IMLebanon

ماذا حققت زيارة الحريري الى واشنطن؟

كتب مسعود المعلوف في صحيفة “الجمهورية”:

في الزيارة التي قام بها الرئيس سعد الحريري الى واشنطن بين الحادي والعشرين والسابع والعشرين من شهر تموز 2017، عقد اجتماعات مع الرئيس دونالد ترامب وعدد من الوزراء في الحكومة الأميركية وكبار المسؤولين في الكونغرس والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، كما أنه ألقى محاضرة في مؤسسة «كارنغي» العريقة، والتقى شخصيات من الجالية اللبنانية في حفل استقبال كبير أقامته على شرفه والوفد المرافق القائمة بأعمال السفارة اللبنانية في واشنطن كارلا جزار.

يُقاس عادةً مدى نجاح مثل هذه الزيارات بالنتائج التي يتمّ إحرازُها، فماذا يمكن القول عن النتائج التي حققتها زيارة الرئيس الحريري؟

لا بد أولاً من التوضيح أنّ لبنان ليس غائباً بصورة عامة عن الساحة الأميركية، إلّا أنّ هذه الزيارة أعادت تفعيل العلاقات الثنائية ولفتت المسؤولين الأميركيين الى الإستقرار النسبي الذي يتمتع به لبنان قياساً بما يجرى في محيطه، وذكّرت المسؤولين الأميركيين بأنّ لبنان يمكن أن يكون شريكاً فاعلاً في موضوع محاربة الإرهاب الذي هو في طليعة اهتماماتهم نتيجة لما حققه على الأرض في هذا المجال.

أما في تفاصيل الملفات الأساسية المطروحة، فيمكن تقييم النتائج كالآتي:

أولاً: المساعدات الأميركية للجيش اللبناني وللقوى الأمنية:

سمع الرئيس الحريري والوفد المرافق بعض التطمينات في هذا الموضوع مع العلم أنّ ميزانية المساعدات الخارجية التي تقدمها الولايات المتحدة لعدد من الدول قد تمّ تخفيضُها بنسبة عالية انطلاقاً من السياسة المعلنة للرئيس ترامب منذ قبل تسلّمه الرئاسة والتي ما زال يردّدها باستمرار وهي «أميركا أولاً».

هذا التقليص للمساعدات الخارجية تمثل بتخفيض ميزانية وزارة الخارجية الأميركية بنسبة 28% في موازنة السنة المالية المقبلة علماً أنّ هذه الوزارة هي الإدارة المولجة بتوزيع المساعدات في الخارج.

في ظلّ هذه الأجواء يصعب ترقّب حصول زيادة في المساعدات الأميركية للبنان، وأفضل ما يمكن توقّعه هو عدم تخفيض مستوى المساعدات العسكرية المخصصة له حالياً علماً أنّ نتيجة جهود الرئيس الحريري في هذا الخصوص ستظهر عند زيارة قائد الجيش العماد جوزف عون الى واشنطن في 12 آب، إذ سيتبيّن عندئذ مدى جدّية الإدارة الأميركية في تأييدها ودعمها للجيش اللبناني.

ثانياً: موضوع اللجوء السوري

شدّد الرئيس الحريري على هذا الموضوع المهم في كل لقاءاته على المستويات كافة، لافتاً إلى ما يعانيه لبنان من أعباء وأخطار نتيجةً لهذه الظروف المعقّدة، وقد أعلن وزير الخارجية الأميركية ركس تيلرسون بعد لقائه رئيس الحكومة اللبنانية تخصيص مبلغ مئة وأربعين مليون دولار أميركي لمساعدة لبنان في مواجهة أعباء هذا النزوح.

هذا مع العلم أنّ لبنان بحاجة الى أضعاف هذا المبلغ لمواجهة التكاليف التي عليه تحمّلها نتيجةً لوجود مليون ونصف المليون من اللاجئين والنازحين السوريين على أراضيه بسبب الحرب السورية.

