IMLebanon

مافيا مكاتب السفر… نصبٌ واحتيال وتذاكر وهميّة

 

كتبت ناتالي اقليموس في صحيفة “الجمهورية”:

تنشَط في الآونة الأخيرة، ضروبُ احتيال يُنفّذها بعض مكاتب السياحة والسفر في لبنان، خصوصاً في الصيف بالتزامن مع تهافُتِ المواطنين للبحث عن عروضات للسفر والاستجمام. مِن منتحِل صفة مندوب مكتب للسفريات إلى إرسال حجوزات وهمية، وتزويد المسافرين بأوراق وتذاكر مزوّرة… لا توفّر عصابات مكاتب السفر وسيلةً للإيقاع بأكبر عدد من المواطنين، وتوسيع حجم أرباحها.«باتَ موعد الطائرة عند الخامسة بعد الظهر». قبل يوم من موعد سفرها، تلقَّت هند اتّصالاً من رقم «برايفِت»، يفيدها أنّ تبديلاً استجدّ على موعد الطائرة التي كان من المقرّر أن تُقلع عند التاسعة صباحاً.

لم تُبالِ تلك الشابّة بدايةً للأمر، على اعتبار أنّ التعديل طفيف لن يؤثّر في برنامج رحلتها، وأنّ «بَكتج» السفر الذي تَوافَر لها مغرٍ. أتى اليوم التالي، توَجّهت هند إلى المطار وانتظرت حيث يجب، وبعد طول انتظار، تواصَلت مع مندوب المكتب مستفسِرةً، فأبلغها أنّ الطائرة أقلعت في الوقت المتّفَق عليه عند التاسعة صباحاً، ناكراً أن يكون أحدٌ مِن قبَلهم قد اتّصَل بها يُعلِمها بأنّ تعديلاً طرَأ، وطالباً منها في الوقت عينِه إبرازَ رقم المتّصل كدليل أنّ المكتب من اتّصَل.

هكذا يحتالون عليكم…

نظراً إلى أنّ الاتّصال الذي ورَد إلى هند كان «برايفت نَمبر»، لم تتمكّن من الإثبات للمندوب أنّ المكتب مَن اتّصَل بها، بعد أخذٍ وردّ وطولِ نقاش، أكّد لها المندوب أنّه من المستحيل أن يُعيد لها ثمنَ السفرة، على اعتبار أنّ «المكتب مِش مسؤول»، ولكنْ «حتى ما نِخسَرِك زبونة معنا»، وعَدها بأن يعيدَ لها ثمنَ إقامتها في الفندق.

عادت هند أدراجَها والأفكار تتجاذبها حول جهة الاتصال. بعد البحث والتدقيق، تبيّنَ أنّ الاتصال نفسَه ورَد لعشرين شخصاً، وأنّهم جميعهم «أكلوا الضرب»، ولم يغادروا على متنِ تلك الطائرة.

وفي التفاصيل أنّ أكثرَ مِن وكالة سفر سوَّقت لتلك السفرةِ مِن دون تنسيق جدّي فيما بينها، فتمكّن مندوبوها من بيع تذاكر سفر أكثرَ مِن قدرة الطائرة على الاستيعاب، ومع اقتراب موعد السفر تبيَّن لهم أنّ 20 شخصاً لن يجدوا مقاعد لهم، فجرى الاتصال بهم من رقمٍ سرّي للتهرّب منهم، وفي الوقت عينه من دون إثارة، أيّ بَلبلة قبل السفرة أو في المطار، ومنعاً لانتشار الصرخة تمّ وعدُ هؤلاء بأنّ مبلغاً صغيراً سيُعاد لهم.

التهرّب في الدقيقة الأخيرة، إرسالُ حجوزات وهميّة، إيهام المواطن بشِراء تأشيرة دخول وتَقاضي ثمنِها، ليتمّ إبلاغُه لاحقاً بفشلِ العملية، التلاعب في اختيار غرَفِ الفنادق… تتعدّد ضروبُ الاحتيال التي يَرتكبها بعض أصحاب مكاتب السفر الذين يُشوّهون سمعة تلك المهنة ويَسلبون المواطنين أموالهم. وما حدثَ مع عائلة ربيع خيرُ دليل، إذ قرّر هو وزوجتُه وطفلاه السفرَ لتمضية أسبوع نقاهة، فطلبَ من مكتب السفر أن يحجزَ له «سويت» رغم أنّه الأغلى ثمناً بين غرَف الفندق، في الليلة الواحدة نحو 500 دولار.

