IMLebanon

نقاش في الديون والنمو: لا حلّ بمعزل عن السياسة

 

كتبت البروفسور غريتا صعب في “الجمهورية”: المؤلفات الاكاديمية في شأن الديون والنمو ركّزت ولبعض الوقت على تحديد العلاقة السببية بينهما. هل الدين يعكس ضعف الايرادات الضريبية وتباطؤ النمو او ان الديون المرتفعة تقوّض النمو؟ وتبيّن في أبحاث عدة جرت انه لا توجد قاعدة واحدة تطبق في جميع الاوقات والأماكن.

قد يكون النمو هدفًا بعيد المنال في بعض الأوقات سيما مع ارتفاع الدين. ونحن نعلم ان خفض الانفاق وزيادة الضرائب عملية جدًا صعبة في الاقتصادات البطيئة النمو حيث البطالة مستمرة.

ونادرا ما ينفع التقشف اذا لم يترافق مع اصلاحات هيكلية مما يعني انه وفي بعض الحالات نجبرعلى تأييد اقتراحات اكثر تطرفًا، منها اعادة جدولة الديون والذي ساعد مرارًا سيما اثناء الحرب العالمية الاولى وخلال انتكاسة العام ١٩٢٩.

ولطالما حاولت أوروبا خفض الديون السيادية والديون المصرفية الكبيرة، سيما البرتغال واليونان وايرلندا واسبانيا. وباختصار فإن الكثير من البلدان في مختلف انحاء العالم تعاني من ديون مرتفعة طبقًا للمعايير التاريخية.

تشمل معالجة اعباء هذه الديون حلولا تكون في العادة مؤلمة وعملية انتقال من المدخرين الى المقترضين. حاليا، الامور لم تتغير، والدول المديونة تواجه عادة هذه الحلول الصعبة والتي قد تنعكس اثارها على الفرد والنمو والبطالة. لذلك يبقى سؤال حول الاتجاه التي تسير فيه البلاد، اية بلاد، ولبنان ضمنها وتبقى سلامة الهيكل المالي عنصرا اساسيا من عناصر السياسة الاقتصادية.

من المؤسف انه وبرغم المحاولات التي جرت في العديد من الدول ولبنان من ضمنها، لتفعيل العملية الاقتصادية لم تطرح خطة واحدة مقنعة لكبح نمو الدين القومي في العقود القادمة. واميركا خير دليل على ذلك اذ ان ترامب وخلال حملته الانتخابية دعا الى مجموعة تخفيضات ضريبية برهنت على خطر واضح يتمثل في زيادة نسبة الديون.

وفي لبنان، لم تظهر للعلن اليوم ومن اي فريق، ورقة اقتصادية او مقترحات مفصّلة تساعد في تخفيف عبء الديون . ولالقاء الضوء على امر في غاية الاهمية، يبدو من الواجب النظر الى خبرات الدول في هذا المجال، وقد يكون الحل الياباني منطقي. تشير التجربة الاخيرة الى ان اليابان تقود اقتصادات اخرى في التحول الذي تأخذه تجري تلك الاقتصادات.

والخبير الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل سايمون Kuznets لديه نظرية تقول ان النمو في العالم هو على اربعة انواع مما يعني وجود اربعة انواع من البلدان في العالم : المتطورة والمتخلفة والارجنتين واليابان.

والعالم المتحضر والغني يشبه الى حد بعيد الشكل الياباني مع اسعار فوائد متدنية وتضخم دون المستويات المرجوة و مستويات عالية من الديون السيادية . لذلك فإن العديد من الحكومات تطلعت الى ما فعله شينزوابي في العام ٢٠١٢ على اساس برنامج الانتعاش الاقتصادي وخروج اليابان من الفوضى الاقتصادية.

وكانت مهمته اصعب بكثير من التقدير اذ ان المطلوب ليس مجرد النمو انما النمو بسرعة كافية لتمكين اليابان من مجابهة الدين العام المتضخم. وفي هذا العام بالتحديد قدم شينزوابي شرحا واضحا لهدفه النهائي الا وهو ٢٠ بالمائة زيادة في الناتج المحلي الاجمالي الاسمي في اليابان (NGDP) يصل الى ٦٠٠ تريليون ين ياباني انما سياسته هذه لم تعمر طويلًا وزاد سقف الديون اليابانية ليصل الى ٢٤٠ بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي، وهي من اعلى المستويات في العالم.

