IMLebanon

لا داعي للهلع… جوّ لبنان الحار لا يُسبِّب الأمراض

كتبت جنى جبور في صحيفة الجمهورية

ليس غريباً أن تكون حرارة الجوّ مرتفعة في فصل الصيف، ولكن لم تمر موجة الحرّ التي يشهدها لبنان على سلامة بالنسبة للمواطنين، حيث تأزّم الوضع الصحّي للبعض واضطُر البعضُ الآخر الى دخول الطوارئ. فهل يُعتبر الحرّ بحدّ ذاته مرضاً؟

شهدت الفترة الأخيرة دخول عدد لا بأس به الى طوارئ مستشفيات لبنان، جرّاء شعورهم بعوارض مختلفة أزّمت وضعهم الصحي. وفي حين يعتبر البعض أنّ هذا الوضع طبيعيّ، ناتج عن انتشار الفيروسات في هذا الموسم بالذات، يأتي الرأيُ الطبي مختلفاً.

لذلك، حاورت «الجمهورية» طبيب الصحة العامة الدكتور كريكور كوشكريان الذي أكدّ أنّ «الحرّ ليس مرضاً بحدّ ذاته»، شارحاً أنّ «حرارة جسم الانسان هي 37 درجة مئوية، وأنّ الحرارة التي تناسبه تتراوح بين الـ20 والـ27 درجة. فالجسم يعكس الحرارة والطاقة من داخله الى الخارج، ما يحتّم أن تكون حرارة الجوّ أقل من حرارته لتسهيل هذه العملية.

وعندما ترتفع حرارة الجسم لسبب ما، يبدأ القلب بضخّ الدم بصورة أسرع، خصوصاً على مستوى الشرايين الرفيعة في الجلد أو تحته، بهدف تبريد الدم، وتحصل هذه العملية من خلال التعرّق. فزيادة التعرّق تعني تخلّص الجسم من الحرارة، إضافةً الى التنفّس الذي يساعد في هذه العملية».

حالاتُ الإغماء

للرطوبة علاقة مباشرة مع الحرّ، والتي كلما ارتفعت كان تأثير الحرّ مضاعَفاً على الانسان، والعكس صحيح. فعندما تكون حرارة الخارج متشابهة أو أكثر من حرارة الجسم نفسه، يبدأ الجسم في التعرّق. ولكن في الكثير من الاحيان لا ينشف العرق، فتبقى الحرارة في الجسم مسبِّبةً عدداً من العوارض التي يعددها د. كوشكريان: «وجع في الرأس، دوخة، تشنجات في العضل، غثيان وتقيؤ، إسهال. وفي الحالات الأصعب يكون المريض عرضةً للنوبات ولحالات الإغماء».

وأضاف: «هذه العوارض ترتبط بخسارة الجسم للمياه والأملاح المهمة لعمل العضلات والقلب، فتنتج عنها لخبطة في نظام دقات القلب، فضلاً عن إنخفاض كمية الدم التي تصل الى الدماغ فتظهر نوبات التعصيب والتشنجات والرجفات، وهذا الموضوع ليس بمزحة».

الأكثر عرضةً «للتشويبة»

تزداد نسبة الوفيات بالنسبة لكبار السن في فصل الصيف، خصوصاً في البلدان التي تنعدم فيها أساليب الوقاية من الحرّ، كوسائل التكييف مثلاً. والجميع معرَّض لما يُعرف «بالتشويبة»، أي عندما لا يتمكّن الجسم من التخلّص من الحرارة عبر التعرّق، ولكن بحسب د. كوشكريان فإنّ «الأكثرَ عرضةً للتأثر هم الأولاد وكبار السن، والذين يعانون من ضعف في تكوين أجسادهم، والبدناء أو النحفاء، والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة كالسكري، أمراض الضغط والقلب وأمراض الجهاز التنفسي والكلى، والذين يتناولون بعض أنواع الأدوية، كأدوية الأعصاب أو تلك المخصصة للتنحيف، ومدمنو الكحول والمخدرات، وبالطبع الأشخاص الذين يعملون في أماكن حارة كالأفران مثلاً».

إحتباسُ حرارة الجسم… خطر

عندما يتعرّق المريض بشكل كبير ويتوقف فجأةً عن ذلك، تبدأ العوارض بالظهور. ولكن هل يمكن الانتظار لاستشارة الطبيب أو أنّ الدخول الى الطوارئ محتّم؟ يجيب د. كوشكريان قائلاً: «إزاء هذه الحالة، سيشعر المريض بالدوار ووجع الرأس والتشنجات، وهنا يجب أن نعرف في ظلّ الحرّ والرطوبة المرتفعة أنه يعاني من»التشويبة»، ولا يستطيع جسمه تبريد نفسه كما ذكرنا آنفاً. وتجدر الاشارة الى أنّ احتباس الحرارة في الجسم حالة جدّية قد تؤدي الى الموت».

