IMLebanon

تحقيق IMLebanon: معركة الأمعاء الخاوية تجتاح سجون لبنان… فهل يقرّ قانون العفو العام؟

 

تخيّلوا لو أنكم محكومون لمدة 6 أشهر أو سنة واحدة في السجن لسبب ما ولكن بدلا من أن تقضوا المدة التي حكمتم بها تمتد حتى تصل الى 5 سنوات أو أكثر… تقبعون خلف القبضان عاجزين وغير قاردين على تحريك ملفكم أو المطالبة بتعويض عن الظلم الذي لحق بكم، وهو حق الحياة بحرية والعقاب العادل.

في لبنان سجناء كثر يعانون من عدم البت بمحاكامتهم ما أدى الى تخطي مدة محكوميتهم بسنوات عدّة من دون ان ينظر بجدية الى مشكلتهم، فلم يوجد حتى الآن حلّ لهذه المعضلة، ما دفع بالسجناء إلى “إعلان معركة الأمعاء الخاوية” والإضراب عن الطعام للمطالبة بالعفو العام.

العفو العام في هذه الحالة محق، لكن هناك من لا يتقبل أن يتم الافراج عن مرتكب جناية أو تاجر مخدرات قتل عناصر أمنية أو حتى شارك في أحداث نهر البارد وعبرا وعرسال وغيرها، فقط لأن هناك مَن سُجن ظلما وأتهم زوراً بسبب عمل بعض الأجهزة الأمنية الكيدي والسياسي.

فما هو الحلّ وهل يمكن ان نصل الى إقرار قانون عفو عام عن هؤلاء؟ وماذا بشأن تسريع المحاكمات وإلغاء المحاكم الإستثنائية؟

مخيبر: للإسراع في المحاكمات وتجزئة الملفات

النائب غسان مخيبر يؤكد في حديث لـIMlebanon أن “مسألة العفو العام عن هؤلاء المساجين والموقوفين طرحت عدة مرات في السابق ولم تلق تجاوبا لجهة انه لم تجر صياغة أي اقتراح قانون، وانما خلال عرض هذا الامر على لجنة حقوق الانسان النيابية تبين لنا في الواقع ان هناك حالات انسانية يجب التطرق اليها، كما أن المحاكمات امام المجلس العدلي بطيئة جدا وهناك عدد من الحالات لم يتم النظر اليها”.

ويطالب مخيبر، “أولا، الاسراع في المحاكمات وتجزئة الملفات قيد التحقيق والمحاكمة، ثانيا، دعوة النيابات العامة وقضاة التحقيق لإعادة النظر في ملفات الإحالة للتأكد من ان جميعها ضرورية للنظر في إقامة العدالة، وهذه التوصية صدرت في السابق وقد أخذ بها ولو جزئيا ولكن يجب ان تستعاد وتستكمل، وثالثا، تحسين ظروف السجن لجميع هؤلاء المساجين مع العلم أن إدارة السجون قد شيدت مبنى خاص في سجن رومية لهم ولكن لا نعرف إذا يستوعب الجميع”.

نبيل الحلبي: معظم الموقوفين الذين أفرج عنهم أبرياء!

من جهته، يؤكد مدير مؤسسة “لايف” المحامي نبيل الحلبي في حديث لـIMlebanon أنه “منذ أحداث نهر البادر في العام 2007 حصلت حملة اعتقالات واسعة شملت المتورطين في المعارك ضد الجيش اللبناني وشملت ايضا اشخاصاً عاديين من خلال وثائق اتصال التي تم إلغاؤها في العام 2014 من قبل مجلس الوزراء باعتبارها انها لا تستند على مذكرات قضائية وهي فقط اخباريات قد يكون معظمها كيديا او سياسيا، فالتوقيفات الواسعة شملت اشخاص لا علاقة لهم بالأحداث وليسوا حتى من الفكر نفسه الذي ينتمي إليه عناصر مجموعة “فتح  الإسلام” او الإرهاب التكفيري، حيث ان بقاء هؤلاء رهن الاعتقال لفترات طويلة امتدت لأكثر من 7 سنوات أمر غير مقبول”.

ويكشف الحلبي انه “عندما بدأت المحاكمات في عهد الحكومة السابقة أي حكومة الرئيس تمام سلام تبين أن معظم الموقوفين أطلق سراحم لانهم أبرياء، وقمنا بدراسة على شخص خرج براءة بعد 7 سنوات من السجن، وجدنا أنه بعد 3 سنوات من سجنه طلبت زوجته الطلاق منه، وبعد عامين أصبح أطفاله في الشارع، فما هي نظرة هذا الشخص وعائلته للدولة؟ خصوصا انه بريء ولم يكن متورطاً في أي أعمال إرهابية وغيرها، وبالتالي فإن توقيف شخص 7 سنوات فيما حكمه هو شهرين يعد كارثة وجريمة”.

هل تحارب الدولة الإرهاب او تساهم في صنعه؟

ويشدد الحلبي على أن “من أطلق سراحه لم يتم التعويض عليه، فيما تفككت عائلاتهم واصبحوا ناقمين على الدولة والمجتمع، سائلاً: “هل فعلا هذه الدولة شريك المجتمع الدولي في مواجهة الإرهاب او هي تصنع الإرهاب؟” فالحكومات المتعاقبة هي متورطة في هذا الامر لانها تركت اجهزة امنية من دون انضباط القيام باعتقالات على اساس سياسي وكيدي، وللأسف الشديد هناك اجهزة امنية يخضع عدد من ضباطتها لعدم انضباطية ولآراء حزبية وسياسية، خصوصا واننا رأينا في احداث عبرا تصرفات غير قانونية واعتداء على اشخاص ابرياء”.

