IMLebanon

من سرَّب مسوَّدة العقوبات الأميركية… ولماذا؟

 

 

كتب ناصر شرارة في صحيفة “الجمهورية”:

تفاعلت أخيراً مسألة العقوبات الاميركية على “حزب الله”، ضمن مسارات متعددة. فجأة تمّ تسريب مسودّة مشروع قانون يشتمل على دفعة جديدة من العقوبات الجاري تحضيرها في لجان الكونغرس تمهيداً للتصويت عليها. في واشنطن حصل، بحسب مصادر متابعة لـ”الجمهورية”، سجال داخلي بين وزارة الخزانة الاميركية ووزارة الخارجية والكونغرس حول الجهة التي سرّبته، على رغم أنه لا يزال مسودة للنقاش الداخلي في الكونغرس. وفي بيروت تردد اوساط رسمية أن الجهة المسربة هي صديقة للبنان، فيما بيئات “حزب الله” تعتبر أنّ تسريب مسودة القانون الى لبنان، قبل تحوله قانوناً نافذاً، يمثّل في حد ذاته جزءاً من اهداف خطة العقوبات الاميركية على “حزب الله”، وهي في هذا الاطار، سيناتور اميركي بعينه، بصفته الجهة الاميركية المسرّبة، وتلفت الى وجود علاقات له بأطراف لبنانية وحتى بدول إقليمية.

وبحسب المصادر عينها، فإنّ التسريب يرمي الى تحقيق نوعين من الاهداف:

أولهما، التهويل على “حزب الله”، وخصوصاً على الرئيس نبيه بري وايضا على حلفاء الحزب من السنّة والدروز والمسيحيين، من طلال ارسلان حتى سليمان فرنجية، وإشعارهم بأنّ علاقتهم بـ”حزب الله” أصبح لها ثمن عليهم دفعه، وانّ واشنطن جادّة في فرض عقوبات عمودية وأفقية ومباشرة وغير مباشرة على الحزب وعلى البيئات الحاضنة له سياسياً واجتماعياً ومالياً وخدماتياً.

وتسود داخل هذه البيئة التي تعتبر التسريب جزءاً من اهداف خطة العقوبات الجديدة، اسئلة عن المقصود من مدى الشراسة التي تتضمنها العقوبات بحسب نسخة المسودة، الى درجة انها تطرح أسئلة منها: ماذا لو اعتبرت الخزانة الاميركية أو وصلت اليها أخبار تقول انّ علاقة وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل بـ”حزب الله” وثيقة واكثر من عادية، فهل سيتم فرض عقوبات على حساباته المالية؟!.

اما الهدف الثاني من التسريب، في رأي المصادر نفسها، فهو اقل أثراً، ويتصل بسيناريو إنتاج مناخ داعم للحكومة اللبنانية لكي تتخذ خيارات محددة تتصل بالقطاع المصرفي اللبناني، ورأس الهرم فيه.

والسؤال الاكثر اهمية ضمن كل هذه التطورات المتصلة بملف العقوبات الجديدة الاميركية على “حزب الله” الجاري البحث فيها داخل الكونغرس، هو: هل فعلاً سيتم إقراره في النهاية من دون اي تعديل على مسودته التي وصلت الى بيروت؟ ام انه لحظة تصويت الكونغرس عليها وتحولها قانوناً نافداً سيتم تعديلها بما يتناسب مع مصالح الحفاظ على استقرار لبنان؟

في 23 الشهر الجاري، سيُعقد، وفقاً لمصادر متابعة، اجتماع بين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومسؤولين في الخزانة الاميركية، وواضح انّ سلامة سيطرح قضية استقرار لبنان انطلاقاً من احتمال ان يهتزّ فعلياً في حال تمّ تنفيذ العقوبات الاميركية على “حزب الله”، حسبما هي واردة في المسودة المسرّبة الى بيروت.

