IMLebanon

“قضية رقم 23” فيلم استثنائي بعرضه الاول في بيروت: “ما حدا بيحقلو يحتكر المعاناة”

 

كتب يورغو البيطار

 

إنه اكثر من فيلم عادي سيمرّ في تاريخ السينما الللبنانية والعربية، فـ”قضية رقم 23 the insult” سيشكل بالمختصر علامة فاصلة في المستوى السينمائي والاخراجي والتمثيلي والابداعي في الفن السابع لبنانياً وعربياً.

هذا ما بدا جلياً في العرض الأول المنتظر للفيلم الذي أقيم مساء الثلثاء في وسط بيروت بحضور “جيش” اعلامي وفني وسياسي حاشد وبمشاركة مخرج الفيلم ونجومه ومنتجيه، في أول جسّ نبض واحتكاك مباشر لردود الفعل اللبنانية على العمل السينمائي الذي يحصد اصداء عالمية رائعة، آخرها فوز نجم العمل كامل الباشا بجائزة افضل ممثل في مهرجان البندقية العريق، كما ترشيح الفيلم لمسابقة افضل فيلم اجنبي في “الاوسكار”.

 

قبل انطلاق العرض، يؤكد المخرج زياد دويري الذي شغل الرأي العام في اليومين الماضيين، ان “الدعاية السلبية لا تساعد العمل”. ويقول انه اصلا ليس بحاجة لها ولم يطلبها وليس سعيداً انها حصلت.

يمكن القول ان “قضية رقم 23” افضل فيلم لبناني يمكن ان تشاهده في السنوات الاخيرة، اذ انه من صلب الواقع اللبناني الممتلئ بالغضب والظلم والحرب وأزمة المصالحة التي ما زالت تعصف بالمجتمع من دون تناولها بالعمق المطلوب رغم مرور كل تلك السنوات… قول الاشياء كما هي من ابرز سمات العمل الذي يحلل بذكاء ونضج نفسي وصورة مميزة الانقسام السياسي والطائفي في البلاد.

فالعمل يتابع قصة “طوني” (المسيحي القواتي) يؤدي دوره بتميّز النجم عادل كرم والمقيم في الاشرفية حيث يقع بمشادة حادة مع “ياسر” (الفلسطيني) الذي يعمل كمشرف على ورشة اشغال وهو متزوج من لبنانية مسيحية ايضاً ثم يتطور الاشكال بينهما الى جلسة محاكمة تنكأ جراح الرجلين وأبعد جراح شعبين وتكشف صدمات ومعاناة لم تندمل، لكن التضخيم الذي يتخذ ابعادا مختلفة يضع لبنان على شفير انفجار اجتماعي. وتتداخل عوامل عدة نفسية وسياسية واجتماعية في سير المحاكمة وسط فتح لملفات الحرب وتاريخ عائلتي الرجلين ما يحولها لقضية وطن وشعب ومصالح.

 

“قضية رقم 23” يعتبر الأول لبنانيا الذي منتمي إلى أفلام المحاكم، يتضمن مشاهد لا تخلو من الطرافة على الرغم من تناوله قضايا شائكة. كما يتناول تناقضات المجتمع اللبناني والعدالة وكرامة الإنسان حيث ويمكن لكلمة قيلت في وقت غضب بين فردين أن تهدد استقرار بلد بأكمله. فالخلاف الفردي ليس فرديا إن وقع بين شخصين ينتميان إلى طرفين تاريخهما مثقل بالخلاف والعداوة.

اهمية الفيلم انه يتطرق الى قضية حساسة نادرا ما تحدث عنها الاعلام وحتى السياسيون تجنبوها، فجميع القضايا التي تعود للماضي يُخشى الخوض فيها حفاظا على السلام العام في لبنان لكن “قضية رقم 23” لا يخشى ذلك ويقعنها ان التخلص من “المرض” يستوجب الحديث عنه والعمل لمداواته بدل تخبئته.

ستجد نفسك خلال الفيلم مبتعداً عن اطلاق الاحكام والتقسيم بين “اخيار” و”اشرار” بل أنك ستتنقل بين مشاعرك وافكارك وستطلق العنان لأسئلتك واختياراتك تماماً كما يحصل مع ابطال العمل. فالمخرج يشرح لنا بسلاسة الخلفيات النفسية لتعصّب قد يظهر لدى “طوني” وما تعرض له خلال حياته ولدى “ياسر” الغاضب فكلاهما يعاني من جراح الماضي.

 

“ما حدا بيحقلو يحتكر المعاناة” قد تبدو هذه الجملة في هذا الفيلم معبرة تماماً فالتركيز على مأساة طرف واحد من دون الاخذ بالاعتبار مآسي الاطراف الأخرى واقع نعيشه يوميا، اذ ان الصورة متشابكة وجميع الأطراف في البلاد واجهت الظلم والتعسف الكثير.

 

“قضية رقم 23 The Insult” من انتاج شركة Ezekiel Films التي يملكها رجال الاعمال اللبناني ورئيس مجلس إدارة “بنك سوسيتة جنرال – لبنان” انطون الصحناوي، من كتابة زياد دويري وجويل توما. اما البطولة لعادل كرم الذي أمتعنا بأداء مقنع ولافت والممثل الفلسطيني الذي أبدع بدوره وكان استثنائيا بكل ما للكلمة من معنى كامل الباشا، وريتا حايك الصادقة في ادائها، والاستثنائية الساحرة ببساطة تمثيلية لافتة ديامان بوعبود، مع اداء متميز لكل من كميل سلامة وطلال سلامة جوليا قصار وكريستين شويري ورفعت طربيه الذي ادى دور رئيس حزب “القوات اللبنانية” د. سمير جعجع في الفيلم.

يجب ألا يفوّت احد فرصة مشاهدة هذا العمل المميز الذي يعرض في مختلف الصالات اللبنانية بدءا من الخميس 14 أيلول، فـ”قضية رقم 23″ ليست قضية “طوني” و”ياسر” وحدهما بل قضية يحمل القليل منها كل واحد فينا.