IMLebanon

كيم جونغ أون… اغتال 140 مسؤولاً ونسج الإعلام عنه الأساطير!

 

“هافنغتون بوست”: في الصين، عادةً ما تم السخرية من الرجل الذي يُهدِّد بإطلاق صواريخ على الولايات المتحدة باعتباره طفلاً شقياً ممتلئاً. وفي الولايات المتحدة، أشار سيناتور مؤخراً إليه باعتباره “طفلاً سميناً مجنوناً”. وفي إحدى المرات، وصفه الرئيس ترامب بأنَّه “مشكلةٌ حمقاء تماماً”.

ولطالما جرت الاستهانة بهذا الشخص الذي تُوجَّه له كل تلك السخرية، كيم جونغ أون، الزعيم الكوري الشمالي صاحب الـ33 عاماً.

كان كيم هو الأصغر من بين 3 أبناء لوالده كيم جونغ إيل، لكنَّه مع ذلك تجاوز شقيقيه ليخلف والده في الحكم. وعندما تولَّى الحكم في سن 27، رفضه الكثير من المُحلِّلين باعتباره قائداً عديم الخبرة؛ وتنبَّأ البعض بأنَّه لن يستمر في الحكم، وفق تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.

الآن، وبالرغم من الصعوبات الهائلة، فإنَّ كيم على وشك أن يجعل بلاده المعزولة والفقيرة واحدةً من بلدان قليلة للغاية في العالم بإمكانها ضرب الولايات المتحدة بصاروخٍ نووي، مُتحدياً ليس فقط إدارة ترامب، بل وأيضاً العقوبات الدولية والحلفاء التقليديين لبلاده في بكين.

فقد هددت كوريا الشمالية، الأربعاء 9 آب 2017، بقصف محيط جزيرة غوام الأميركية في المحيط الهادئ، فيما توعّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب نظام بيونغ يانغ بـ”النار والغضب”.

وقد حثَّ البعض الرئيس ترامب على الانفتاح بشأن التفاوض مع كيم. لكن ليس واضحاً ما إذا كان كيم مهتماً بالنقاش، أو ما إن كان قد يطلب أي شيءٍ مقابل تجميد أو التخلي عن برنامجه النووي. فقد جعل من بناء ترسانةٍ نووية أولويةً أولى له، مرتئياً أنها الطريقة الوحيدة التي يمكن لكوريا الشمالية بها أن تضمن أمنها وتُنمِّي اقتصادها.

إن دوافعه النهائية، تماماً كما الكثير من تفاصيل حياته الأخرى، غامضة. فمنذ تولّيه السلطة، لم يسافر كيم خارج بلاده أو يستقبل زيارة لرئيسٍ آخر. وقد سُمِح لأشخاصٍ معدودين فقط من خارج كوريا الشمالية بلقائه، من بينهم نجم كرة السلّة الأميركي دينيس رودمان، وطاهي سوشي ياباني، ونائبي رئيسي كوبا والصين.

لكن القليل الذي نعرفه عن سجل كيم جونغ أون يشي بالقسوة، لكنّه يوحي بشيءٍ من المرونة الأيديولوجية أيضًا.

فيقول مسؤولو الاستخبارات بكوريا الجنوبية إنَّ كيم قد أعدم حشوداً من كبار مسؤوليه، من بينهم زوج عمّته، الذي كان صانع قرارٍ مراوغ نُظِر إليه باعتباره مرشد كيم. ويُفترَض أيضاً أنَّه قد أمر باغتيال أخيه غير الشقيق، الذي جرى تسميمه بغاز الأعصاب VX في مطار كوالالمبور الدولي في ماليزيا شباط الماضي، وقد اتهمت سول علانية زعيم كوريا الشمالية بالمسؤولية عن اغتيال أخيه.