وفي ظل رهانات على دور ايجابي لسلامة لثَني وزارة الخزانة عن المضيّ في العقوبات ضد “حزب الله” تمسّ الاستقرار في لبنان، فإنّ شخصيات لبنانية أجرت أخيراً لقاءات مع مسؤولين في الامن القومي الاميركي ومع اكثر من سيناتور في الكونغرس لاستيضاح طريقة تفاعل هذا الملف في واشنطن، عادت الى بيروت وهي تحمل جملة انطباعات توضح حقيقة المدى الذي ستذهب اليه واشنطن ضد الحزب في لبنان، مقاربة بالسقف العالي الذي تطرحه واشنطن الآن في مسودة قانون العقوبات المسربة والتي تقصد غالباً التهويل وشنّ حرب نفسية على الحزب وعلى محيطه اللبناني الحاضن له.

أوّل هذه الانطباعات يعترف بأنّ أخطر معنى تنطوي عليه العقوبات الواردة ضمن مسودة القانون المزمع رفعه الى الكونغرس، يتأتى من انه يمثل شن حرب شعواء على استقرار البلد وقطاعه المصرفي معاً، وعلى اقتصاد المجتمع اللبناني ككل ومن ضمنه الشيعي سواء داخل لبنان وخارجه، وليس فقط على الحزب الذي سيكون اقل المتضررين منها لأنه عملياً لا يملك حسابات في القطاع المصرفي اللبناني.

ويلفت هذا الانطباع الى الاثر السلبي الذي سيتركه على امن البلد، اذ يوجد بند في مشروع القانون يدعو الخزانة الاميركية الى صرف مكافآت من صندوق سري لهذه الغاية، لمصلحة مقدمي معلومات عن شخصيات وجهات لها صلة بالحزب.

وثاني هذه الانطباعات يميل الى الاعتقاد، انطلاقاً ممّا قرأه اصحابه بين سطور كلام المسؤولين الاميركيين، أنّ واشنطن هي الآن في لحظة تهويل على الحزب وعلى بيئته السياسية الاوسع في لبنان، وبتعبير أدقّ، هي في لحظة توجيه رسالة له عبر تسريب مسودة قانون العقوبات المقترح، مفادها انّ عليه مراعاة “خطوط اميركا الحمر”، وإلّا فإنها ستمضي في تشديد الحرب الاقتصادية عليه لتصبح ذات بعد سياسي شامل.

وضمن سياق هذا الانطباع يلفت هؤلاء الى انّ واشنطن لا ترى نفسها انها في لحظة تريد فيها شنّ حرب على “حزب الله” شرط ان يلتزم الحزب البقاء في فنائه اللبناني وحتى الاقليمي اللصيق به، وان لا يذهب الى ساحات بعيدة ليمارس فيها مشاريع سياسية او امنية او حتى اقتصادية مستترة، وان لا يتعرّض لخطوط اميركا الحمر في المنطقة، سواء بفعل اضطراره الى ذلك تحت تأثير ضغط طهران عليه، أو لأي اسباب اخرى.

حتى انّ معلومات اخرى تتكامل مع الفكرة التي يوردها القائلون بهذا الانطباع، وكانت قد كشفت خلال الشهر الماضي، انّ واشنطن تعرض حالياً على “حزب الله” بطريقة ملتوية وغير مباشرة وعبر أكثر من طرف، ما يشبه نوعاً من الهدنة، عنوانها العريض أن ينأى بنفسه بالحد المطلوب أميركياً عن النزاع الذي تزمع ادارة ترامب خَوضه ضد ايران في المنطقة.

وكان سياق هذه المعلومات قرأ في تنظيم “حزب الله” جولته الاعلامية على الحدود مع اسرائيل، رسالة تعبّر عن رفضه الانصياع لهدنة تقول “إفعل ذلك وإلّا”، وايضاً إعلان تحدّيه لحرب العقوبات الشاملة ضده، عبر التذكير بامتلاكه ورقة سلم وهدوء الجبهة اللبنانية ـ الاسرائيلية وسلاسة استمرار القرار 1701.