في تحليل نشر عام ٢٠١٣ اشار الى استقرار ديون اليابان سيتطلب زيادة الايرادات الضريبية بنسبة تتراوح بين ٣٠ بالمائة و٤٠ بالمائة من اجمالي الاستهلاك اي ما يعادل ضريبة استهلاكية بمعدل حوالي ٦٠ بالمائة.

وفي دراسات اخرى برز ان تدابير اكثر جرأة بكثير يجب وضعها قيد البحث للتوصل الى حالة من استقرار في الدين. ولكن اليابان لا تخلو من الخيارات ومشتريات سندات حكومية تحت اشراف المصرف المركزي الياباني الذي سيرتفع بمقدار الثلثين في حلول عام ٢٠٢٠، مما يعني ان بنك اليابان سوف يمتلك معظم الديون المستحقة للحكومة في حلول العام ٢٠٢٦ – وخطة monetizing للديون تولّد سرعة التضخم الامر الذي سعت اليه اليابان طيلة العقدين الماضيين. لكن من شأن عملية ال Monetization فتح صندوق قد يكون مليئا بالاخطار الاقتصادية.

والأمر نفسه في الصين. حاليًا، يبدو ان تحقيق الاصلاحات الاقتصادية المطلوبة سيكون اصعب مما يعتقده المسؤولون الصينيون، سيما خطة توجههم نحو القطاعات التي تشكو من فائض، والسماح للشركات بالافلاس، واعادة هيكلية الديون، والحد من القروض التي تقدمها المصارف الى القطاعات الاشد خطورة.

كل هذه الخطوات ليس لها إلا اثر محدود على مستويات الديون، لذلك قد يتطلب الامر اصلاحا للنظام المالي برمته وليس فقط التطلع الى القطاعات التي تشكو من زيادات فائضة ومعالجة مشاكل ديون الشركات والسيولة.

الوضع نفسه ينطبق على اليونان والتي عانت كثيرًا مع دائنيها الاوروبيين ومرت بسنوات من التقشف والتي عادت على ما يبدو الى نمو متواضع. وعلى الرغم من الجهود الهائلة التي وضعت من اجل اصلاح المالية العامة لا تزال هناك شكوك خطيرة حول التزام الحكومة الاصلاح وتخليص المؤسسات من النفوذ السياسي وضمان سيادة القانون لا سيما وان تزايد الشكوك حول سيادة القانون سيدمر الجهود الرامية لاستعادة الثقة.

وبالتالي، لن يستمر الانتعاش المؤقت في البلاد الا اذا كان الاصلاح الاقتصادي مصحوبًا بتغير جذري في الثقافة السياسية. ويبقى تحديًا لكل الحكومات امام استقلالية القضاء لا سيما وان المستثمرين يريدون التأكد من ان بمقدورهم انفاذ العقود في المحاكم.

في النهاية، قد تكون افضل الطرق للتغلب على الديون هي بتحفيز النمو ولكن الدول المتقدمة وحتى اميركا منها حاولت استنساخ معدلات نمو ما قبل الأزمة المالية العالمية في العام ٢٠٠٨ مما يعني خيارات ثلاث: تضخم، افلاس او ركود.

وقد يكون خيار التضخم يعني من الناحية العملية زيادة الناتج المحلي الاجمالي الاسمي، وتخفيض نسبة الديون الى الناتج المحلي الاجمالي. يبقى العائق الاهم امام هكذا استراتجية السرعة التي يستجيب فيها الدائنون بارغام اسعار الفوائد في الزيادة على الديون الصادرة حديثًا.

كلها امور تتعلق بالفوائد واعادة الهيكلة والسياسات الضريبية والمالية وتتطلب الكثير من الالتزام الشفاف والذي يشمل مختلف القطاعات. وتبقى أي خطة او ورقة اقتصادية لا تستفيض في برنامج اعادة هيكلة الديون وردم الهوة في الميزان التجاري منقوصة وغير قابلة للحياة. ولبنان احدى اكثر الدول مديونية مقارنة بالناتج وتحفيز النمو، ويفترض حكمًا تخفيف هذه الديون.