IMLebanon

ماذا يجري في كفرمتى.. المصالحة مهددة

 

 

كتبت صونيا رزق في صحيفة “الديار”:

“منذ ما يقارب السنة ونصف السنة وتحديداً في ايلول من العام 2015 واصل البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي إنجاز المصالحة المسيحية – الدرزية، فقام بجولة على قرى عاليه والشحار الغربي، محققاً الجزء الثاني من المصالحة التي ارساها سلفه البطريرك نصرالله صفير في الشوف في صيف العام 2001، حيث وصفت زيارته حينها بالتاريخية لانها أنهت حرباً مذهبية في النفوس، بعد ان تحققت على ارض الواقع في العام 1983 لترسّخ التهجير المسيحي من قرى الجبل، خصوصاً تلك التي شهدت معارك مذهبية سقط خلالها ضحايا من الفريقين، ما خلق اجواءً من الحقد استمرت لسنوات عديدة، وكانت نتيجتها عودة خجولة للمسيحيين بعد دفع تعويضات مادية من صندوق المهجرين خجولة بدورها.

ومن ضمن مناطق الشحار الغربي برزت جولة الراعي في بلدة كفرمتى، التي عانى مسيحيّوها من مصاعب التهجير، لذا كانت أسس المصالحة فيها صعبة جداً، لكن البطريرك بدأ خطوته هذه بلقاء شيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ نصر الدين الغريب، في حضور ابناء البلدة المسيحيين والدروز ونواب المنطقة، وكانت حينذاك دعوة وجههّا الراعي والغريب لفتح صفحة جديدة تنهي المآسي التي حصلت في هذه المنطقة.

لكن وبعد مرور ما يقارب العام على انتهاء الانتخابات البلدية في بلدة كفرمتى، والتي اسفرت عن فوز تكتل العائلات المسيحية – الدرزية، بحيث لم يكن الفوز الكبير للاحزاب على الرغم من تدخّلها، إلا ان العرف المتبّع انتج فوز 10 دروز و5 مسيحيين في المجلس البلدي، يجهدون للعمل بحسب ما ينقل بعض الاهالي في البلدة، ويشيرون الى ان تداعيات الانتخابات البلدية التي ظهرت قبل عام لا تزال فاعلة حتى اليوم، وقد اظهرت خلافات ضمن البلدة برزت منذ فترة، لافتين الى ان نشاطاً يعرف بـ «رحلة المشي» دعت البلدية الاهالي للمشاركة فيه تحت تسمية «مسيرة الزيتون» لكن هذا النشاط انتج خلافات ضمن البلدة بين جهة حزبية والقيمين عليه ضمن المجلس البلدي، اذ لم ُتنسَ بعد تداعيات فوز ائتلاف لائحة العائلات المسيحية – الدرزية على بعض المرشحين المدعومين من الحزب التقدمي الاشتراكي الذي عارض هذا النشاط تحت حجج واهية، وبهدف إفشال البلدية مع ما يرافق ذلك من إثارة للنعرات المذهبية، الى ان ازدادت التراكمات الخلافية ومُنع النشاط الذي كان موعده في 30 نيسان الماضي، بحيث تجمّع عدد من مناصري الحزب التقدمي الاشتراكي طالبين من البلدية إلغاء النشاط المذكور وإلا سيتم التعرّض للمشاركين، فتطور الاشكال الى درجة إطلاق الاتهامات والاقاويل ضد نائب رئيس البلدية الذي يقوم بعمله اليوم نظراً لسفر رئيس البلدية، ما دفع ببعض الاهالي المسيحيين الى ترك البلدة مخافة ان يتطور الاشكال بعد ظهور حالات الاحتقان والتهديد والشتائم، فضلاً عن حصول تضارب بالايادي بين بعض الحزبيين والمعترضين على هذه التصرفات غير المقبولة. مع إشارة الاهالي الى ان التدخلات الحزبية في هذا الاطار هي التي ادت الى تفاقم الخلاف، لكن في نهاية المطاف لم تحصل «رحلة المشي». فيما شدّد الاهالي من الطائفتين المسيحية والدرزية على ضرورة تدخل الدولة لحل هذه الخلافات والتوتر القائم، والقضاء على أي طابور خامس يعمل على توتير اجواء بلدتهم التي عادت الى قواعدها من خلال المصالحة، مؤكدين أن المصالحة باقية ومستمرة مهما عمل البعض على توتيرها.

الى ذلك، أملت مصادر سياسية مسيحية في منطقة الجبل، أن تنتهي رواسب الماضي التي يعود زمنها الى الحرب اللبنانية، وفي أن تبذل جهود إضافية لتنقية النفوس اولاَ، وبالتالي ان تثمر تسوية حاسمة لهذا الملف، الذي أخذ منحى طائفياً بعد الكم الهائل من التهجير، معتبرة أن زيارات رجال الدين لا تكفي، والمطلوب ترسيخ اسس المصالحة الحقيقية من خلال تطمينات من الدولة، أي عبر وجودها وفرض هيبتها الامنية في مناطق الجبل، كي يشعر كل مواطن بأنه في أمان، وبأن الحرب أصبحت وراءه، لان العودة النهائية اصبحت ضرورية والجبل يجب ان يعيش بجناحيه الدرزي والمسيحي، مع ضرورة منع دخول الطابور الخامس على الخط لان هدفه التفرقة، وشددّت على ضرورة ان تقوم وزارة المهجرين بواجباتها، وتعطي الاموال المطلوبة للمسيحيين كي تتحقق عودتهم بكرامة.

ورأت هذه المصادر أن السياسة أدت دوراً في تأخير عودة المهجرين الى الجبل، لان طيّ صفحة الماضي كانت له أسباب، منها ان البعض لم يكن مستعداً للمسامحة، فيما هدفنا اليوم إنهاء الانقسامات السياسية، وبالتالي اعلان ايماننا المشترك لاننا نتكامل معاً في هويتنا وتنوعنا، فقيمة لبنان بتعدديته وبتنوعه لا سيّما في الظروف العصيبة الراهنة، التي تتطلب المزيد من التواصل بين الافرقاء وتعزيز لغـة الحوار، مع التشديد على ضرورة ان تبقى منطقة الجبل بمنأى عن الصراعات الدائرة في البلد، من خلال كسر حدّة الاصطفافات وإسقاط المتاريس السياسية والنفسية، وتنفيس الاحتقان السياسي على المستوى الداخلي، اذ من المهم جداً في هذه الظروف الحساسة ان تفتح قنوات الاتصال وتطبيق المثل القائل: « اذا الجبل بخير فلبنان كله بخير…”