IMLebanon

دعوا أولادكم يضجرون!

كتبت سابين الحاج في صحيفة “الجمهورية”:

موسم الشتاء الحافل بالدروس يشارف على الانتهاء، فبعدما انشغلَ الولد بحضور الصفوف منذ الصباح الباكر ليعود إلى المنزل ظهراً ويستكمل رحلة الدرس الشاقّة، يطلّ الصيف حاملاً أحلامَ الراحة والاسترخاء واللعب. ولكنّ الولد الذي اعتاد أن ينشغلَ طوال الوقت لا بدّ من أن يشعر بالضجر بعد فترة وجيزة من انطلاق الفرصة. فهل الضجرُ مفيد أم مدمِّر؟ وكيف يمكن كسرُه؟

«أمّي أنا أشعر بالضجر»، جملة لا تفارق شفتَي الولد كلّما جلس لدقائق قليلة. بعض الأمّهات ينشغلن بحثاً عن 1000 فكرة قد تُسلّيه، خوفاً من أن يَتملّكَ المللُ من نفسه الصغيرة، فيملأنَ حياته بلائحة من النشاطات لا تنتهي، ولا يتركنَ له وقتاً للجلوس أو التفكير أو حتّى الراحة، حيث ينتقل من مدرسة صيفية في الصباح إلى ممارسة نشاطات شتّى بعد الظهر، ليخرج بعدها مع الأهل أو الأصدقاء في المساء… وهناك أمّهات أخرَيات يعتبرنَ ضجرَ ولدهنّ طبيعياً، ويتركنَه لمصيره الضجِر جالساً وحيداً في الغرفة لأيامٍ وأيام، لا يجد فيها رفيقاً سوى التلفزيون وبعض الألعاب الإلكترونية.

هل الضجر مفيد؟

يؤكّد الكثير من علماء النفس أنّ ضجر الولد مفيد، لأنه يحثّه على التفكير لإيجاد ما يشغل نفسَه به، فيكتشف نفسَه وما يحب أن يفعله، بينما إمطارُه بالنشاطات لا يترك له وقتاً للجلوس والتفكير والابتكار. فإذا كان الوالدان منهمكين بأمور كثيرة فلابأس في أن يواجها ضجرَ ابنِهما أو ابنتِهما بعبارة:

«نحن مشغولان الآن، يمكنك أن تمضيَ الوقت بالرسم، أو بسماع الموسيقى…». عدم استجابة الأهل لرغبات الولد فوراً، تُعلّمه احترامَ انشغالهما، كما يُدرك أن ليس كلّ ما يطلبه في الحياة يحضر بثوانٍ على طبَق من فضّة.

وتَكمن الإفادة الأسياسية للضجر بأنه يُحفّز قدرةَ الولد على الابتكار، فبَعد تسَلّلِ الملل إلى نفسه ينتقل إلى مرحلة الخلقِ والاكتشاف وإشغالِ نفسِه بما
يُسلّيه، ما يُعلّمه أيضاً تسلية نفسِه في أوقات الفراغ وعدم الاتّكال دائماً على الآخرين لإسعاده والترفيه عنه.

ويمكن أن يترك الوالدان أدوات للرسم وسماع الموسيقى وابتكار الأشغال اليدوية في متناول الولد، فيستعملها طريقاً يُخرجه من الملل ويدفعه إلى التفكير. في المقابل لا ينصَحكما الخبراء بتوجيه الولد لمشاهدة التلفزيون لفترات طويلة، حيث لا يُشغّل عقلَه، بل يؤدّي دورَ المتلقّي الجامد لساعات، كما أنّ التلهّي بالألعاب الإلكترونية يعيق تطوّرَ قدراتِ الولد الذهنية والجسدية، واستعدادَه إلى الاختلاط مع الآخرين.

لا تزيدوا ضجرَه

فوائد الضجر الكثيرة لا تعني أن تتركا الولد يموت ضجراً ويُمضي الصيف وهو يناجي خياله في غرفته وحيداً أسيرَ الحيطان، بينما تنشغلان كأهلِِ بالعمل لجنيِ المال وكسبِ القوت اليومي. لا تنسَيا أنّ العلاقات الاجتماعية والنشاطات تساهم في تطوير شخصية الولد الذي وإنْ جلسَ وحيداً أمضى يومَه بمشاهدة التلفزيون، ما يؤدّي إلى تسطيح تفكيره وجعلِه انطوائياً كثيرَ الخجلِ وحتّى تعيساً، لأنّ ضجره لفترات طويلة يدفعه إلى التفكير المفرط واليأس، أو حتى إلى الانحراف من خلال كسرِ الضجر بالتعرّف إلى أيٍّ كان عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وانتبِهوا، إذا كان الولد يعاني من الكآبة واليأس، فإنّ شعورَه بالضجر يُفاقِمُ من سوء أحواله، لأنّ كثرةَ الملل وانتظامه مجلبةٌ للضرَر.

أهمّية التواصل

الولد بطبيعته كائنٌ اجتماعي، وإذا وجَد نفسَه دائماً «مزروباً» في غرفته لا يتواصل مع الآخرين، فسيُهدّده خطرُ الانطواء، علماً أنّ أحد مفاتيح نجاح الإنسان العصري هو قدرته على التواصل. فلا تَعزلا ولدكما عن العالم، ولا تُسهما في زيادة الضجر عن حدّه، ولا تحرماه، في المقابل، نعمة الضجر من خلال حشوِ عطلتِه الصيفية ببرنامج كثيف لا يترك له أوقات فراغ ولا واحات للراحة.

ولا تنسَيا أنّ دفعَ شخصيتِه قدُماً يمرّ بتشجيعه على نسجِ شبكةِ أصدقاء، إذ يُمكنكما دعوةُ أولاد آخرين إلى المنزل حيث يقضون معاً أمسيةً مسلّية أو يتناولون الطعام ويتبادلون الأحاديث ويلعبون… فلا تهمِلوا تسلية أولادكم بما يحبّونه، كما يمكن أن تشاركوهم بعض نشاطاتهم، فهذا يقرّب المسافة بين أفراد العائلة، ويُعبّر لأولادكم عن اهتمامكم.