IMLebanon

النرجسية تصيبكم من دون أن تعرفوا

كتبت ساسيليا دومط في صحيفة “الجمهورية”:

تتردّد على مسامعنا كلمات نشعر بأنها بعيدة عن حياتنا كل البعد، كأنها تصيب الآخرين فقط، خصوصاً عندما تكون هذه الكلمات نادرة الإستعمال أو غير مألوفة كـ»اضطراب الشخصية النرجسية» مثلاً، التي قد تصيب أعراضه أحد أقرب الناس إلينا أو تصيبنا شخصياً، دون أن ندرك ذلك. فما هو اضطراب الشخصية النرجسية؟ ما هي أخطار المصابين به على أنفسهم وعلى المحيطين؟ كيف نميّز الشخص المصاب به؟ وما هي الطريقة الفضلى للتعامل معه؟

لا ليست النرجسية بعيدة فعلاً عنا، فالشخص المغرور، المتعالي الذي يعشق نفسه بطريقة تفوق الوصف، ولا يفكر إلّا بها، نرجسي. هو يختلف عن الأناني الذي يحب الأشياء لقيمتها المادّية، يحب النرجسي الأشياء لقربها من نفسه.

مَن يضع نفسه في مرتبة تفوق الآخرين، وفوق كل نقد، نرجسي. فعندما توجِّه ملاحظة لمَن يعشق نفسه، يعتبر بأنك تقوم بخطأ فادح تجاهه، فمَن أنت لتنقده، هو مَن يفوقك بدرجات ومراحل متقدمة. يعاني النرجسي من انعدام الثقة بالنفس وتقدير الذات ويحاول إخفاءهما.

تدلّ المبالغة باستعمال كلمة «أنا» على النرجسية، على الإصابة بالعظمة، بأهمية الذات، بالشعور بندرة الوجود. يعاني المصاب باضطراب الشخصية النرجسية من حالة مرضية ويحتاج للعلاج، إلّا أنه لا يدرك ذلك.

ليس من السهل فهم الشخص النرجسي، هو يتوقع احتراماً دائماً ومميّزاً من الآخرين، وتعظيماً لشخصه، لإنجازاته وفرديّته. من خلال علاقتي مع صديقة نرجسية، أراها كما يلاحظ الجميع تعظّم بمظهرها الخارجي، بجمالها ولباسها، بالإضافة إلى مستواها الثقافي والعلمي الفريد، وهي لا تكتفي بتعظيم النفس، بل تريد من جميع المحيطين التفخيم الدائم بها، والملفت أنّ انطباعها عن نفسها بعيد كل البعد من حقيقة الأمر، فجمالها متواضع جداً، كما أنها لا تتمتّع بإنجازات علمية وعملية تُذكر، باستثناء ما في مخيّلتها، وهي لا تتردّد في استغلال وابتزاز المحيطين لاستثمار ذلك على المستوى الشخصي الضيّق.

هي لا تسعى لتحقيق الذات، بل للوصول إلى الأهداف الشخصية فقط. غيورة ولا تمانع القيام بأمور غير مقبولة للوصول إلى المراكز، ولا تتصاحب إلّا مع الطبقات العليا في المجتمع، الذين ترى بأنها قريبة منهم لكنها أفضل.

زعيم من بلادي هو مثل آخر يساعدنا في فهم معنى النرجسية، مفرط الحساسية تجاه رأي الآخرين الذي لا يتناسب مع انطباعه عن نفسه، يفتقد للتعاطف، متعجرف، لا مانع لديه من انهيار الدولة على رؤوس الجميع شرط تبوئه مركزاً أراده.

يُصاب الزعيم النرجسي بوهم التألّق الدائم، وهو ضمنياً غير واثق من نفسه، يصيبه الإنتقاد بالغضب الشديد، يشكّك دائماً بالنوايا ولا يقبل إلّا بأن يكون الآخرون تابعين له. يعيش على التصفيق، وهو يبحث دائماً عن القوة. لا قدرة له على الحب والرأفة، وهو دائماً غارق في الشؤون الداخلية.

أما الشريك النرجسي، فهو غير مستقر عاطفياً ونفسياً، يحاول دون ملل أو كلل السيطرة على شريكه وإخضاعه. هو لا يعرف الحب والمشاعر والأحاسيس.

لا يتعاطف مع شريكه، يمارس عليه شتّى أنواع الضغوطات النفسية، والملفت أنه لا يشعر بالذنب، فهو غير واع لما يسبّبه من عذاب ومعاناة. يفرض الأمور على شريكه بشكل دائم، يتعامل معه بفوقية ويُحمِّله مسؤولية المشاكل الزوجية ويعزّز لديه الشعور بالذنب. الشريك النرجسي لا يحاور بل يفرض رأيه، متقلّب، ويستعمل الشريك ويستغلّه في سبيل أهدافه ومصالحه الشخصية.

أسباب الإصابة باضطراب الشخصية النرجسية

لا يمكن إلغاء الأسباب الجينية، الوراثية للإصابة باضطراب الشخصية النرجسية، إلّا أنّ البيئة والتنشئة وتجارب الإنسان الحياتية تؤثر في مسيرة وتطوّر هذا الإضطراب، ومنها:

* إنتقاد الأبوين الذي قد يستخدمه أحدهما مع الإبن أو الإبنة لتحقيق الأهداف الشخصية والخاصة.
* التدخّل الزائد من قبل الأهل في حياة الطفل.
* المديح الزائد له، وشدّة التعبير عن إعجابهم به من خلال التضخيم.
* تقلّب مواقف الأهل في التعامل مع الطفل.

العلاج

بحسب أعراض اضطراب الشخصية النرجسية، يحتاج المصاب به للعلاج من القلق، الإكتئاب، التوتر، تقلّب المزاج، إن من خلال العلاج بالأدوية أو جلسات العلاج النفسي، إلّا أنّ المشكلة تكمن في قبول واعتراف المصاب بأنه يحتاج للعلاج، هو العظيم الذي يحسده الجميع، المميّز المتفوّق. ونتيجة ذلك من الصعب بل شبه المستحيل إقناع المصاب بهذا الإضطراب بالعلاج.

إنّ التعاطي والتعايش مع المصاب باضطراب الشخصية النرجسية صعب جداً، لا بل يؤدّي غالباً بالآخرين إلى الإبتعاد عنه وإلّا الدمار الكامل والشامل، النفسي والجسدي والإجتماعي.