IMLebanon

“لا توطين”.. بقوّة الدستور و”الإجماع الوطني”

 

كتب إيلي القصّيفي في صحيفة “المستقبل”:

قضية توطين اللاجئين في لبنان ليست قضية حديثة العهد، بل إنّ عمرها من عمر نكبة فلسطين في العام 1948 وما تلاها من تدفق للاجئين الفلسطينيين إلى «بلاد الأرز». وقد جاء النزوح السوري ليعيد طرح هذه القضية بقوّة، لكن وبإزاء هذا الواقع هناك إجماع لبناني لرفض التوطين سواء كان النازحون السوريون أو اللاجئون الفلسطينيون هم المعنيون به.

ليس أوضح وأبلغ من الفقرة «ط» من مقدمة الدستور لتأكيد موقف لبنان النهائي الذي لا يقبل التأويل من مسألة توطين اللاجئين والنازحين إلى أرضه. فالفقرة «ط» – التي تلاها رئيس مجلس النواب نبيه بري في الجلسة التشريعية أمس في معرض إعلانه توصية المجلس «بشأن التوطين» – تنص على أن «أرض لبنان واحدة ولكل لبناني، فلا فرز للشعب ولا تجزئة ولا توطين ولا تقسيم».. فهل من صيغة أوضح لتظهير موقف لبنان من هذه القضية؟

بدوره، استعان رئيس الحكومة سعد الحريري بالدستور للردّ على ما نقل من مواقف للرئيس الأميركي دونالد ترامب في الأمم المتحدة بشأن توطين النازحين، إذ قال: «الكل يعرف في ما خص توطين الفلسطينيين أو أي جنسية أخرى، لدينا دستورنا وسيادتنا، والأميركيون وغيرهم يعرفون ماذا يعني هذا الموضوع بالنسبة الينا (…) ولا داعي لإعطاء الموضوع أكبر من حجمه».

من جهته، يؤكدّ عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب آلان عون، إجماع مختلف القوى السياسية على رفض التوطين، «على ما ظهر في مجلس النواب اليوم (أمس).. فرفض التوطين إذاً موضوع مبتوت في الداخل اللبناني، وبالتالي يبقى الاتفاق على كيفية مواجهة الأخطار المترتبة على لبنان من جراء النزوح السوري إلى لبنان، ومنها خطر توطينهم فيه بدفع من الخارج».

ويرى عون، في اتصال مع «المستقبل»، أنّ «على لبنان التحرك على مستويين. المستوى الأول خارجي متصل بتظهير موقف لبنان الرافض للتوطين والملحّ على عودة النازحين إلى بلادهم في المنتديات والدوائر السياسية الدولية، أي على لبنان أن يقوم بهجوم معاكس على طروحات توطين اللاجئين السوريين حيث هم، بتكثيف جهوده الديبلوماسية لتثبيت مطالبه في هذا الخصوص». أمّا المستوى الثاني فهو داخلي ويتّصل بـ «التشدّد بإزاء موجة الاستخفاف بخطر النازحين السوريين على الوضع اللبناني، وموقفنا هذا ليس ناجماً عن عنصرية إنما عن إدراك لحقيقة هذا الخطر. عملنا يجب ألا يكون محصوراً بمساعدة اللاجئين إنما بحثّهم على العودة».

أما أوساط «القوات اللبنانية» فتنطلق في تعليقها على موضوع توطين اللاجئين في لبنان بالقول «إنّ ترجمة كلام ترامب في هذا الخصوص من مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك لم تكن دقيقة، بل حرّفت مضمون كلامه، فهو لم يتحدّث عن توطين للاجئين السوريين في بلاد الجوار السوري إنّما عن عودتهم إلى بلادهم».