هذه الحالة تتطلّب زيارة الطبيب، ولكن عملياً غالباً ما يدخل المريض الى الطوارئ ويكشف عليه الطبيب كحالة طارئة، بسبب سرعة تطوّر العوارض. ولكن في حال شعر الشخص بضعف وتعب في جسده أو بصداع أو أيّ من العوارض التي ذكرناها، يمكن أن يستشير الطبيب للحدّ من تطوّرها.

الإسعافات الأوّلية في المنزل

بعد تأزّم وضع المريض، من المهمّ التعرّف الى الاجراءات الصحيحة التي يجب القيام بها قبل حصوله على الرعاية الطبية اللازمة.

ويشير د. كوشكريان الى أنّ «هذا الوضع لا يستدعي وصف الادوية، بل على المحيط نقل المريض سريعاً الى مكان مكيّف. كما تُعتبر المروحة مؤذية، ولكن في حال عدم توفّر المكيّف، من المهمّ تبليل المريض بالمياه الباردة أو وضع له كمّادات من الثلج على الأماكن القريبة من القلب، على رأسه مثلاً أو على الرقبة وتحت الابطين لتبريد الدم، وبعدها يمكن تعريضه للمروحة.

المياه والملح

والأهم من كل ذلك، يجب أن نعوّض عليه المياه التي خسرها جسمه، ولكن لا يجب إجباره على شرب كميات هائلة في الوقت نفسه، بل يجب احتساؤها رويداً رويداً، وكذلك بالنسبة للأملاح لتعويضهما في الجسم. ومن المهم أن تكون حرارة الغرفة الموجود فيها أقلّ من حراراته الشخصية وأنّ نتأكد من أنّ المريض يتعرّق كما يجب. وبعد نقله الى المستشفى تُجرى له الفحوصات اللازمة التي تكشف عن المواد التي خسرها، ويتم تعويضها بحسب احتياجاته.

ومثلاً اذا كان المريض يعاني من إسهال أو تقيّؤ، فستنتهي هذه العوارض بظرف يوم أو يومين بعد عملية تعويض المياه والملح. وعلى الاشخاص الذين لا يتعرّقون كما يجب الانتباه، لأنّ ذلك قد يؤشر الى خلل في الغدد أو بعض المشاكل الجلدية».

بين الممنوع والمسمو

ثمّة خطوات سهلة تساعد على تجنّب الإصابة «بالتشويبة» خصوصاً في الأيام التي تشهد ارتفاعاً كبيراً في الحرارة، لذلك ينصح د. كوشكريان بـ»عدم الخروج والتعرّض مباشرةً الى الحرّ، بل البقاء في الأماكن المكيّفة.

وفي حال اراد الشخص استعمال المروحة من المهم أن يفتح النوافد خلال تشغيلها لخلق تيار هوائي، مع التأكد من إغلاق السواتر لمنع دخول الشمس.

وأشدّد على ضرورة شرب كميات كافية تزيد عن 3 ليترات من السوائل، خصوصاً انّها تزيد القدرة على تحمّل الحرّ، وتحدّ من تطوّر العوارض في حال خسر الجسم المياه والأملاح.

من جهة أخرى، يجب الابتعاد من التمارين الرياضية في الخارج، كي لا يتضاعف أثر الحرّ الخارجي والآخر الداخلي الناتج عن الرياضة في جسم الشخص. بينما يمكن ممارستها ليلاً اذا كانت الحرارة منخفضة، ولا مشكلة أبداً من التمرّن داخل الأماكن المكيّفة.

أخبار شائعة… بين الصحّ والخطأ

وأخيراً، يتناقل اللبنانيون أخباراً ومعلومات طبية يظنون أنها صحيحة ويعملون على التمسّك بها. وفي هذا الاطار، يوضح لنا د. كوشكريان بعض النقاط المثيرة للمعرفة:

لا يؤثر تكرار الدخول الى الاماكن المكيّفة او الخروج الى الاماكن الحارة في صحة الانسان، ولا يسبّب ذلك له المرض، بل على العكس يتأقلم جسمه مع هذا النمط. ولكن من المهم أن يكون جسده ناشفاً كي لا تؤثر الحرارة المنخفضة على عضلاته.

صحيح أنّ الفيروسات والميكروبات تزيد في الصيف بسبب التلوّث في بلدنا، ولكن لا علاقة للحرّ بانتقال الفيروسات والبكتيريا، والعوارض التي يشعر بها المريض ناتجة عن «التشويبة».

الابتعاد من الاستحمام بالماء الساخن، واستعمال المياه التي تكون أقل من حرارة الجسم. ومن المهم الاستحمام مرتين أو ثلاث في اليوم الواحد للتخلّص من العرق غير الجاف على الجسم. لأنه في حال بقي على الجلد سيؤدّي الى تراجع نسبة التعرّق ما يعرقل خروج الحرارة من الجسم. إضافةً الى دور المياه في تبريد الجسم. كما أنّ عدم التخلّص من العرق المفروز يؤدّي الى ظهور بقع حمراء على الجلد نتيجة تورّم الغدد وتضخّمها.