IMLebanon

ماجدة الرومي في بيت الدين… هل هذا غناء؟

 

كتبت راكيل عتيّق في “الجمهورية”:

حين تستمِع إلى صوت جميل وتتمتّع بصفائه ونقاوته، وحين تسمع صوتاً مُعكّراً بالنشاذ تطرح السؤال نفسه، كيف يُمكن استخدام مُفرد الغناء” لِوصف الحالتين؟ إن قلنا عمّا يقدّمه عدد كبير من الفنانين في المهرجانات وعلى المسارح انّه غناء فبماذا نَصف ما يفعله صوت ماجدة الرومي؟ في اختتام مهرجانات بيت الدين فَرحَت وحزنَت وعبّرت عن ذاتها وتذكّرت واشتاقت وغضِبت وأحبّت بصوتها… الغناء هو كلّ ذلك.الفنانة اللبنانية ماجدة الرومي حافظت على الفن الحقيقي الأصيل الذي تعلّمته في بيت والدها الراحل حليم الرومي ومنه ومع كبار الفنانين الذين انطلقوا من الإذاعة اللبنانية كلّن، كلّ اللي بتعرفوهن، اللي هنّي روح لبنان، كما قالت خلال حفلها أمس الأول في بيت الدين. أمّا بينها وبين مهرجانات بيت الدين الدولية فحكاية عُمر منذ الثمانينات.

إختتام لبناني بمستوى عال

إختارت لجنة مهرجانات بيت الدين الدولية أن يكون حفل ختام دورة العام 2017 لبنانياً بأعلى مستوياته. رقيّها وتواضعها إلى جانب صوتها الأخّاذ وأعمالها التي مهما تجدّدت لا تخلع عنها قيمة الكلمة وأصالة اللحن، عوامل نجاح لسنين عديدة أدّت إلى توسّع جمهور ماجدة الرومي وازدياده وعدم انحصاره بأبناء جيلها فقط. الجمهور الكبير المتنوّع الذي حضر باكراً إلى بيت الدين مساء السبت يؤكّد ذلك. عائلات بأكملها أتت. فنانة يحبّها الرجل والزوجة والأولاد.

ردّد معها الجمهور أغنية لَوّن معي الأيام، فتفاجأت، قائلة كنت أعتقد أنكم لا تعرفون هذه الأغنية.

بمرافقة الأوركسترا اللبنانية بقيادة المايسترو لبنان بعلبكي غنّت ماجدة الرومي لنحو ساعتين من دون استراحة، وكان حفلها برهاناً على مدى انعكاس شخصية الفنان وأعماله على نوعية الجمهور.5 آلاف شخص ولربما أكثر، استمعوا إليها بإنصاتٍ تام وغبطة تامّة طيلة الساعتين.

إفتتحت الحفل في بيت الدين كما افتتحته العام الماضي في إهدنيات وفي مهرجانات الأرز، بـبلادي أنا الأغنية الوطنية الإنسانية، وهي من كلمات الشاعر الراحل سعيد عقل. وتتالت أغنياتها القديمة والجديدة وسط تفاعلٍ من الجمهور لا يثيره ويكمشه كلّ فنان.

عم يسألوني عليك الناس، الحرية قدر الأحرار، أحبّك جداً، كُن صديقي، ما رَح إزعَل عا شي، مَلك قلبي وغيرها. وقدّمت أحدث أغنياتها، التي حمل حفلها في بيت الدين عنوانها لا تسأل، من كلمات سُعاد الصباح وألحان مروان خوري وتوزيع ميشال فاضل.

تتأثّر حين تغنّي لوالدها، وفي بيت الدين تذكّرته بأغنيتي إسمع قلبي ولا تغضبي. زادت نسبة التأثّر في كلامها حين وجّهت تحيّة للفنان الذي خسره لبنان العام الماضي، ملحم بركات إسم أكبر من إنّو يبلَعو النسيان، لتقدّم أغنيتين حملتا اسمه كملحّن، اعتزَلت الغرام وانت وأنا.

الزخم في ختام الحفل، ثلاث أغنيات ردّدها الجمهور معها وقوفاً في أعلى حالات الانسجام والطرب، ما حدا بيعَبّي مطرحك بقلبي، كلمات ويا بيروت.

غناء ماجدة الرومي ليس كالغناء، وفنّها ليس كغالبية الفنّ السائد حالياً. تعتذر عن خطأ صغير حصل خلال أدائها إحدى الأغنيات. ينظر الحاضرون إلى بعضهم البعض ويتساءلون عن أيّ خطأ تتحدّث، ويصرخ أحدهم باسمها ليصرخ شخص ثانٍ عظمة يا ماجدة، فتلوّح سيّدة لها بباقة ورود حملتها من بيروت كي تقدّمها لها. وفي بيت الدين ترى كثيراً ثنائية الشابّة والوالدة الآتيتين معاً لحضور حفل الماجدة.

حالة محبّة وفرح

ماجدة الرومي من الفنانين الذين مهما غنّوا على أكبر المسارح وأمام جماهير واسعة، يظلّ التوتر رفيقهم الدائم. وعبّرت عن ذلك في بداية الحفل، قائلة: كلّ ما أعمل حَفله بقول هَي آخر مرّه بيدقّ قلبي… وبيضلّ يدقّ… وهلّأ بيوصل صوت دقّاتو من هون لبيتنا. لتعود وتعبّر عن توتّرها مرّة أخرى خلال الحفل، مستندة إلى عصا الميكروفون: هَيدا الستاند رفيق العمر بِستنِد علي لَمّا تزيد دقات القلب.

وعلى رغم أنّ ليلة السبت في بيت الدين كانت مُعتدلة الحرارة ومائلة إلى البرودة، كانت ماجدة الرومي تشعر بالحرّ، ما يشير إلى درجة توتّرها.

ماجدة الرومي حالة، حالما تتجسّد تُفرح الناظرين والمستمعين إليها.

يغنّي الجمهور قبل أن تبدأ هي بالغناء، يقول الله ويصفّق قبل أن تُسلطن هي، ويُطرب قبل تُطلق الآه بصوتها، ويوقفها التصفيق عن الغناء أكثر من مرّة فتعيد… تمنّت أن تتمكّن من نشر الفرح وإسعاد الناس بحفلها، وحقّقت ذلك. في حفلات أخرى تميّز صوتها وتألّق أكثر، ولكنها تبقى ماجدة الرومي.

ماجدة الرومي الحاملة صوت كبير قدير جميل، حَمل بدوره لبنان وقضاياه والانسان وثورته والله ومحبّته والإيمان وسلامِه، ماجدة الرومي التي تحمل أغنياتها أسماء حليم الرومي وملحم بركات وسعيد عقل ونزار قباني وطلال حيدر… وغيرهم.

حَيّت خلال حفلها في البلدة الشوفية ذات الطبيعة الجميلة والتاريخ الكبير، رئيسة لجنة مهرجانات بيت الدين نورا جنبلاط، مثمّنة محافظتها على مستوى عالٍ وراقٍ لحفلات المهرجان. وخلال هذه الدورة كما كلّ عام، تخلّل المهرجان العريق حفلات منوّعة محلية وعربية وعالمية، الجامع المشترك بينها، مستوى لا يُمكن التراجع عنه مهما كَثُرت المصاعب والضرائب!