IMLebanon

كيف تكون رئيساً وزعيماً ومديراً ناجحاً؟

كتبت ساسيليا دومط في صحيفة “الجمهورية”:

في إحدى المؤسسات ترى فلاناً يتحرّش بكل زميلة تروق له، لا حسيب عليه ولا رقيب. يقدّم الخدمات مقابل مآرب شخصية وخاصة، يقوم بما طاب له من العلاقات الجنسية الطيارة، كيف لا؟ وهو في مركز يسمح له بذلك ويخوِّله الإمساك بلقمة عيش كثيرات وكثيرين أحياناً.

كلّما علا شأنُ المرء، كلّما ارتفعت معنوياتُه وزاد منسوبُ السلطة لديه، وهذا لا بدّ وأن تنتج عنه ديناميّة معيّنة بين الرئيس من جهة والمرؤوس من جهة مقابلة، وقد يكون الأخير متمثّلاً بقاعدة شعبية، حزبية، أو من مدراء المكاتب والأقسام في المؤسسات ومَن هم دونهم مرتبة.

الحاكم بين البياض والسواد

لا يكمن نجاح الإنسان في المركز الذي يتبوّؤُه، بل في مستوى القبول والرضا لدى المحيطين، من المرؤوسين والمناصرين… قد يشعر الأشخاص التابعون بالرضا والفرح بشكل تلقائي وسريع بمجرد تسلّم مَن يدعمون المركزَ المنشود، يشاركونه فرحته واضعين نصبَ أعينهم حاجاتهم ورغباتهم التي لطالما حلموا بمَن يحقّقها لهم، وها قد وصل. كما قد يتعلّق الأمرُ برفع الظلم والغبن عنهم، وها قد أتاهم المخلّص.

كيف سيتمكّن الحاكمُ الجديد من المحافظة على مستوى الرضا لدى الطامحين مِن حوله؟ كيف له أن يُشبّع حاجاتهم وطموحاتِهم، كلّ على حدة؟ البداية
قد تكون سهلة، لكنّ المحافظة على هذا الجوِّ المريح أمرٌ شاق، وأقل ما يُقال به «صعب».

المرجع الأول، رئيساً كان أو مديراً أو وزيراً، إنه مُعرَّض دون شك للغيرة والمنافسة، كما أنه محطّ طمع للبعض، ومعارضة لِكمّ لا يتفق معه من حيث المبادئ، طريقة ممارسة العمل، أو ببساطة بسبب الولاء لمَن سبقه.

إذاً، رغم الوصول إلى المركز المنشود، وبياض التهاني والإحتفالات، تسهل ملاحظة نسبة السواد والسلبية منذ اللحظة الأولى للجلوس على كرسي المسؤولية الجديد.

من المسؤولين مَن لا يهتمّ للمعارضين أو غير الراضين، فيهملونهم أو يرمونهم خارجاً، ويأتون بمَن يُحسَبون عليهم، فيسكرون بأصوات التصفيق لسنوات، دونما انتقادات تُذكر. وآخرون يغدقون العطايا والهدايا لكسب رضا مَن هم دونهم مرتبة، ضاربين بعرض الحائط قدرة المؤسسات والإدارات على تحمّل تلك الأعباء، مرتكبين الأخطاء التي تُقابَل بالمديح والتشجيع.

لكن، لا تقنيّة رمي المعارضة خارجاً ولا تلك التي تقوم على رشوتهم، تقود إلى النجاح والتطوّر والتقدّم الفعّال، إذ إنّ النجاح ليس مجرد البقاء في السلطة والحكم لأطول فترة زمنيّة ممكنة، لكن، هو إنهاء تلك الفترة مع تقدّم ملحوظ على جميع المستويات للمؤسسة أو المجموعة من خلال شخص المسؤول، وليس بناء نجاحات ومكاسب لصالح الشخص على حساب المؤسسة، أو الشريحة التي عليها نُصِّب رئيساً أو زعيماً.

وللزعماء… مستشارٌ نفسيّ

في عصرنا الحالي، ومع التغييرات الإجتماعية، الثقافية، ومع تداخل الحضارات، أصبح التحلّي بالقدرة على التأقلم مع التغيير، وبالتالي التموضع بحسب العوامل والظروف المحيطة، ما يُعرف بالمرونة، حاجة ملحّة.