غادرَ ربيع لبنان مطمئنَّ البال، ووصَل إلى الجهة المقصودة، ولدى دخوله إلى الفندق تبيَّن له أنّ ما مِن «سويت» محجوز له، إنّما غرفة لشخصين مزوّدة بسريرَين وكنَبة، سألَ ربيع عن كِلفتها للّيلة الواحدة، فتبيّن أنّ قيمتَها نصفُ الثمن الذي دفعَه، ولكن ما كان بوسعِه فعلُ شيء نظراً إلى أنّ التنسيق تمَّ من خلال مكتب السفر، ولا مسؤولية للفندق في «الضرب الذي أكله».

تنقسم مكاتب السفر في لبنان إلى 3 أنواع: الأولى حاصلة على شهادة أو رخصة من منظمة الطيران الدولي IATA (International Air Transport Association) بعد ترخيص وزارة السياحة في لبنان، ولهذه المكاتب وحدها الحقّ في قَطع تذاكِر سفر مباشرةً من شركات الطيران، النوع الثاني مكاتب اكتفَت برخصة وزارة السياحة، وهي مكاتب أصغر تشتري تذاكر السفر من مكاتب مصنَّفة IATA، أمّا النوع الثالث فيعمل من دون رخصة شرعية، ينتحلون صفة سماسرة، يُنسّقون مع سماسرة لهم إلكترونياً، يُصدرون تذاكرَ سفر وهمية.

كيف؟ يُوضح أحد مالكي مكتب للسفر: «عادةً بعد حجزِ تذكرةِ سفر، وتسديدِ ثمنِها تزوَّد أوتوماتيكياً برقمٍ إلكتروني مكوّن من 13 رقماً، إلّا أنّ السماسرة يَعمدون إلى سحبِ نسخة عن التذكرة قبل تسديدِ ثمنِها، أي قبل أن تزوَّد برقم إلكتروني شرعي، يقومون بتزويدها شخصياً برقم إلكتروني، يوهمون الزبون بأنّ الحجز قد تمَّ عبر نسخة من البطاقة ورقم مفبرَك».

ويضيف: «يتلاعب السماسرة مع المغادرين «وان وي تيكت»، أو المهاجرين، ومعظم من يقعون في الفخّ يتبيّن أنّهم لم يتّصلوا ويتأكّدوا من مكتب الطيران بأنّ الحجز قد تمّ بشكل طبيعي، كذلك لا يتأكّدون من الحجز «اونلاين»، فيكونون بذلك قد دفعوا ثمنَ خدمةٍ وهمية»، مشيراً «إلى أنّ السماسرة يستفيدون من المدّة الزمنية التي تُتاح لهم قبل تأكيد الحجز على التذكرة، يسحبون منها نسخة، ويتلاعبون برقمها الإلكتروني».

ما يزيد الطينَ بلّة، أنّ هؤلاء السماسرة يتعذّر اصطيادهم، كونهم يعملون بشكل يوزّعون مسؤولياتهم ضمن وكالات للسفر، يحجزون الفندق من مكتب، النقليات من مكتب آخر، وغيرها من التفاصيل، وضمن أسماء غالباً ما تتبدّل.

نقيب السفر

من يحمي المواطن؟ كيف يمكن التمييز بين مكاتب السفر الشرعية والمخالفة؟ من ينظّم عملَ مكاتب السفر؟ وغيرها من الأسئلة تَوجَّهنا بها إلى رئيس نقابة أصحاب وكلات السياحة والسفر في لبنان جان عبود الذي اعتبَر أنّ لبنان «يعاني من تخمة» في عدد مكاتب السفر.

وحذّرَ عبر «الجمهورية»: «في لبنان فقط 211 وكيل «آياتا» بوسعهم قطعُ تذاكر سفر، ونحو 500 مكتب بين حائز على رخصة من وزارة السياحة ومن يعمل من دون رخصة، أمّا الذين ينتسبون إلى النقابة فعددُهم 380 فقط على كامل الأراضي اللبنانية»، معتبراً «أنّ المشكلة الأساس هي في تزايدِ عددِ مكاتب السفر بشكل عشوائي، إلى حدّ قد يزيد عن عدد المسافرين».