ومع ذلك، يرجع الفضل لكيم أيضاً في تخفيف قيود الدولة على الاقتصاد، وتحقيقٍ نموٍ اقتصادي متواضع، واستعادة بعضٍ من ثقة العامة التي تمتَّع بها النظام الحاكم في ظل حكم جدّه وفقدها والده، الذي يُتذكَّر حكمه فقط بتعرُّض البلاد خلاله لمجاعةٍ مدمرة.

لكنَّ أمراً واحداً لم يتراجع عنه كيم قط: هو البرنامج النووي. وبينما تمسّّك والده باحتمالية التخلي عن البرنامج النووي في مقابل الحصول على معونة اقتصادية وضماناتٍ أمنية، وذهب بالأمر لحد عقد صفقة مع إدارة بيل كلينتون، رغم أن كوريا الشمالية أخلَّت بها لاحقاً. فإنَّ كيم اتّخذ في الأمر مقاربةً أكثر عدائية.

 

وريثٌ غامض

ظهر كيم للمرة الأولى في إعلام دولة كوريا الشمالية في أيلول 2010، قبل أكثر من عامٍ فقط من خلافته لوالده في منصب القائد الأعلى للبلاد. وذكرت التقارير آنذاك أنّه قد عُيّن جنرالاً برتبة 4 نجوم (كبار القادة) وأنَّ حزب العمال الحاكم قد انتخبه نائباً لرئيس اللجنة العسكرية المركزية.

وحتى ذلك الوقت، لم يتّضح ما إن كان كيم سيخلف والده. إذ لم يكن العالم الخارجي قد رأى صورةً له كرجل راشد قط.

وكان لوالد كيم، الذي حكم كوريا الشمالية من عام 1994 حتى وفاته في 2011، ثلاث زوجات وستة أطفال على الأقل. وقد أنجبت زوجته الأولى له طفلاً، لكنَّها فقدت استحسانها لديه وماتت في المنفى بموسكو. وأنجبت الثانية بنتين لكن لم تنجب أولاد. ثم أنجبت زوجته الثالثة، كو يونغ هوي، التي كانت مغنّية وراقصة كورية وُلدت باليابان، ابنين وبنتاً.

وبرغم رحيل والدته، إلّا أنَّ الابن الأكبر، كيم جونغ نام، كان يُعَد على نطاقٍ واسع هو الوريث الجلي للحكم حتى عام 2001، عندما قُبِض عليه أثناء محاولته زيارة ملاهي ديزني لاند في اليابان بجواز سفرٍ مزوَّر. ثم بدا لاحقاً أنَّه أُرسِل للمنفى، فعاش في ماكاو الصينية، وعاود الظهور من وقتٍ لآخر حاملاً انتقاداتٍ طفيفة للنظام الكوري الشمالي، قبل أن يجري اغتياله في ماليزيا شباط الماضي بواسطة إبرة سامة.

وكان الوالد كيم جونغ إيل يعشق ابنه الثالث، كيم جونغ أون، ورأي في الصبي أسلوباً مهيمناً كأسلوبه الخاص وصفاتٍ قيادية أخرى من سنٍ صغيرة.

وحسب ما قالته خالته، كو يونغ سوك، التي فرَّت للولايات المتحدة عام 1998، ففي عيد ميلاده الثامن، مُنِح كيم جونغ أون زي جنرالٍ كهدية، ومنذ ذلك الحين حيّاه الجنرالات بالانحناء إليه حيثما رأوه.

ومن جهة أخرى، لفَّ إعلام الدولة طفولة كيم بالأساطير، مصوراً إيّاه كرامٍ ممتاز و”عبقري وسط عباقرة”، والذي أحبّ قيادة السيارات السريعة. وقِيل إنَّه كتب في سنّ السادسة عشرة ورقة بحثية تحوي تحليلاً لقيادة جده في أثناء الحرب الكورية.

 

عهد الرعب

أطلق المسؤولون الكوريون الجنوبيون على فترة تولي كيم أون رئاسة كوريا “عهد الرعب”.