من الحكمة بمكان أن يكون للمدير، للزعيم السياسي أو الإجتماعي معالج أو مستشار نفسي، لا بل هو أكثر ما يحتاجه. وهو ليس دليلاً على مرضه أو اضطرابه النفسي، لا سمح الله، بل من أجل تقديم الدعم النفسي، للمساعدة على التخلّص من الضغوطات النفسية، التي تؤثر في معظم الأحيان في القرارات المتّخَذة، في العلاقة مع الآخرين، في ردات الفعل والجهوزيّة والقدرة على تحمّل وقع المستجدات الطارئة والتعاطي معها بشكل صحيح.

وجود المستشار النفسي ضروري لمساعدة المسؤول على الفصل بين ما هو موضوعي وما هو شخصي-عاطفي-إنفعالي. فالقرارات يجب أن تتمّ بموضوعيّة، أما الظهور الشخصي في ميدان العمل فحتماً سوف يؤدّي إلى صراعات ومشكلات وتفاصيل لا نهاية لها.

الدورُ الأهم للمستشار النفسي هو مساعدة المسؤول على أن «يعي» الأسباب والخلفيات لتفاعله مع الأمور بطريقة معيّنة، أي مساعدته على تخطّي آثار التجارب الشخصية السابقة، كي لا تؤثر في المؤسسة والمجموعة التي يرأسها. كذلك لا بدّ من أن يتخلّص من الصدمات النفسية والعاطفية التي تعرّض لها في ما مضى، كي لا تظهر في كل شاردة وواردة في الحياة العملية الجديدة.

بدأنا نلاحظ تأثير الإهتمام بالصحّة النفسية لدى البعض من الوزراء والنواب والمدراء وقادة الأحزاب في الفترة الأخيرة وظهر ذلك جليّاً عبر تحسين إدارة الأزمات والصراعات من خلال التحكّم بالإنفعال وردات الفعل كي لا تكون خارج السيطرة.

ما لا يقلّ أهمية عن وجود مستشار نفسي للمسؤول الأعلى، هو تأمين الدعم النفسي لمَن يمثّلونه وينطقون بإسمه، خصوصاً مَن يظهرون عبر الوسائل الإعلامية المرئيّة والمسموعة والمكتوبة، ومن خلال مشاركتهم بالمناسبات العامة، والإجتماعات مع نظراء لهم أو مجموعات دونهم مرتبة.

فترى أحياناً مَن يمثّل طرفاً سياسياً فاعلاً، لا يتحلّى بالمرونة الكافية للسيطرة على ردات فعله الشخصيّة والتحكّم بها، فلا يتمكّن من إخفاء أو إدارة عواطفه، ويبقى عالقاً عند التجارب السابقة والصراعات مع طرف سياسي آخر، ما يعيق فتحَ صفحة جديدة، سيراً بقرار قيادته العليا.

يشكل كل إنسان حالةً خاصة في الحياة، وقد طُبع كلٌّ منا بشخصية خاصة، وسلوك يميّزه، وكل ذلك نتيجةً لتجارب سابقة، قد تكون آثارها سلبية، ولا قدرة شخصية لدينا للتخلّص منها، ويظهر ذلك من خلال ممارسة الحياة العملية، كشائب على المؤسسة ككل، وليس على الشخص نفسه.

إنّ التأهيل النفسي للموجودين في مراكز المسؤولية في المؤسسات الخاصة والعامة يقع على عاتق السلطة العليا، فربما لا يستطيع الأفراد تكبّد التكاليف المادية له أو ربما لا يشعرون بالحاجة لذلك بحسب رأيهم الشخصي.

العلاقة الحسنة مع الآخر خصوصاً في مجال العمل في الشأن العام تحتاج لأمور وشروط أساسية لا يمكن التغاضي عنها، فكيف للإنسان المهموم، المنهَك المرهَق أن يستمع لوجع الناس؟ وكيف للموجوع أن يعطي الشفاء؟ كيف نساهم في نجاح واستقرار مؤسسة ونحن نعيش اللاإستقرار النفسي؟ في حين أنّ فاقدَ الشيء لا يعطيه. كيف ننتظر أن يقدّم العون للناس مَن هو نفسه بحاجة لمساعدة؟

على المسؤول أن «يعي»
كي تكون زعيماً ناجحاً لا تكفيك الكاريزما التي تتمتّع بها، ولا تحميك العلاقات الداخلية والخارجية من الإنحدار، ولا يغرّنك الآلاف من التابعين والمنضوين تحت راية شعاراتك، فبسرعة البرق قد ينشقّ الكثيرون عن مجموعة معيّنة، وينضوون تحت شعارات مجموعة أخرى. وفّر الدعم النفسي لمَن تولى عليهم كباراً كانوا أم صغاراً.