فوضى التراخيص

حيال شكاوى المواطنين المتشعّبة، يُحاول عبود امتصاصَ نقمتِهم مصَوّباً الأمور: «تكمن المشكلة الأساس في عشوائية التراخيص، طالَبنا مراراً برفعِ كلفةِ الرخصة (بند الكفالة) من وزارة السياحة من 5 ملايين إلى 50 مليون للجمِ حركة الإقبال على فتحِ مكتب والمحفاظة على مستوى الخدمات».

ويضيف: «في عهد الوزير ميشال فرعون ألزم كلّ من يريد تقديم طلب رخصة بأن يُرفِقَه بورقة من النقابة، ولكن هذه الآليّة لم تستمرّ، ومنهم من يفتح بطريقة غير شرعية، رغم أنّ الشرطة السياحية تعمل على التخفيف من المخالفات».

بالمقابل يَلفت عبود إلى أنّ «المكاتب المصنّفة «آياتا»، يُلزُم أصحابها على دفع بند كفالة بقيمة مئة ألف دولار، ويُفرَض عليها عددُ موظفين معيّن، ومساحة مكتب محدّدة، ووجود خزنة، وغيرها من الشروط، لذا معظم المكاتب التي تعمل في لبنان أصحابُها يسترخصون، ولا يسعون لرفع مستوى خدماتهم، فيَعملون معتمِدين على المكاتب المستوفية لرخصة الآياتا أو عبر سماسرة إلكترونيّين لهم، المؤسف غياب آليةٍ واضحة لعمل هؤلاء».

شركات وهمية

الرخَص العشوائية ليست المشكلة الوحيدة التي يشكو منها قطاع السفر والسياحة في لبنان، والتي يقع ضحيتَها مواطنون، إنّما وجود شركات أجنبية وهمية تعملُ بطريقة موسمية في لبنان من دون وكيل لبناني.

فيَروي عبود حادثةً غالباً ما حذَّر منها، قائلاً: «ينشَط طيران، تركي، سوري، مصري، من وقتٍ إلى آخر ضمن مكاتب صغيرة، وآخِر ضروب الاحتيال التي تَبلّغَت بها النقابة، حدثت عن طريق وكيل سفر مصري، روَّج لرحلة معيّنة، وفي اليوم المحدَّد للسفر، وبعد تحويلِ المبالغ المالية المتّفَق عليها لحسابه فرَّ ولم يعُد يُجيب على هاتفه».

لذا يُحذّر عبود من «التعامل مع وكلاء غرباء لا مكاتب لهم فعلية ولا ممثّلين جدّيين، مجرّد سماسرة، حتى إنّهم يحتالون على المواطنين ويتقاضون منهم الأموال مقابل أيّ استفسار أو خدمة يجب أن تُقدّم على نحو مجّاني من الأساس».

الحل؟

في وقتٍ يسعى هذا القطاع إلى ترتيب منزله الداخلي، وتعلو صرخة أصحاب مكاتب السفر القانونية ضدّ المتطفّلين والدخلاء على المهنة، يبقى الهمُّ الأساس للمواطن كيف يمكن أن يُميّز المكتبَ الشرعي من المخالف، أو المندوب الرسمي من منتحِل الصفة؟

يبقى على الراغبين في السفر الاعتماد على جملة مؤشّرات قد تُنَجّيهم من ضروب احتيالِ بعض مكاتب السفر: أوّلاً التأكّد من رخصة المكتب الذي يقصده، وجود رخصة من وزارة السياحة، أو رخصة الـ آياتا إذا توافرت، ثانياً التأكّد من هوية الشخص المندوب ومن المكتب التابع له.

ثالثاً، التأكّد من الحجوزات إلكترونياً بدءاً من بطاقة السفر، إلى الفندق، مروراً بمندوب المكتب في الخارج، وغيرها من التفاصيل. رابعاً، يمكن زيارة الأمكنة المتّفَق عليها إلكترونياً للتأكّد مِن البرنامج المخطط له والمتّفَق عليه مع مكتب السفريات، خصوصاً أنّ الوجهة التي تكون «بعيدة نِتفي زغيري عن البحر» وفق حسابات المكتب، قد تحتاج فعلياً إلى ساعة أو أكثر للوصول.