وتؤيد «القوّات» كلام الرئيس الحريري أولاً لجهة «عدم إعطاء الموضع أكثر من حجمه»، وثانياً لجهة التأكيد «أنّ قرار توطين اللاجئين في لبنان لا يمكن أن يكون نابعاً من أي دولة خارجية وإنما هو قرار لبناني بحت، أي أنّ التوطين الذي يحكى عنه رهن قرار اللبنانيين وإرادتهم حصراً»، وتشير أوساطها في اتصال مع «المستقبل» إلى أن «فزاعة التوطين استُخدمت مع الفلسطينيين وثمّة من يريد اليوم أن يكرّرها مع السوريين». هذه الفزاعة لا أساس لها بالنسبة إلى «القوات»، فـ «مقدمة الدستور واضحة، وبالتالي إذا أراد أحد استنهاض فزاعة التوطين فذلك لأهداف بحت سياسية ولا صلة لها بالواقع».

وفي ما خصّ نظرتها إلى حلّ أزمة النزوح السوري، ترى «القوات» أنّ «هناك تفهماً دولياً بأنّ لبنان أصبح عاجزاً عن تحملّ الأعباء الإقتصادية والاجتماعية والسياسية للنزوح السوري، ونحن متفقون كلبنانيين أنّ الوقت قد حان ليعود هؤلاء إلى بلادهم، وهناك خطة للقوات تقوم على ضرورة عودتهم إلى المناطق الآمنة في سوريا، على أن يتكفّل المجتمع الدولي بهذه العودة. إنما علينا التمييز بين ضرورة عودة النازحين إلى بلادهم، وبين أخذ النقاش في شأنهم في اتجاهات سياسية وانتخابية ضيقة».

من جانبه، يؤكد وزير الدولة لشؤون النازحين معين المعربي، موقف تيار «المستقبل» المنسجم مع الدستور اللبناني ومقتضيات المصلحة الوطنية في رفض توطين اللاجئين في لبنان. لكنّه يسجّل عدم دقّة الترجمة التي أخذ بها كلام ترامب في الأمم المتحدة، «فهو لم يتحدث عن توطين أو تجنيس، إنما تحدث عن بقاء النازحين في مكان قريب من بلدهم ليتمكنوا من العودة إليه والمساهمة في إعادة إعماره». ويسأل: «الغربيون يرفضون توطين النازجين في بلادهم إلّا بقدر معيّن تحدده كل دولة حسب وضعها. فبأي حجة أو منطق يمكنهم أن يفرضوا على الدول الاخرى ما يرفضونه في بلدانهم».

وهنا يستعيد المرعبي ما قاله الرئيس الحريري في مجلس النواب أمس، عن عدم وجود قرار دولي بتوطين الاجئين في لبنان، وأنه «لن يصدر قرار دولي يلزم بتوطين هؤلاء في أماكنهم»، ليؤكد انسجام موقف تيار «المستقبل» مع «التوجّه الدولي في شأن التعامل مع قضية اللاجئين السوريين، والقائم على مساعدتهم في بلدان النزوح حتّى تتوفر ظروف عودتهم الآمنة إلى بلدهم».

إلى ذلك، تشير أوساط سياسية متابعة لملف النزوح السوري إلى لبنان إلى «التحريف» الذي طال كلام ترامب في خصوص النازحين السوريين، «ولذلك هناك ضرورة لقراءة هادئة لمضمون كلام الرئيس الأميركي لأنّ في ذلك مصلحة لبنانية أكيدة لكون الولايات المتحدة الاميركية هي المتبرّع الأولّ لمساعدة النازحين السوريين إلى لبنان، وقد قدّمت في العام الماضي مبلغ 396 مليون دولار أميركي لهذه الغاية». وتسأل: «هل من مصلحة لبنان أن يرفض الدعم الأميركي للنازحين لأنّ هذا الدعم جزء من خطة أميركية لتوطينهم فيه؟ خصوصاً أن الرئيس ترامب لم يذكر كلمة توطين في خطابه إنما إيواء أو إسكان النازحين في بلدان الجوار ليتمكنوا لاحقاً من المساهمة في إعادة إعمار بلدهم».