IMLebanon

جاء دور “حزب الله”!

كتب جوني منير في صحيفة “الجمهورية”: بدأت مرحلة التشنّج السياسي وشدّ الحبال بين الأفرقاء السياسيّين، والتي من المفترض أن تُشكّل عنوانَ المرحلة المقبلة.

وما لفَت هو التزامن الذي ظهَر بين انتهاء المعركة مع «داعش» وارتفاع الحماوة السياسية، ما دعا إلى التساؤل عمّا إذا كان ثمّة خيوط تربط بين الحدثين، خصوصاً أنّ معركة الجرود في حدّ ذاتها شكّلت منصّة الانطلاق الى السجال السياسي المرشح للتصاعد.

ولكنْ ولكي لا نخطئ القراءة، فإنّ القرار بالتصعيد اتّخِذ قبل معارك الجرود، وهو وُضِع ليُحاكي التسوية التي تُتَرجَم على الساحة السورية.

فالزيارة المُثيرة التي قام بها الوزير السعودي ثامر السّبهان الى لبنان في 23 آب الماضي ولم تشمل رئيسَ الجمهورية العماد ميشال عون ورئيسَ المجلس النيابي نبيه برّي، حملت عناوين عدة، من بينها محاولة إعادة الروح إلى التحالف السابق بين قوى «14 آذار» بهدف استعادة التوازن لمواجهة «حزب الله» وسوريا.

وبتفسيرٍ أوضح إعادةُ الحياة إلى الانقسام الإقليمي بين إيران والسعودية على الساحة اللبنانية بعدما أدّت التسوية الرئاسية لوصول العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا، إلى تجاوز هذا الانقسام.

وبعد تلك الزيارة، ساد كلامٌ في الأروقة السياسية للقوى الحليفة للسعودية في لبنان، بأنّ القضاء على «داعش» و«النصرة» في لبنان في موازاة التطورات العسكرية التي تشهدها الساحات السورية لا تعني بالضرورة تكريسَ القوى الغربية لانتصارٍ إيراني واضح، بل إنّها تعني في مكانٍ ما بدءَ مرحلةِ ضربِ «حزب الله» وتحجيمه، وهو ما يَجري تحضير الساحة اللبنانية له، أي إنّه جاء دور «حزب الله».

وفي المقابل، كانت دمشق تعمل على الإفادة من المرحلة الجديدة التي دخلت إليها، وهي ترتكز على إقفال ملفّ الحرب والانتقال الى التسويات السياسية، فتقدّمت في اتّجاه لبنان لإنجاز تطبيعٍ سياسي معه يُحسّن من موقع النظام السياسي والتفاوضي.

ومع انتهاء المعارك في الجرود، اندلعَ السجال السياسي الداخلي في لبنان، ومحورُه «حزب الله»، وجاءت تغريدتا السبهان لتؤكّدا المهمة السياسية التي أرادها من خلال زيارته لبنان.

في التغريدة الأولى، تحدَّث عن وجوب الاختيار بين من هو مع «حزب الله» ومن هو ضده.

أمّا في التغريدة الثانية فاعتبَر أنّه كما تعاملَ العالم مع «داعش» فلا بدّ أن يتعامل مع «حزب الشيطان».

وفي هاتين التغريدتين تأكيدُ الموقف السعودي الرسمي، كون التصريح قابلاً لأن يحملَ تأويلات وتفسيرات، أمّا الكلام الوارد في التغريدة فيكون في العادة مدروساً بنحوٍ وافٍ ويُعبّر عن موقف رسمي أكثر منه رأي شخصي.

وإذا كانت التغريدة الثانية تعكس ما يجري التداول به في كواليس القوى اللبنانية المتحالفة مع السعودية، فإنّ التغريدة الأولى بدَت موجّهةً إلى القوى الحليفة، وتحديداً إلى الرئيس سعد الحريري عبر القول «إمّا معنا أو مع «حزب الله». وبما معناه فإنّ التعايش الحكومي على أساس المساكنة لم يعد يَصلح لهذه المرحلة والتي سيكون عنوانها المواجهة.

هذا الموقف دفَع بالقوى السياسية في لبنان إلى السؤال عمّا إذا كان ثمّة توجُّه لتطيير الحكومة، كونها تعكس خللاً في التوازن لمصلحة «حزب الله»، إضافةً إلى المنفعة التي يَجنيها الحزب من الحكومة التي تحمي ظهرَه خلال قتاله في سوريا.

وجاء قصفُ الطائرات الإسرائيلية لمواقع داخل سوريا من الأجواء اللبنانية، فيما المناورة العسكرية الإسرائيلية الأضخم جارية، ليعزّز الأجواءَ السياسية المتشنّجة في لبنان.

وعلى رغم المناخ المحتقن والذي يؤشّر إلى مزيد من العواصف السياسية، إلّا أنّ الفريق الآخر، وتحديداً «حزب الله»، لا يبدو مستعدّاً لمجاراة التصعيد، أو بتعبير أكثر دقة، ما زال يرى في ما يحصل أنّه في إطار الضغط السياسي والإعلامي، وهو لن يذهب أبعد من ذلك، وإلّا فلكلّ حادث حديث.