ثالثاً: مشروع قانون العقوبات الإضافية على «حزب الله»

كان أعضاء من مجلسَي النواب والشيوخ في الكونغرس الأميركي باشروا منذ أشهر قليلة بدراسة مشروع قانون جديد يشدّد العقوبات على «حزب الله» والتي سبق وأُقرَّت بقانون صادر عام 2015.

الجديد في هذا المشروع أنه يذكر بالإسم المؤسسات التي يحظّر التعامل معها ويحدّد آلية لتجميد أموال وممتلكات الأشخاص المستهدَفين كما أنه يفرض على الرئيس الأميركي تقديم تقرير الى الكونغرس كل ستة أشهر عمّا قامت به الإدارة لجهة تطبيق هذا القانون.

وكان من اللافت جداً أنّ هذا المشروع الجديد تمّ تقديمُه رسمياً الى الكونغرس عشية وصول الرئيس الحريري الى واشنطن، وقد تساءل كثيرون عن الهدف من هذا التوقيت بالذات وما إذا كانت في ذلك من رسالة معيّنة، ولكنّ أوساطاً في الكونغرس لمّحت الى أنّ هذا التوقيت كان مقصوداً وهو إيجابي بالنسبة الى الرئيس الحريري وقد حصل بناءً على طلب من بعض الجهات للسببين التاليَين: من جهة كانت هنالك خشية من أن يبادر المسؤولون عن إعداد هذا المشروع الى تقديمه للكونغرس بالتزامن مع الزيارة إذ إنه قد أصبح جاهزاً وتقديمه أثناء الزيارة سيسيء إساءةً بالغة لرئيس الحكومة اللبنانية ولن يصدّق أحدٌ أنّ هذا التزامن ليس مقصوداً، ومن جهة ثانية، لقد تمّت إحالة المشروع إلى الكونغرس في ذلك الوقت بالذات لتسهيل مهمة الرئيس الحريري بحيث سيصعب انتقادُه فيما بعد على أنه لم يتمكّن في خلال زيارته من إيقاف الإحالة الى الكونغرس لهذا القانون الذي من شأنه أن يؤثر سلباً على النظام المصرفي في لبنان ويضرّ بالإقتصاد الوطني، وبذلك يكون الرئيس الحريري قد وصل الى واشنطن ومشروع القانون أصبح في دوائر الكونغرس حيث ليس من الممكن إيقافه بل فقط وبالكاد السعي الى التخفيف من مفاعيله.

بمطلق الأحوال، لا بد من التوضيح أن لا أحدَ في لبنان يستطيع تعديل أيّ مادة من هذا القانون الذي يؤيّده جميع أعضاء الكونغرس بمَن فيهم الأعضاء اللبنانيو الأصل وذلك بسبب الأجواء السائدة في الكونغرس وفي الإدارة من عداء لإيران وبالتالي لـ»حزب الله» المصنّف منذ زمن كمنظّمة إرهابية.

فنشاط الرئيس الحريري في هذا المجال لم يتجاوز شرحَ تداعيات القانون عند صدوره على النظام المصرفي الذي هو من أهم دعائم الاقتصاد الوطني والتمنّي بأن يتفهّم الجانب الأميركي الظروف الصعبة التي يعيش اللبنانيون في ظلّها.

بالنتيجة، وعلى رغم عدم تمكّن الرئيس الحريري من تسجيل تقدّم في موضوع العقوبات على «حزب الله»، إلّا أنه حقق بعض النتائج الإيجابية على صعيد موضوع النزوح السوري والدعم المبدئي للبنان وجيشه، وأرسى قواعد جيدة لعلاقة مستقبَلية مع الرئيس الأميركي الذي أظهر حفاوةً واضحة بضيفه اللبناني خصوصاً لجهة عقد مؤتمر صحافي مشترَك معه في البيت الأبيض وهذا أمر لا يحصل إلّا مع رؤساء الدول والزائرين المميَّزين.