IMLebanon

مشكلات الأبناء تبدأ من العائلة والمحيط

كتبت ساسيليا دومط في صحيفة “الجمهورية”:

وليد الصغير، البالغ من العمر 7 سنوات، واحدٌ من الأطفال الذين ينفجرون غضباً لأتفهِ الأسباب، بالإضافة إلى ميلِه الدائم إلى تكسير الألعاب، تمزيق الكتب والدفاتر وضربِ من يلتقيه من أولاد، في المدرسة والبيت، أو في أيّ مكان آخر. تشكو والدته من حالة الغضب الدائمة لديه، وتقول: «شقيقه منير، وعمرُه عشر سنوات، هادئ جداً، حتّى إنه يحبّ أن يبقى في غرفته، ولا يهمّه اللعب مع غيره من الأطفال، ويزعجه الاحتكاك بالمجتمع، «مريِّحني» عكس وليد».يعاني الطفلان من عصبية الأب، الذي ما إن يصل من عمله إلى البيت حتّى يبدأ بالصراخ والضرب والشتم والتهديد، ما يطال وليد، ومنير وأمَّهما.

كقراءة أوّلية، نرى الطفلَ العصبي يتشبّه بسلوك والده ويقلّده، أضِف إلى ذلك التوتّر والقلق والخوف الدائم من أن يتعرّض للتعنيف.

فالأب هو المثل الأعلى للصبي. أمّا منير، فطريقة تعاطيه مع الموضوع مختلفة، إذ يفضّل العزلة والابتعاد عن الآخرين، وربّما يكون التعاطي معه أسهل بالنسبة للأم، إلّا أنّ الأضرار عليه أيضاً جسيمة، فهو يؤذي نفسه بعدم التعبير عن غضبه وبإبقائه في داخله.

ما تطلبه الوالدة واضح ومحدَّد، وهو مساعدة وليد للتوقف عن الغضب، وتكسير الألعاب والأشياء. إلّا أنّ إصلاح وضعِ الطفل لا ينجح إلّا من خلال المرور بالوالد، الذي لو تخلّصَ من ردود فِعله العنيفة لانعكسَ ذلك وبشكل مباشر على الأبناء.

الخوف المُعدي

والدة ريما، التي رُزقت بها بعد 9 سنوات من الزواج، تشكو من أنّ ابنتها (5 سنوات)، لا تترك يدَها صباحاً، عندما توصِلها إلى المدرسة لحين دخولها الصف، كما أنّها تطلب منها أن تنام بجانبها ليلاً. ريما قلِقة، وسبب قلقِها المباشر أنّ أمَّها تخاف عليها من كلّ شيء، «رزقْتُ بها بأعجوبة بعد انتظار 9 سنوات، ولا أريد أن يصيبها مكروه».

تخاف الأمّ من أن تقع ابنتها في المدرسة، من المرض، من حوادث السير، من أن يضربها أحد، وأمور عديدة أخرى. إنّ معالجة الطفلة من القلق والتعلّق بأمّها تمرّ بالوالدة، التي تحرّرها بمجرّد تحرير نفسِها. وعندما ننصَح الأمّ بأن تخلّصَ نفسَها من القلق الشديد تجيب بأنّ ما يهمّها الآن هو ريما.

العلاج والأهل

من حقّكم كأهل، آباءٍ وأمّهات، طلبُ المساعدة والعلاج لأطفالكم كي يتمتّعوا بصحة نفسية سليمة، لكنّ ذلك صعب المنال إذا لم تسعوا للانطلاق من أنفسكم، وبذلك تُعالج جذور المشكلة.

سلوكيات كثيرة يقوم بها الأبناء على غرار أهلِهم كشربِ القهوة، تدخين السجائر والأرجيلة. يثور الأهل ويجنّ جنونهم عندما يكتشفون أنّ أولادهم المراهقين يدخّنون سرّاً. لكن، ماذا توقّعوا ممّن كان يراقبهم لسنوات عديدة وهم أسرى التدخين، يتلذّذون بالسيجارة تِلوَ الأخرى؟ كيف يقنِعون أولادهم بعدم التدخين؟ هل يقولون لهم بأنّ التدخين مضرّ بالصحّة؟ هم الذين يحرقون الواحدة تلوَ الأخرى.

الصحّة النفسية للأبناء مهمّة جداً، وسعيُ الأهل لتأمينها لهم، من خلال لجوئهم للمعالجين النفسيين، تعبير عن وعيهم والتزامهم بمسؤوليتهم كآباء وأمّهات، لكن، ما أودّ إضافتَه هو أنّ ثمارهم تحمل معاناتهم وتنطق بها. فالعلاج النفسي للأطفال يمرّ بأهلهم، بالعلاقة الزوجية، بالحبّ والاحترام، بطريقة تعاطي الوالدين فيما بينهما ومع الآخرين.

بالإضافة إلى حرص الأهل على توازنِ ميزانِ العطاء للأبناء بين الضرورة والترَف، وذلك على جميعِ الأصعدة، وتمضية الوقت النوعي مع الأبناء، من خلال الاستماع لهم، وتقديم النصح والرعاية والعناية والدعم، وعدمِ السماح لأيٍّ كان أو شيء بتشويش هذا الوقت النوعي.