IMLebanon

أوجاع الرقبة… مشكلة العصر!

كتبت جنى جبور في صحيفة “الجمهورية”:

تُعتبر آلام الرقبة مرض العصر غير المحصور بفئة عمريّة محدّدة. وبعد أن كان يرتبط قديماً بالتقدّم في العمر، تحوّل الآن، لاسيما مع نمط الحياة العصري، الى مرضٍ شائع بين جيل الشباب. فهل يمكن أن يكون العلاج شافياً؟

كلّ مَن يعاني من آلام الرقبة، يعلم حجم المعاناة التي يمكن أن تحوّل حياته الى جحيم، خصوصاً إذ ينتقل الألم إلى مختلف أنحاء الجسد كالذراعين والظهر والرجلين. وفي هذا السياق، كان لـ«الجمهورية» حديث خاص مع الاختصاصي في جراحة العظم والمفاصل والمنظار، والأستاذ المحاضر صاحب مقالات طبّية عدّة الدكتور عامر عبدالله الذي أشار الى أنه «أصبحت أوجاع الرقبة داءاً شائعاً جداً.

صحيح، أنه لطالما كان موجوداً، ولكن ليس بهذه الكثرة. ويمكن ربط ذلك، بنمط الحياة الذي نعيشه وكثرة استعمال الاجهزة الذكية والعمل وراء المكتب، خصوصاً أنّ هذه الامور تتطلّب وضعياتٍ معيّنة وانحناءً على مستوى الرقبة، اضافةً الى عامل التوتّر الذي يحفّز أيضاً ظهور المشكلة».

أوجاع الرقبة

تتعدّد الأسباب التي يمكن أنّ تشكّل ضغوطات على العامود الفقري ككل، أي في أسفل الظهر، وعلى الرقبة أيضاً. ويشرح «تتكوّن الرقبة من فقرات يوجد بينها ما يعرف بالديسكات، والأربطة التي تصل الفقرات ببعضها، إضافةً الى الغلاف العضلي.

وعند تَعَرُض مكوّنات الرقبة الى ضغوطات زائدة، تبدأ الأوجاع بالظهور. وفي التفاصيل، عندما تتعرّض الديسكات للضغط ستظهر مشكلات الديسك عند المريض، كذلك الوجع في الأربطة، والتهاب العضل. وتُعتبر التشنّجات التي تصيب الغلاف العضلي مصدراً ثانياً للوجع».

إمتداد الألم

كثيراً ما نسمع بامتداد وجع الرقبة الى الظهر أو الرجلين أو الذراعين. فما هو التفسير الطبّي لهذه الحالة؟ يجيب د. عبدالله «الموضوع متشعّب جداً، فهناك الكثير من الأماكن التي يمكن أن تؤلم المريض وأن تكون الرقبة هي السبب. فإذا ضغط وجع الرقبة على أعصاب اليد بالطبع سوف يتحوّل الوجع الى هذا العضو، وإذا كان الديسك متحرّكاً، وضغط على أعصاب الرجل سيتحوّل الوجع الى هذه المنطقة بالتحديد.

ولكنّ الموضوع الأهم والأكثر شيوعاً، هو الخلط بين وجع الكتف ووجع الرقبة. فالبعض يظنّ أنّ مصدرَ وجع كتفهم هو رقبتهم والعكس صحيح. وهنا تظهر أهمية دور الطبيب في التشخيص وتحديد مصدر الوجع وتوجيه المريض للعلاج المناسب».

أهميّة التشخيص

يمكن أن ينتظرَ المريض بعد شعوره بالوجع لفترة صغيرة، ولا ضرر أن يتناول خلالها المسكّنات، إلّا أنّه في حال استمرت الآلام لوقت أطول فمن الضروري التوجّه عند الاختصاصي. وفي هذا الاطار، يوضح د. عبدالله «نبدأ التشخيص بمساءلة المريض عن أماكن أوجاعه لنتمكّن من حصر الحالة بتشخيص أو إثنين، بعدها نخضعه للفحص السريري الذي تكون نتيجته أدق.

ثمّ يقرّر الطبيب إذا كان هناك داعٍ لبعض الفحوصات للتأكد من التشخيص، كصورة الأشعة أو الرنين المغناطيسي، وقد يحتاج في بعض الحالات الى فحوصات مخبريّة. وعلى الأثر، نشخّص حالة المريض ونبدأ بالعلاج».

