IMLebanon

التوطين شرط لإنقاذ لبنان من الإنهيار؟

كتب طوني عيسى في صحيفة “الجمهورية”:
من هم المستفيدون من هذه الخلطة العشوائية: «سلسلة عشوائية»+ «ضرائب عشوائية»، ولماذا الإصرار عليها، على رغم التحذيرات الصادرة عن معظم الخبراء؟

بالتأكيد، تدرك القوى السياسية ما سيؤول إليه لبنان إذا استمرّ النهج العشوائي المعتمد: فرض ضرائب من جهة، وفقدان العدالة في توزيع عائدات الدولة والعطايا على فئات موظفيها من جهة أخرى، وانعدام العدالة بين القطاعين العام والخاص.

تحت وطأة الضرائب القاسية التي يسارع المجلس النيابي إلى إقرارها، ليس واضحاً إذا كان للمطالبين بسلسلة الرتب والرواتب أن يفرحوا بما سيكون عليه الوضع لاحقاً، أم أن يحزنوا؟

لكنّ المحسوم هو أنّ فئات منهم سيعاجلها الندم، وأنّ القطاع الخاص سيشهد انتفاضات قاسية، وستكون تداعياتها قاسية أيضاً على العمال وأصحاب العمل والاقتصاد اللبناني ككل.

يقول نائب ينتمي إلى كتلة كبيرة في المجلس: «لسنا مقتنعين بالسلسلة ولا نريد إقرارها، لكننا أصبحنا محشورين. أليس الرئيس ميشال عون هو الآتي إلى الحكم تحت عنوان «الإصلاح»؟ فليتحمّل المسؤولية إذاً عمّا يجري. لا نريد أن نذهب ضحية الشعارات التي يرفعها سوانا. فقد دفعنا ما فيه الكفاية».

طبعاً، هناك ردٌّ عونيّ جاهز على هذا النائب: «لم يكن رئيس الجمهورية هنا عندما تمّ إقرار اللعب عشوائياً، ومن دون درس معمّق، بالتوازنات في الرواتب بين أساتذة الجامعة والقضاة وسواهم. لقد كان معروفاً أنّ ذلك سيقود إلى «فلتان الملقّ»!

اليوم، تتقاذف الكتل المسؤولية، مثلما فعلت دائماً. ولكن، لا يقدّم أيّ منها دراسة علمية شاملة ومتوازنة لواقع الدولة وماليّتها وحقوق العاملين في القطاعين العام والخاص والاقتصاد اللبناني والمؤسسات التي يقارب بعضها الإفلاس.

وعلى الأرجح، إنّ توقعات الخبراء بحصول كارثة اقتصادية – اجتماعية، ستكون في محلها. والجميع يقترب من حافة الهاوية ويغسل يديه من المسؤولية. وعندما تقع الواقعة، سيقول الجميع: «فتِّشوا عن المسؤولية لدى الآخرين! وربما يفضّل البعض- للتاريخ – أن يكون غائباً عن الجلسة في بعض المحطات «القاسية» من عمليات إقرار الضرائب…

الخلل الواضح، كما بدأ يظهر من خلال «إنجازات» الجلسة التشريعية، يتمثل بجوانب مختلفة:

1 – هناك فروق شاسعة في تقدير الفئات التي تطاولها مفاعيل السلسلة، بين بضعة ملايين ليرة للبعض، و100 ألف ليرة للبعض الآخر.

2 – هناك اعتراضات يعبِّر عنها المعلمون والأساتذة والمتعاقدون والمتقاعدون وأساتذة الجامعة والقضاة، كل من زاويته.

3 – هناك ما يقارب 22 ألف موظف، دخلوا الخدمة في القطاع العام منذ أن جرى طرح مشروع السلسلة، فكيف تمّ ذلك، ولماذا، ومَن سارع إلى إدخال هؤلاء. وفي ظل العجز الواضح عن تأمين المسلتزمات للجسم الوظيفي قبل «انتفاخه»، هل كان منطقياً تضخيم هذا الجسم قبل إقرار السلسلة؟

4 – بنتيجة السلسلة، ستكون رواتب فئات من موظفي الدولة عالية إلى درجة غير منطقية، قياساً إلى الفئات الأخرى في القطاعين العام والخاص. وهذا يضرب منطق العدالة بين المواطنين الذي يكرّسه الدستور. وسيدفع ذلك إلى المطالبة بسلسلة تصحيحات لا تنتهي، وستدوم مفاعيلها سنوات، في ظلّ عجز الدولة وماليتها العامة.

