IMLebanon

عندما تعلو الاهتمامات الوطنية على المصالح الضيقة

كتب يحي جابر في صحيفة “الشرق”:

تبادل رسائل بالغة الأهمية والايجابية بين رئيس الحكومة سعد الحريري وهو يواصل زيارته الرسمية للولايات المتحدة الاميركية وبين الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله وهو يتربع على «عرش» الانتصار العسكري تحت الأرض الذي تحقق في جرود عرسال، وأودعه أمانة بين يدي المؤسسة العسكرية بعيداً عن سياسة البيع والشراء والأثمان المدفوعة سلفاً او مؤخراً..

في مواقفه المعلنة ومن «أقوى دولة في العالم» وبالتقاطع مع التهديدات غير المسبوقة بحدتها الظاهرة التي أطلقها الرئيس الاميركي دونالد ترامب ضد «حزب الله» واتهامه بـ«الارهاب» أكد الرئيس الحريري ان «العلاقة بيننا وبين «حزب الله» صعبة جداً حيال السياسات الاقليمية، ولكن توافقنا على ألاَّ نتخاصم حول الاقتصاد والحكم والتشريع.. ونحن نقاتل «داعش» و»القاعدة»، إنما «حزب الله» في الحكومة وجزء من مجلس النواب ولدينا تفاهم معه، و»حزب الله» قضية اقليمية ولا نريد تحريك مشكلات في هذه القضية، ونفهم ان «حزب الله» غير مقبول أميركياً..»؟!

لقد نأى السيد نصر الله في كلمته ليل أول من أمس، وعلى نحو غير مسبوق قد يكون فاجأ كثيرين، عن أي مادة خلافية مع الرئيس الحريري، وسائر الافرقاء اللبنانيين، حتى ان الأمر وصل به الى حد تجنب الرد او التعليق على اتهامات الرئيس الاميركي، لا لسبب سوى «تسهيلاً للوفد الحكومي (اللبناني) ولعدم احراجه..»؟! وهو الرئيس الذي طلب مهلة 24 ساعة ليعلن كيف ومتى وأين ستكون العقوبات ضد «حزب الله» التي لم يقف عندها الرئيس الحريري وكان حذراً من تداعياتها على الوضع العام..

ليس من شك في أن طلّة السيد نصر الله والصيغة التي اعتمدها والنبرة الهادئة التي التزم بها ونأى بنفسه عن اثارة أي اشكالات مع الذين انتقدوا عملية «تحرير جرود عرسال»، ما قبلها وما يمكن ان يكون بعدها، أعطى إشارة واضحة الدلالة على التزامه «التفاهم» مع الرئيس الحريري وعدم اثارة أي اشكالات.. خصوصاً وأن البعض رأى في ما حصل، استئنافاً لمسيرة «حزب الله» في «التفرد» بقرارات السلم والحرب، وان كانت مفهومة من قبل الرئيس الحريري اقليمياً..

ومن موقع المسؤولية الوطنية تحدث الرئيس الحريري.. ومن موقع «المنتصر عسكرياً» تحدث نصر الله قاطعين الطريق أمام أي محاولة لاثارة الفتنة الطائفية او المذهبية، او تعميق الاختلاف وتحويله الى خلافات، قد يعرف كيف تبدأ، لكن أحداً لا يعرف كيف تنتهي ومتى وأين وبأي أثمان؟ خصوصاً وان المعركة مع الجماعات المسلحة لم تنتهِ بعد والصيغ المطروحة لاتزال بين أيدي الوسطاء. هكذا فإن الانظار تتجه الى الأيام القليلة المقبلة، مع عودة الرئيس الحريري الى لبنان، وما ستكون عليه جلسات مجلس الوزراء، تماماً كما وبالنسبة الى ما ستكون عليه الأوضاع في جرود عرسال ولاحقاً محيط القاع وراس بعلبك وغيرهما..

عرسال أمانة في يد الجيش منذ لحظة هزيمة المسلحين.. وقد أثبت كفاءته في التعاطي مع التطورات الأمنية والعسكرية، مع الحفاظ على أمن المدنيين من أبناء البلدة والجوار والنازحين السوريين وهم بالآلاف.. ولقد أظهر السيد نصر الله، كما الرئيس الحريري حرصاً بالغ الأهمية على سلامة النازحين.. إضافة الى ان نصر الله أبدى قدراً كبيراً من التعالي على الجراح، وسعة الصدر في التعامل والتخاطب مع الذين كان يقاتلهم ويقاتلونه في صفوف «النصرة» وسرايا أهل الشام؟!

الأنظار تتجه الى ما بعد عودة الرئيس الحريري، وما ستكون عليه التطورات الميدانية والسياسية ومستقبل الوضع الحكومي حتى الآن مضمون بكليته ولا خوف عليه وهو ماض في التكاتف والتوافق وفق خطاب القسم ووفق البيان الوزاري.. وما ستكون عليه خلاصة هذه التطورات، وهل ستنتهي الى توافقات تجنب منطقة رأس بعلبك والقاع وغيرهما معركة كالتي شهدتها جرود عرسال أم أنه من السابق لأوانه الحديث عن نتائج مباشرة في القاموس السياسي، وقد أبدى نصر الله حرصاً على «لبننة» المواجهات في الجرود بدءاً من مرحلة التخطيط، الى مرحلة القرار وصولاً الى مرحلة التنفيذ والقطاف.

الواضح حتى اللحظة، أن مهمات كبيرة ستلقى على عاتق الجيش اللبناني، بقرار رسمي رئاسي وحكومي وشعبي، وهو الجيش الذي كان أول من دفع الثمن في مواجهة الجماعات الارهابية.. وبعيداً من أي اجتهادات، ومنعاً لأي جموح في التصورات فقد أعلن السيد نصر الله صراحة، وبوضوح لا لبس فيه استعداده لتسليم المواقع التي حررها مقاومو الحزب الى الجيش اللبناني.. ليكون مسؤولاً عن أرض لبنان.. وذلك على الرغم من ان الجميع يدركون ان امكانات الجيش اللوجستية والقتالية ليست على المستوى الذي يتطلع اليه اللبنانيون، وذلك على الرغم من الكفاءات القتالية العالية والجهوزية التامة، والاستعداد للتضحية بالنفس.. وقد كانت مسألة تعزيز قدرات الجيش مادة أساسية في لقاءات الرئيس الحريري مع القيادات الاميركية خصوصاً أكثر وان لبنان يقف في مواجهة الارهاب في الخطوط الأمامية وأن الفرصة لتحرير الارض متاحة، لكن الوقت يضيق ويضغط؟!