشجاعة» قريباً، تماماً كالخطوة التي اتّخذها بتبنّي ترشيح عون لرئاسة الجمهورية، متّكئاً على تأييد خصومِه الضمني لترشيحه لرئاسة الحكومة الأولى في عهد عون، وهو ما عليه الآن.

ويَعتقد البعض في هذا المجال أنّ ما يُشاع من أنّ الحريري أبلغَ إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري «استعداده الإيجابي» للبحث في قانون الانتخاب الذي يعتمد النسبية الكاملة، هو بمثابة توطئة لخطوة شجاعة سيَخطوها الحريري قريباً وتُخرج الاستحقاق النيابي من عنق الزجاجة، لاقتناعه ضمناً بأنّ هذه الخطوة يمكن أن تعبّد له الطريق لتولّي رئاسة الحكومة التي ستنبثق عن الانتخابات المقبلة وما ستفرزه من طبقة سياسية جديدة.

ويشيرهؤلاء إلى أنّ الحريري يدرك أنّ مواقف عون وبري والأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله المنسجمة حول صيغة قانون الانتخاب العتيد من الصعب إحداث تغيير جوهري فيها، ولكن يمكن إدخال بعض التعديلات، فيها لجهة تقسيم بعض الدوائر الانتخابية فيها، فاعتماد النسبية سيَحصل كلّياً كان أم جزئياً، ولا عودة إطلاقاً إلى قانون الستين، ولا إلى النظام الأكثري، وبالتالي فإنّ الحريري سيسير في هذا الركب ليكون له مكانه والدور في الحياة السياسية التي ستنطلق في ضوء مجلس النواب المقبل، وهو مقتنع بأنّ التخلّف عن هذا الركب قد لا يكون في مصلحته، أو على الأقلّ، قد لا يحقّق له المصالح السياسية، أو المستقبل السياسي الذي يطمح إليه.

وفي رأي هؤلاء أنّ الحريري بدأ يرتاح إلى مستقبل علاقته مع حلفائه في الداخل والخارج، ولن يكون الآن في وارد الاشتباك سياسياً مع أحد لاعتبارات داخلية وإقليمية، وأنّ جلّ اهتمامه منصَبّ على تحصين وتدعيم موقعِه السياسي داخل بيئته وعلى المستوى الوطني، وفي اللحظة المناسبة والتي لم تعد بعيدة سيتّخذ «خطوته الشجاعة»على مستوى الاستحقاق النيابي.

وإذا كانت له من خيارات سياسية أو مواقف سيتّخذها من هذا الطرف أو ذاك أو من هذه القضية أو تلك، فإنه سيفعل ذلك بعد الانتخابات النيابية وفي ضوء النتائج التي سيخرج بها على مستوى حجم تمثيله النيابي.

على أنّ الحريري وغيره من الأفرقاء السياسيين يقدّمون الاستحقاق النيابي على ما عداه من قضايا داخلية وخارجية، فالغالبية السياسية مهتمة بطبيعة قانون الانتخاب وتحديد موقعها في المرحلة المقبلة، قبل الانطلاق إلى التفاعل أو الاهتمام بالتطوّرات الإقليمية المتلاحقة، علماً أنّ الأطراف الإقليمية والدولية المهتمة بأزمات المنطقة مهتمة أيضاً بما سيكون عليه مصير أطراف اللعبة السياسية اللبنانية المتمحورين حولها.

ويعتقد هؤلاء الديبلوماسيون أنّ ما يحصل حول الانتخابات النيابية المقبلة سببُه أنّها ستكون محطة مفصلية في تاريخ لبنان المعاصر لأنّها تحصل في ظلّ المتغيّرات التي تشهدها المنطقة والتي يتّخذ بعضها الطابعَ الدراماتيكي، إذ ستشهد تحالفات متعددة، وسيكون بعضها مفاجئاً في الواقع السياسي، وسيكون منسجماً مع طبيعة المرحلة المقبلة التي سيدخل لبنان خلالها نادي الدول المنتجة للنفط والمصدّرة له، ولذا فإنّ قانون الانتخاب آتٍ لا ريبَ فيه، وإنّ ساعة الانتخابات آتية لا ريبَ فيها، وفي وقتٍ ليس ببعيد، فالقانون الانتخابي قد يتبلور قبل انتهاء ولاية مجلس النواب في 21 حزيران المقبل، ولكنّ الانتخابات لن تُجرى قبل أيلول، لاعتبارات تقنية لا سياسية.