فالحكومة باقية، والقرار بحمايتها ما يزال سارياً، ولا أحد لديه مصلحة في فرطِها، وفي طليعة هؤلاء رئيسُ الجمهورية، إضافةً الى الحريري نفسِه الذي قدَّم موقفاً مرناً ومعتدلاً خلال الجلسة الأخيرة للحكومة، ولو أنّه عوّض عنه بعد ساعات بموقف متصلّب للمكتب السياسي لتيار «المستقبل». في اختصار، موقفُ الحريري في الحكومة يعكس الحِرص على بقائها، فيما موقفه عبر المكتب السياسي جاء متجاوباً مع الموقف السعودي.

صحيح أنّ الحكومة لا تزال بعيدةً عن الكباش السياسي الحاصل، على الأقلّ في المرحلة الراهنة، لكنّ هذا لا يعني أنّ الحماوة ستخفّ، لا بل على العكس.

فملفّ التحقيقات حول المسؤولية في اختطاف العسكريين وقتلِهم سيشكّل باباً ممتازاً للتصعيد.

مثلاً، سيَظهر قريباً جداً اتّهامٌ لإحدى الشخصيات السياسية على خلفية كلامٍ أو توجيهٍ قامت به عشيّة اختطاف الجنود تطلب فيه غضَّ النظرِ عمّا حصَل على أساس أن يفتديَ ثلاثون جندياً تمَّ اختطافُهم ثلاثة آلاف جنديّ ما زالوا على الأرض في المنطقة.

بالتأكيد فإنّ ظهور هذه المعلومات، إضافةً إلى غيرها، سيُشعل الجوّ السياسي أكثر، لكنّ هنالك إصراراً لبنانياً داخلياً على حماية الحكومة.

ففي الكواليس السياسية للّذين يريدون إبعاد النزاع عن الحكومة، أنّ الرياض تريد النزاع الآن لامتصاص شعور النصر الذي يحاول إظهارَه الفريقُ المتحالف مع الرئيس بشّار الأسد في سوريا.

وفي المقابل، فإنّ الفريق الآخر يعتقد أنّ دمشق تريد تصعيد النزاع في لبنان لاستكمال مسار المعركة وتعميم خسارة الفريق المناوئ لها في سوريا ولبنان، ولو أدّى ذلك إلى ضربِ الحكومة وتشكيلِ أخرى تعكس في وضوح التوازنات الإقليمية الجديدة، في مقابل تحفّظِ «حزب الله» على ذلك الذي يُقارب المسألة بحذرٍ أكبر و»هضم» الانتصار الحاصل بدلاً من تعريضه للخطر عبر إظهار سقوط العواصم الثلاث بغداد ودمشق وبيروت في قبضة الحلف الإيراني.

وحسب هؤلاء، فإنّ الرياض تريد من مجاراة دمشق في التصعيد دفعَ العواصمِ الكبرى، وتحديداً واشنطن وباريس، إلى التدخّل والحدّ من التمدّد الإيراني، على الأقلّ عبر الساحة اللبنانية.

والرهان السعودي هو حول الحصص الدولية في المعادلة الجديدة لـ«الهلال الشيعي»، وتحديداً حول سعي فرنسا لتوسيع بيكار نفوذها. فالتفاهم العريض الأميركي – الروسي حول المنطقة جعل موسكو وكيلاً أميركياً قادراً على التصرّف في عدد من التفاصيل المهمّة.

وصحيح أنّ تحالفاً يَجمع موسكو بطهران، إلّا أنّ المصلحة الروسية تقتضي تشكيلَ توازنات تحدُّ من الانفلاش الإيراني وتُجنّبه صفة «الحليف الثقيل»، وكذلك تتعاون موسكو مع أنقرة في الشمال السوري وتترك هامشاً ولو ضيّقاً للطائرات الإسرائيلية. ومن هنا تسعى فرنسا إلى أنّ تحجز لها مكاناً أوسع بالتفاهم مع موسكو، وبدماثة مع طهران.

ومن الطبيعي أن تسعى باريس إلى إعادة إحياء إرثِها التاريخي وأن تنطلق من الساحة اللبنانية التي لطالما شكّلت لها نقطة ارتكاز في الشرق الأوسط، ولذلك فتحَ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حواراً معمَّقاً مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين وفتح حواراً آخر مع المسؤولين الإيرانيين،
وفي الوقت نفسِه إعادةُ تكثيف التواصل والتفاعل مع لبنان على كلّ المستويات.

ولذلك عيّن ماكرون سفيراً له في بيروت هو برونو فوشيه، وهو مستشرق ومتخصّص في الشؤون الايرانية عملَ في سفارة بلاده في طهران، كذلك عمل مستشاراً في سفارة بلاده في الرياض، ما جعله يكتسب خبرةً واسعة في شؤون المنطقة المعقّدة.

ومعه فإنّ البعض يقرأ في التصعيد السعودي دفعاً لفرنسا، ومن خلالها الإدارة الأميركية، الى حصرِ تداعيات خسارة المعارضة السورية في سوريا وعدم تمدّدِها الى لبنان، وهو ربّما ما يجعل «حزب الله» يتجنّب الدخولَ في عاصفة التصعيد، إلّا إذا تجاوزت الأمور حدودها الإعلامية والسياسية، فعندها قد نشهد سقوط الخطوط الحمر، بما فيها الواقع الحكومي، ومعه التوازنات السياسية القائمة اليوم والتي ترتكز على التسوية التي أنتجت إنهاءَ مرحلة الفراغ الرئاسي منذ أقلّ من سنة.