فبعد عودته من الدراسة في أوروبا إلى عاصمة كوريا الشمالية تخرَّج كيم في جامعة كيم إيل سونغ العسكرية عام 2006 ووُضِع على المسار السريع للترقّي في صفوف قيادة البلاد العسكرية. وقد ظهر مؤخراً في مقاطع تابعة لدعاية حكومية وهو يُعاين وحداتٍ عسكرية في السنوات اللاحقة لتخرّجه. وفي أحد المشاهد، يرحِّب كيم جونغ أون بأبيه عقب عودته من رحلة في الخارج ويصافحه كما لو كان نداً له.

لكن بعد موت والده، ساد اعتقادٌ أنَّ قبضة كيم على السلطة متزعزعة. فكان قد أكمل تعليمه الجامعي قبل توليه السلطة بخمسة أعوام لا أكثر وكان محاطاً بقادة عسكريين ومسؤولين حزبيين متمرسين. وخارج كوريا الشمالية، افترض العديد أنَّه كان القائد الأعلى للبلاد اسماً فقط، بينما كانت السلطة الفعلية في يد جانغ سونغ ثايك، زوج عمَّته والوصيّ عليه.

وبحسب مسؤولي الاستخبارات في كوريا الجنوبية، فقد بدا أنَّ جانغ كان يساعد قريبه في شنّ حملة منهجية لتطهير البلاد، مستبدلاً العديد من جنرالات وبيروقراطيي البلاد الأكثر قوة.

لكن بعد عامين من الحكم، انقلب كيم على زوج عمَّته أيضاً، ورتّب لاعتقاله من قبل ضبَّاطٍ بالزيّ الرسمي في أثناء عقد اجتماعٍ للمكتب السياسي على مرأى من مئاتٍ من ممثلي الحزب. وأُعدِم جانغ على خلفية تهمٍ تضمَّنت التصفيق “دون شغفٍ” عندما دخل كيم الغرفة وأيضاً التخطيط للانقلاب عليه، وجرى الإعدام رمياً إلى الكلاب الجائعة لتنهشه.

استمرَّت عملية التطهير مع تركيزٍ جديد على التخلّص ممَّن كان ولاؤهم لجانغ. وقال مسؤولو الاستخبارات بكوريا الجنوبية إنَّ العديد قد أُعدم باستخدام مدافعٍ رشاشة مضادة للطائرات بعد أن أقلّت شاحناتٌ أفراداً من النخبة الحاكمة ليشهدوا تنفيذ أحكام الإعدام.

وفي المجمل، يُعتَقد أنَّ كيم قد أعدم أكثر من 140 مسؤولاً بارزاً منذ تولّيه حكم البلاد.

لكنَّ كيم لم يتخلّ عن إرث استخدام والده للتقديس في التحدّث عن شخصه في وسائل إعلام الدولة، والتي تصوِّره رجلاً قديراً يتملّقه الجميع، حتى الرجل الثاني في صفوف الحزب الحاكم، نائب المارشال هوانغ بيونغ سو، في صورٍ نُشرت مؤخراً.

وتحدَّث رودمان، وهو لاعب كرة سلّة محترف سابق، عن أنَّه قد ذهب إلى ملعبٍ احتشد به 150 ألف شخص أثناء زيارةٍ قام بها إلى بيونغيانغ عام 2013، حيث سُمِح له بلقاء كيم. وأخبر الحضور في الأكاديمية العسكرية الأميركية (ويست بوينت) في شهر آذار الماضي: “وقف الناس لنصف ساعة يصقّفون. كانوا يبكون من أجل ذلك الرجل”.

ومع ذلك، وفي نهجٍ مغاير عن والده، سعى كيم لرسم صورة شعبية تجعله رجل الشعب. ويظهر كيم وهو يطوِّق الجنود بذراعيه، ويزور عمالاً في بيوتهم، ويهدهد الأطفال في حضَّانات المستشفيات. وأحياناً ما ترافقه في الأحداث الهامة زوجته الأنيقة، ري سول جو، وهو ما يخالف أيضاً السرّية التي أحاطت بزيجات والده.