الحالات الأكثر شيوعاً

أمّا العلاج فيكون بحسب حالة المريض، ولكن يوجد بعض التشخيصات التي يمكن اعتبارُها الأكثر شيوعاً. ويضيف: «لنبدأ بالتشنّجات العضلية التي هي الأكثر شيوعاً، والناتجة عن وضعيّات الحياة اليومية. تُعتبر هذه الحالة الأقلّ تعقيداً وخطورةً، إلّا أنها تتطلّب الكثير من المتابعة من المريض. تخفّف التشنّجات ليونة الرقبة، فيصبح الوجع مزمناً ومؤلماً جدّاً، وقد يسبّب غالباً أوجاعَ الرأس.

في هذا الحالة، نبدأ العلاج ببعض أدوية الالتهاب، وقد يوصي الطبيب بوضع طوق للرقبة لفترة قصيرة، وأشدّد على الفترة القصيرة لأنّ الوقت الطويل يذيب عضلة الرقبة. ننتقل بعدها الى المرحلة الثانية والأهم، والتي ترتكز على إرسال المريض الى المعالجة الفيزيائية، وتعليمه التمارين التي يجب أن يقوم بها.

وهنا يكمن الهدف الأساس، بتعليم المريض التمارين التي يجب أن يواظب على ممارستها لمدة 10 دقائق يومياً، وبذلك يساعد نفسه على حلّ المشكلة على المدى البعيد، خصوصاً أنّ وجع الرقبة يمكن أن يعاود بعد معالجته. من هنا، أهمّية تثقيف المريض على طريقة الجلوس الصحّية، وكيفية النوم على الوسادة، والمواظبة على التمارين حتى لو غاب الألم.

التشخيص الثاني الذي نراه غالباً هو الديسك، الذي يتشابه علاجُه في المرحلة الأولى مع علاج التشنّجات. وفي حال لم يستفد المريض بعد 6 أشهر من العلاج المناسب والمنتظم، ولمسنا ضعفاً في العضلات عنده، عندها تصبح العلاجات أكثر جدّية كالجراحة مثلاً.

ولكن، هذا لا يعني أنّ كل وجع في الرقبة يدعو الى الجراحة، لا بل على العكس، فإنّ أقل من 5 في المئة من المصابين قد يحتاجون اليها. وتوجد حالات أخرى ونادرة تتلخّص بالتهابات المفاصل في الرقبة، وبالالتهابات الجرثومية والأورام».

طقطقة الرقبة والبوتوكس

إهمال المريض لنفسه، يسرّع الحاجة للجراحة. ويعمد البعض الى طقطقة رقبتهم من حين الى آخر. فهل يُعتبر ذلك خطراً؟ يقول د. عبدالله إنّ «طقطقة الرقبة، ليست حالة مرضيّة، ولا داعي لعلاجها إذا لم تترافق مع أيّ وجع. ولا مشكلة من طقطقتها بين الحين والآخر لتليينها، ولكنها غير مستحبّة بشكل متكرّر، كي لا تُرهق الغضروف والديسكات والأربطة.

كما أنه توجد حقن تجرى في الرقبة كالبوتوكس لتليين العضل، ولكنها ليست مطروحة بشكل واسع بل هي محدّدة لبعض الحالات. إضافةً، الى تمرين يُعرف «بالمشنقة» ويهدف الى التليين أيضاً، ولكن لا يُنصح القيام به عشوائياً، بل تحت المراقبة والإدارة الطبّية».

توقيت التمارين الرياضية

غير طقطقة الرقبة، تُطرح جدلية توقيت البدء بالتمارين الرياضية نفسها، ويلفت الى أنه «من الضروري أن يحدّد الاختصاصي توقيتَ البدء بالتمارين الرياضية، وذلك بعد أن نكون قد خفّفنا الوجع على المريض وخفضنا نسبة الالتهاب بواسطة العلاج الدوائي، لأنّ تحريك الرقبة قبل ذلك سيزيد نسبة الألم».

نصائح

يكمن دور الأطباء بتحسين حالة المريض، وإذا كان نوع عمله يتطلّب الضغوطات على الرقبة، فهذا لا يعني ضرورة أن يرافقه الوجعُ دائماً. وأخيراً، ينصح د. عبدالله «الالتزام بتعليمات الطبيب المعالج، خصوصاً من ناحية كيفية الجلوس على مكتبه مثلاً، وأهمية أن يتوقّف لمدة 5 دقائق أقله عن العمل، في الساعة الواحدة ليقوم بالتمارين الموصى بها.

هذا الالتزام، يُلخّص العلاج الفعال، وتُعتبر التمارين العلاج والوقاية في الوقت نفسه، لذلك نوصي الأشخاص الذين يتطلّب عملهم ضغوطات على الرقبة مساءلة الطبيب عن التمارين المناسبة لهم، وممارستها قبل ظهور الألم وبهدف الوقاية منه».