IMLebanon

إمارة الجرود والقرار السياسي

 

 

كتب نبيل هيثم في صحيفة “الجمهورية”:

“لا يمكن المرور على العملية النوعيّة التي نفّذها الجيش اللبناني في «جرود الإرهاب» في منطقة عرسال، إلّا مع تأدية التحية إلى المؤسسة العسكرية، من أدنى رتبة فيها إلى قيادتها. كذلك لا بدّ من أن تشمل التحية سائرَ الأجهزة الأمنية التي تقدّم يومياً الإنجاز تِلو الإنجاز، وقد نجَّت بذلك لبنان من كوارث فظيعة كانت تعدّها له المجموعات الإرهابية.هذه التحية ليست من باب المجاملة، ولا هي مجرّد كلام عاطفي، بل أوجَبها الجهد الاستتثنائي الذي يبذله الجيش والأجهزة الأمنية في الحرب الدائمة على الإرهاب ومطاردة أشباحه وخلاياه السوداء التي جَعلت كلّ اللبنانيين ومِن كلّ المناطق والطوائف أهدافاً لهذا الإرهاب البغيض، كذلك أوجَبتها تلك العملية النظيفة التي نفّذها الجيش قبل أيام، وتندرج في سياق المواجهة الدائمة التي لا يخوض فيها العسكريون معركة حماية حدود لبنان فحسب، ولا معركة صيانة استقراره الداخلي بنزع الصواعق الإرهابية من داخل الجسم اللبناني فحسب، بل يخوضون، بكلّ جرأة، وإقدام، وإرادة، وعزيمة واستبسال، وباللحم الحيّ، معركةَ حماية مصير لبنان ووجوده، من إرهابٍ لم يسبق أن مرّ مثيلٌ له في التاريخ القديم والحديث.

قيمة هذه العملية نوعيتُها، وتأكيد الجيش من خلالها إمساكه بزمام المبادرة، وقدرة تحكُّم استثنائية بأرض المعركة، وإثباته أنّ المجموعات الإرهابية، ومهما كثرَ عددها وعظمَ خطرُها، تبقى من النوع الذي يمكن أن يُهزَم ويُقضَى عليه.

وقيمتُها أيضاً، أنّها تأتي في أجواء «عرس القاع» التي تَستذكر في هذه الأيام شهداءَها الذين زفَّتهم عرساناً على مذبحها، قبل سنة من الآن، ويَستذكر لبنان معها الشهداءَ العسكريين الذين سقطوا جرّاء غدرِ الإرهاب في عرسال في 2 آب 2014 وكذلك كلّ الشهداء والجرحى في كلّ المناطق اللبنانية الذين سقطوا بسيارات الموت المفخّخة والأحزمة الناسفة في الضاحية والبقاع.

في القاع ثمانية انتحاريين غَدروا بها وفجّروا أنفسَهم بين أهلها الآمنين الذين ارتقى منهم شهداء، وبالأمس خمسة انتحاريين فجّروا أنفسَهم خلال عملية الجيش في «جرود الإرهاب». خمسة انتحاريين هذا ليس بالعدد القليل، هو عدد كبير، ودلالاته في منتهى الخطورة؛ فكم يوجد غيرهم بعد، ويعيشون بأمان وحرّية واطمئنان في تلك الجرود؟ وبالتالي مع هذا العدد الكبير، ألا يمكن لهذا الإرهاب أن يستنسخ في أيّ وقت «قاع ثانية» في أيّ منطقة لبنانية.

جميلٌ كلام السياسيين بحقّ الجيش بعد هذه العملية، بأنّه المؤسسة الحاضنة التي تشكّل ضمانةً لبقاء لبنان وعدم سقوطه.

وجميلٌ الكلام عن أنّ الجيش استطاع خلال السنوات الأخيرة أن يوفّر مظلة أمان للّبنانيين.

وجميلةٌ هي الدعوات لإحاطة المؤسسة العسكرية بالالتفاف والاحتضان من قبَل فئات الشعب اللبناني كلّها.

وجميلٌ الإقرار بأنّ الأجهزة الامنية تعمل في الداخل بأقصى إمكانياتها وباحتراف مشهود لها، لسدّ الثغرات التي يمكن أن يتسلل منها الإرهاب إلى الجسم اللبناني.

وجميلٌ أكثر، الاعتراف للجيش بأنّه أظهَر من خلال العملية النوعية في «جرود الإرهاب» قدرةً وتحكّماً وسيطرة في الميدان. وقبل كلّ ذلك أظهَر إرادةً وعزماً وتصميماً على الانتصار في الحرب التي يخوضها على الإرهاب، وهي حقيقة يَشهد لها العالم كلّه، وينظر بعين التقدير لإنجازات جيش صغير فاقَ في الحرب على الإرهاب جيوشَ دولٍ كبرى تمتلك من القدرات والإمكانيات والعتاد أضعافَ أضعاف ما يملكه الجيش اللبناني.

كلّ هذا الكلام صحيح، لكنّه أقلّ الواجب، فلا جدال أبداً حول جماليته ودقّة مضمونه، ولكن ماذا بعد؟ هل يكفي هذا الكلام لتحصين هذا الإنجاز النوعي الذي حقّقه الجيش في «جرود الإرهاب» وكلّ الإنجازات التي تَحقّقت أو التي ستتحقّق؟ لا بل هل هو كافٍ لتحصين لبنان؟

 

الجواب البديهي أنّ «التحصين»، هو الخطوة التالية والملِحّة لا بل الواجبة، وتتمثّل بقطعِ رأس الأفعى الكامنة مع كلّ متفرّعاتها في «جرود الإرهاب». فبلا ذلك فإنّ أنيابَ هذه الافعى ستبقى تنفثُ سمَّها إلى الداخل اللبناني وفي أيّ لحظة”.