وفي ما يخص أحداث عبرا، يؤكد الحلبي وجود “شهود وتقارير وصور وفيديوهات تؤكد مشاركة “حزب الله” بمعركة عبرا مباشرةً الا ان كل تلك الامور لم يحصل اي تحقيق فيها، وعندما طالب الموقوفون بتعيين محامين لهم لتدوين اعترافات أحد الاشخاص المنتمين االى سرايا المقاومة والذي أجبر على القتال في أحداث عبرا رفض القاضي الطلب وقام بطرد المحامين من قاعة المحاكمة”.

ويشير الى أن “هذا التصرف ضد فئة معينة من الشعب تحول بيئة صالحة نحو الارهاب لانها اصبحت ناقمة على المجتمع والدولة، فهذا الامر خطير جدا ويهدد الامن القومي والسلم الاهلي، والشعور بالاضطهاد يولد الارهاب”.

العفو العام مستبعد

أما بالنسبة لإمكان إصدار قانون عفو عام، فيستبعد مخيبر أن “يصدر قانونا يعفي عن جميع الأشخاص الملاحقين لان من شأن هكذا قانون هو إفلات عدد كبير من الأشخاص من عقاب مستوجب، وبالتالي يجب اتباع التدابير التي طالبت بها لجنة حقوق الانسان وذلك النظر في الحالات الفردية والاسراع في المحاكمات”.

ويضيف ان “الكلام عن اقرار قانون العفو العام لا يمكن إلا ان يطال الجرائم الصغيرة، وطرح في الماضي قانون عفو عام انما لجرائم ومخالفات صغيرة، فهناك مخالفة وجنحة وجناية، قانون العفو العام صدر للجنح من دون الجنايات، وانما هذا لا يعني السجناء الاسلاميين سوى البعض منهم والملاحق بجنح مرتبطة بجنايات، وهذه السلة قد تكون مقبولة، وشخصيا استبعد في اي حال من الاحوال عفو عام شامل وعن جميع الجنايات”. ويدعو مخيبر “الحكومة الى الاسراع في اجراء التدابير التي سبق وذكرتها، فيجب الاسراع في المحاكمات ويجب ان تكون ليل نهار من دون انقطاع لأن لا شيء يبرر البطء الحاصل في المحاكمات”.

قضاة أرستقراطيون وطبقة قضائية كارثية!!

ولكن ما الذي يمنع الدولة من تسريع المحاكمات، يردّ الحلبي: “نحن أمام قضاة أرستقراطيين وطبقة قضائية كارثية وعلى القضاء ان يكون مستقلا وصالحا، مع العلم أن كل السياسيين طالبوا بإلغاء المحكمة العسكرية وحصر أعمالها بمحاكمة العسكريين”.

ويضيف أن “السجون لا تتسع لهذا العدد الهائل من المسجونين ونحن أمام مشكلة في اكتظاظ السجون، والقانون ينص على أن كل مدعي عام وقاض منفرد عليهم زيارة السجن مرة في الاسبوع، فأي قاض يزور السجناء الذين لم يحاكموا بعد مرور سنوات على سجنهم؟”.

الحلبي يعتبر أن “مجتمعنا مفكك والدولة تخلت عن خدمتها للمواطنين وأبسط الحقوق ومنها التعويض على هؤلاء، فليس هناك نص قانوني صريح يستوجب التعويض، والمشكلة أن المحكمة العسكرية الناظرة لتلك القضايا لا تعترف بتعويضات وحتى للضحايا لا تحكم لهم بتعويض”.

بين المحاكم العسكرية.. والعفو العالم!

وفي ما يخص إلغاء المحكمة العسكرية، يحبّذ مخيبر حصر صلاحيات المحكمة العسكرية بجرائم العسكريين وهناك اقتراح قانون يؤيده يجب ان يناقش وهذا الامر مرتبط بتطوير العدالة في لبنان، انما المطلوب اليوم هو الاسراع في المحاكمات، فهناك  حالات غير مقبولة وتتحمل مسؤوليتها الدولة ولا سيما السلطة القضائية والمحاكم، وحل هذه الحالات اللانسانية هو في تسريع المحاكمات الصحيحة والنزيهة وليس قوانين عفو عام”.

من جهته، يؤكد الحلبي أن “الحلّ يبدأ بإلغاء المحاكم الاستثنائية على رأسها المحكمة العسكرية والمجلس العدلي ومحكمة الطبوعات، فهذا البلد ديمقراطي ويجب البدء بالقضاء وتفعيل استقلالية القضاء العادي ومن دون هذا الحل فنحن نتجه نحو انهيار كبير، اما ما يدمر البلد فهو القضاء الاستثنائي وعدم استقلاليته”.

هذه هي مشكلة العفو العام

الحلبي يشرح أن “مؤسسات حقوق الانسان من حيث المبدأ العام ضد العفو العام لأننا مع مبدأ عدم الافلات من العقوبة، ولكن دائما هنا استثناء على هذا المبدأ فعندما نرى أن هناك ظلما كبيرا وشائعا وممنهجا، نتوجه نحو تأييد العفو العام، لانه يهمنا خروج البريء حتى لو خرج معه مذنبون”.

ويكشف عن أن “المشكلة معقدة جدا لانه يجب ان تتم مقايضة في الموضوع، فالموقوفون على أساس سياسي يجب تسويتهم بالقتلة الجنائيين، ومبدا المقايضة ستدخل فيه السياسة خصوصا إذا اردنا الإفراج عن محكومين من طائفة ما، لذلك يجب المحافظة على التوازن الطائفي، ولا يمكن الفصل بقضايا المحكومين لأن قانون العفو العام  يمر في مجلس النواب، والمجلس مؤلف من كل الاحزاب السياسية ويجمع كل الطوائف”.