 

تقدمٌ موازٍ

خلال الشطر الأكبر من حكم كيم إيل سونغ، كان اقتصاد كوريا الشمالية أكبر من اقتصاد مثيلتها الجنوبية. لكن اليوم، فإنَّ متوسّط دخل الفرد في الشمال يمثّل أقل من 5% مما هو عليه في الجنوب. وتشكِّل تلك الفجوة أكبر تهديدٍ في وجه شرعية كيم جونغ أون السياسية.

وقد حسَّن كيم من إمكانية الحصول على الغذاء والسلع من خلال السماح بممارسة نشاطات السوق بحرية أكبر. وقد دشّن ازدهاراً بحركة التشييد في العاصمة بيونغ يانغ، حيثُ يُسمَح لأكثر المواطنين ولاءً بالإقامة. وبرغم مرور عشرات الأعوام من العقوبات الاقتصادية والانعزال عن الساحة الدولية، إلّا أنَّ الاقتصاد قد أبدى مؤخراً مؤشراتٍ مفاجئة بعودته للحياة.

لكن تبقى الأوضاع كئيبة خارج واجهة العاصمة، وقد يتطلّب تحقيق المزيد من النمو إنهاء العقوبات الاقتصادية التي تقيِّد حريّة كوريا الشمالية في التجارة مع بقية العالم. وقد يعني هذا التخلّي عن البرنامج النووي.

وبرغم ذلك، يبدو أنَّ كيم ينظر للأمر بشكلٍ مختلف. فقد فرَّ أكثر من 30 ألف كوري شمالي من البلاد منذ حدوث المجاعة في تسعينيات القرن الماضي، وقال المنشقون هؤلاء إنَّ عليه الحفاظ على عزلة بلاده لأنّه يخاف أن يبتلعها الجنوب.

وهنا يأتي دور الترسانة النووية. إذ تجادل حكومته بأنَّها بحاجة للأسلحة النووية كي تحمي نفسها من الإطاحة بها كآخرين ممن تخلّوا عن مخزونهم من أسلحة الدمار الشامل، وقد أشارت وسائل إعلام الدولة كمثالٍ على ذلك إلى العقيد معمّر القذافي وصدام حسين.

لكن صرّحت كوريا الشمالية أيضاً بأنَّها تأمل باستخدام الأسلحة النووية لإجبار العالم، بما فيه الولايات المتحدة، لقبولها عضواً كاملاً في المجتمع الدولي بشروطها الخاصة، كما اعترفت واشنطن في آخر المطاف بالصين بعد أن أصبحت قوة نووية.

ويقول المحللون أيضاً إنَّ التراجع في وجه الضغط الخارجي سيكون أمراً صعباً بالنسبة لكيم، خاصةً فيما يتعلّق بقضية البرنامج النووي، نظراً لارتباطه الوثيق به.

وفي وقت سابق من اليوم الجمعة توعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب مجدداً باستخدام القوة ضد كوريا الشمالية، مؤكداً أن الخيار العسكري “جاهز للتنفيذ” رغم دعوة الصين الى ضبط النفس في محاولة لتهدئة الحرب الكلامية غير المسبوقة بين واشنطن وبيونغ يانغ، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية.

وكتب ترامب على موقع “تويتر” أن “الحلول العسكرية وضعت بشكل كامل حالياً وهي جاهزة للتنفيذ في حال تصرفت كوريا الشمالية بدون حكمة. نأمل أن يجد (الزعيم الكوري الشمالي) كيم جونغ أون مساراً آخر!”. وردت عليه وكالة الأنباء الكورية الشمالية الرسمية واصفة إياه بأنه شخص “بغيض مهووس بالحرب النووية”. وأضافت أن “ترامب يقود الوضع في شبه الجزيرة الكورية الى شفير حرب نووية”.