IMLebanon

الرهبان يتخلّون عن المهمة… ويعودون إلى الأديرة؟

 

كتب الان سركيس في صحيفة “الجمهورية”:

مع تكاثر النقاش حول دور الدولة في تحرير أرضها وبسط سيادتها، تعاني البلاد من أزماتٍ كثيرة إجتماعية وإقتصادية، قد تسبّب خضّاتٍ إذا لم تتمّ معالجتُها سريعاً.

طرح إقرار مجلس النواب قانون سلسلة الرتب والرواتب أسئلة كثيرة عن فائدة الزيادات على المعاشات إذا كان هذا الأمر سيؤدّي الى فرض ضرائب جديدة تطاول الشعب وتمتص الزيادات تدريجاً، لكنّ الأخطر هو الإنتفاضة التي يقودها القطاع التربوي الخاص الذي يرفض الزيادات ويدعو الى إقرار سلسلة عادلة ومتوازنة.

يحفظ الدستور اللبناني الحق في التعليم للجميع وإنشاء مدارس خاصة وفق القوانين النافذة، لكن ما حصل يكشف مزيداً من الإهتراء في مؤسسات الدولة إن كانت تعليمية أو غير ذلك.

فمنذ قرابة العامين قال الرئيس العام للرهبنة الأنطونية الأباتي داوود رعيدي لـ«الجمهورية»: «أنتم تطالبون المدارس الكاثوليكية والرهبانيات المارونية بما يجب أن تفعله الدولة، فالضرائب تُدفع للدولة وليس للرهبانيات، ومع ذلك فإنّ مستوى التعليم الذي نقدّمه يضاهي أوروبا».

يشكّل هذا الكلام مؤشراً الى كيفية سيْر البلاد، وقدّ كرّر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أخيراً أنّ مؤسسات الرهبنة تشكّل إحدى أهم دعائم البلاد، وتتفوّق على مؤسسات الدولة، وعلى الأخيرة دعمها لتستمرّ في نجاحها.

وتكمن الخطورة في كيفية تفكير اللبناني عموماً والمسيحي خصوصاً، فلا يُنكر أحدٌ أنّ هناك مدارس خاصة «تذبح» الأهل بالأقساط، وبعضها «يشرد» عن رسالته التعليمية السامية، لكنّ الأكيد أنّ العقل الباطني اللبناني يعتبر أنّ مؤسسات الرهبانية المارونية إن كانت تعليمية أو إستشفائية أو خيريّة هي جزء لا يتجزأ من الدولة.

أكثر من 200 ألف طالب يتعلمون في مدارس الرهبنة والمؤسسات الكاثوليكية. العمليات الجراحية المهمة والإستشفاء الجيد تقدّمه المستشفيات الخاصة والتي تعود ملكيّة معظمها الى الرهبنة المارونية، وهذه الأرقام الضخمة تدلّ على أنّ تأثير الرهبان ما زال كبيراً وإن كان تراجع دورُهم السياسي لصالح البطريرك الماروني.

ويقول مسؤولٌ روحيّ مارونيّ لـ«الجمهورية» إنّ الناس اعتادوا فكرة الرهبنة رغم أنّ التعليم الرسمي مجاني، والمناهج التعليمية لمدارسنا تجعل المسلمين يتسجّلون فيها قبل المسيحيين».

منذ أن أعلنت البطريركية المارونية تأييدَها لبابا روما بعد الإنشقاق الكبير، أرسلت الرهبان الموارنة الى عاصمة الكثلكة في العالم من أجل أن يتعلّموا، فعادوا الى جبال لبنان، وباشروا رحلة التعليم «تحت الشجرة»، في حين أنّ بقية المناطق لم تشهد مثل هكذا نهضة تعليمية، وقد تطوّر الأمر بإنشاء المدارس ومجيء الإرساليات الى لبنان، وتعزَّز إرتباط موارنة لبنان بأوروبا عموماً وفرنسا خصوصاً.

أما الآن، فيدور نقاش جدّي في أروقة البطريركية المارونية والرهبانيات والمطارنة مفاده أن تتحمّل الدولة مسؤولياتها في ملفّ دفع فرق السلسلة لمعلّمي المدارس الخاصة، وإذا لم تفعل، فالأفضل أن يتمّ التخلّي تدريجاً عن الدور التعليمي لصالح مؤسسات الدولة، عندها يعود الرهبان الى الأديرة ويهتمّون بالأرض كما كانوا يفعلون سابقاً. ويستند بعض مَن يطرح هذه النظرية الى دور الرهبان في فرنسا، حيث أصبح التعليم كله رسميّاً، وقد أعطوا المدارس الى الدولة وعادوا الى الأديرة.

ويشدّد مَن يطرح هذه النظرية على أنّ الدولة يجب أن تستعيدَ دورها، فدفعُ السلسلة بهذا الشكل سيؤدّي الى رفع الأقساط أو صرف عدد من الأساتذة، وهذان الخياران مكلفان، فرفع الأقساط سيدفع بالتلامذة الى ترك المدرسة الخاصة وبالتالي يُضرَب هذا القطاع بأكمله وينهار تلقائياً.

لم تعتد الرهبنة التخلي عن دورها الخدماتي والوطني، ويؤكّد أكثر من مرجع ماروني أنّ البطريركية المارونية والرهبانيات هي من ساهمت في صناعة لبنان الحديث، وهذه المؤسسات كانت ركيزة الدولة، في حين انّ الدور السياسي الذي أخذته بكركي والرهبانيات كان دائماً الى جانب شعبها، فيما زيادة الأقساط ستؤدي الى «خنق» هذا الشعب.

تعتبر الأزمة التعليمية أكبر من حجمها العادي، وتطاول تركيبة الدولة، فقول الرهبان لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون «إصرفوا الأموال التي تعطونها للتعليم الرسمي على مدارسنا وسنعلّم كل تلامذة لبنان مجاناً» وتوقّف عون عند هذا الكلام، يكشف الهدر والفساد الذي تعاني منه الدولة في حين أن الشعب يدفع الضرائب لنيل الخدمات التعليمية والإستشفائية وكل أنواع الخدمة التي هي من حقه.