5 – فيما الهيئات الرقابية معطلة، وفيما يحوم الفساد حول «حيتان» القطاع العام، وبعضهم لم يدخل مدرسة سوى مدرسة السرقة، سيكافأ هؤلاء «الحيتان» على فسادهم، فيما تسود البطالة والهجرة أوساط الشباب متخرجي الجامعات والمعاهد، ومنهم المتفوّقون، بسبب عدم قدرتهم على دخول سوق العمل ولو بأدنى الرواتب وأسوأ الظروف!

6 – من المؤكد أنّ هناك موجة عارمة من الغلاء والتضخم ستضرب لبنان في الفترة المقبلة، ستطيح بجزء من «المكاسب» التي حققها المستفيدون الكبار من السلسلة، فيما المستفيدون الصغار سيفقدون المكاسب بكاملها.

وأما الطامة الكبرى فستحلّ بموظفي القطاع الخاص الذين من جيوبهم سيموِّلون السلسلة ثم يدفعون ثمنها غلاءً وتضخّماً وضيقاً في سوق العمل.

7 – الجميع مقتنع بأنّ هناك أبواباً للهدر والفساد، أبطالها السياسيون أنفسهم، ومن غالبية الكتل النيابية، وهي معروفة. فلماذا لا يُصار إلى البدء بها قبل الذهاب إلى الزيادات العشوائية في الضرائب؟

هذا غيض من فيض. وفي النتيجة، يتوقع بعض الخبراء ارتفاعاً غير مسبوق في نسبة الفئات المحسوبة تحت خط الفقر، تكون تداعياتها خطرة على مستقبل لبنان.

ثمّة مَن يسأل: في خضم التأزم في قانون الانتخاب، هل هناك مَن يمتلك الوقت والإرادة للتفرُّغ وإجراء دراسة شاملة حول السلسلة والموازنة، تجنِّب البلد ما ينتظره بالتأكيد؟

يسأل البعض: أرباب العمل الذين لطالما كانوا يعارضون السلسلة بقوة، وعادة، هؤلاء هم الأكثر درساً وتمحيصاً لأنّ الأمر يتعلق بمصالحهم، لماذا يصمتون اليوم؟

هناك مَن يعتقد أنّ بعض القطاعات، ولا سيما منها المصارف والعقارات المبنية، ربما تستفيد من رفع الرواتب في القطاعين العام والخاص. فالجمود الحاصل في وضعية العقارات المبنية ناتج عن خلل كبير في التوازن بين أسعار الشقق والرواتب.

وعندما ترتفع مستويات الرواتب، خصوصاً لدى فئات معيّنة، تتحرّك التسليفات العقارية مجدداً، ومعها سوق العقارات المبنية، فيستفيد القيمون على هذا القطاع وعلى المصارف. وكان مصرف لبنان مهَّد للخطوة بخفض الفوائد على القروض.

كلّ ذلك، سيكون من نوع التضخيم بـ»الكورتيزون»، وليس علامة صحّية. وسيترافق مع نقمة شعبية عارمة لدى أوساط مختلفة في القطاعين العام والخاص، بحيث يشعر الجميع بأنه مظلوم، فيما يتّهمه الآخرون بأنه الظالم!

للتذكير، في تاريخ لبنان، كلّ الثورات والانتفاضات الشعبية انتهت بكوارث طائفية، من 1840 إلى 2005. فهل مَن يقرأ التاريخ؟

هذه الوقائع والتوقعات ستضرب عهد عون من أساسه، على المستوى الاجتماعي – الاقتصادي، فيما هو مضروب بالفشل في إنتاج مجلس نيابي جديد «يبدأ معه العهد فعلياً»، كما يعتقد الرئيس منذ انتخابه.

سيحتاج لبنان إلى النفط والغاز لسدّ الثغرة الكبيرة التي سيقع فيها، ولكن هناك عشر سنوات على الأقل لتحقيق هذا الهدف إذا سار كل شيء على ما يُرام. فماذا سيفعل إذاً؟

هل سيرضخ لضغوط المجتمع الدولي الذي سيبتزّه؟ هل سيقول بعض الأقوياء في العالم للمسؤولين اللبنانيين: «لكي يبقى لبنان واقفاً على رجليه، عليكم الرضوخ للشروط»! وما أكثر هذه الشروط في الشرق الأوسط، وأبرزها تطبيع النازحين السوريين والفلسطينيين…

مخيف هذا الاندفاع الأعمى إلى الهاوية! قد لا يكون البعض ملمّاً بكل الوقائع والتوقعات، وهو لا يُلام لأنه لا يمتلك رؤيةً لشيء. ولكن، ماذا عن الذين يمكن وصفهم بأنهم يَعلَمون؟