IMLebanon

التطاحُن الإقليمي – الدولي “يُحاصِر” بيروت

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:

اشتدّتْ المواجهةُ بين «المعسكريْن» الأميركي والإيراني من «فوق رأس» لبنان و«خيْمةِ» التسوية السياسية التي تُعانِد السقوط بالضربة القاضية التي ستعني دخول البلاد في فوضى يصعب التكهن بمآلاتها.

فـ«مكبّرات الصوت» خرجتْ دفعة واحدة «صواعق» صراعٍ متعدّد الجبهة ألقتْ بوهجها على لبنان الذي ينصرف اليوم إلى معالجة ملفات مالية ذات أبعاد اقتصادية – اجتماعية من خلال الجلسة التشريعية للبرلمان، فيما تتطاير من حوله شظايا «التطاحن» الذي يلوح في الأفق على خط واشنطن – طهران وحلفائهما.

ولم يكن عابراً أمس التقاطع الأميركي – السعودي تحت عنوان محاولة التصدي لنفوذ إيران وأذرعتها في المنطقة وفي مقدمها «حزب الله». فغداة إقرار مجلس الشيوخ مشروع القانون رقم 1595 (يتضمن تعديلات على القانون 2015) الذي يستهدف «تعزيز الجهود الدولية لمواجهة التهديدات الإرهابية والصاروخية التي يُشكلها حزب الله» وطرْح إمكانُ إدراج «الحرس الثوري» الإيراني على لوائح الإرهاب الأميركية، ووسط ترقّب قرار الرئيس دونالد ترامب في شأن الاتفاق النووي مع إيران، جاءتْ مدوّية تغريدة وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان الذي كتَبَ على حسابه الرسمي على «تويتر» ان «العقوبات الأميركية ضدّ الحزب الميليشياوي الإرهابي في لبنان جيدة، ولكن الحلّ بتحالف دولي صارم لمواجهته ومَن يعمل معه، لتحقيق الأمن والسلام الإقليمي».

واكتسب هذا الهجوم العنيف والمتجدّد من السبهان ضدّ «حزب الله» أهمية خاصة لكونه التغريدة الثالثة منذ 4 سبتمبر الماضي لأرفع مسؤول سعودي مُمْسك بالملف اللبناني، وكان زار بيروت قبل شهر ونصف الشهر والتقى عدداً من المسؤولين والشخصيات السياسية ليحذّر (في 4 سبتمر الماضي) بعد أيام من عودته الى الرياض عبر «تويتر» من أن «ما يفعله حزب الشيطان من جرائم لا إنسانية في أمّتنا سوف تنعكس آثاره على لبنان حتماً، ويجب على اللبنانيين الاختيار معه أو ضده. دماء العرب غالية»، قبل ان يغرّد في 8 سبتمبر الماضي معلناً ان «الإرهاب والتطرف في العالم منبعه إيران وابنها البكر حزب الشيطان، وكما تعامل العالم مع داعش لا بد من التعامل مع منابعه، شعوبنا بحاجة للسلام والأمن».

وإذ لاحظتْ أوساطٌ سياسية مطّلعة أنّ دعوة السبهان أمس الى قيام تحالفٍ دولي بوجه «حزب الله» ومَن يعمل معه جاءتْ في غمرة عودة الاهتمام السعودي العالي المستوى بالملف اللبناني وهو ما تجلّى ببدء مسار لقاءاتٍ لشخصياتٍ لبنانية مع وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان الذي كان استقبل كلاً من رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع ورئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميّل، فإن هذه الأوساط توقفت عند دلالة توقيت كلام وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج بعيْد القمة الروسية – السعودية التاريخية، لافتة الى ان ما أعلنه السبهان يوجّه رسالة مباشرة بأن الرياض لن تهادن إيران وأذرعتها في المنطقة وأن اقترابها من موسكو لا يُبعدها قيد أنملة عن ثوابتها حيال ما تصفه بـ «مشروع التوسّع الإيراني».

وما جعل التناغُمَ الأميركي – السعودي ينطوي على أبعاد بالغة الأهمية كان وقْعُه الدراماتيكي على إيران و«حزب الله»، وهو ما عبّر عن نفسه من خلال تهديدات القائد العام لـ«الحرس الثوري» الإيراني محمد علي جعفري بأن طهران ستعامل الجيش الأميركي «معاملة داعش» في حال صحة ما تردد في شأن ما وصفه ارتكاب أميركا «حماقة أخرى بإدراج حرس الثورة الإسلامية على لائحة المجموعات الإرهابية»، قبل ان يطلّ الأمين العام لـ «حزب الله» عصر امس ملاقياً السقف الإيراني العالي بهجومه على الولايات المتحدة والسعودية ومتحدثاً عن المعركة الاستراتيجية على الحدود السورية – العراقية في ضوء الخسائر الموجعة التي تكبّدها الحزب والضغط الأميركي لقطع «حبل السرة» في «الهلال الإيراني» الممتدّ من طهران الى بيروت مروراً ببغداد ودمشق.

وسبقت إطلالة نصر الله مواقف في الاتجاه عيْنه لنواب من الحزب أبرزهم نواف الموسوي الذي تحدّث عن «مشروع صهيوني» برعاية أميركية لـ «إفشال محور المقاومة أو هزيمته أو إسقاط بعض مواقعه بغية تفكيك هذا المحور جغرافياً، فيحاولون تقسيم العراق»، متحدّثاً عن «عدوان على لبنان» عبر «جْعل تقسيمه أمراً مطروحاً»، ومتوعّداً بالقول: «في لبنان سنسقط التقسيم بمختلف محاولاته التي يطلّ بها، وفي طليعتها توطين النازحين السوريين، ولذلك فإن مسؤوليتنا تكمن في أن نعمل على إعادتهم إلى بلدهم».

وكان لافتاً ان كلام الموسوي تَزامن مع مواقف لوزير الخارجية جبران باسيل (صهر الرئيس ميشال عون) كرّستْ المقاربة الواحدة بين الفريقيْن لملف النازحين وضرورة عودتهم السريعة، وأعلن فيها: «نعم نحن عنصريون بلبنانيّتنا، مشرقيّون بتكويننا، عالميّون بانتشارنا»، لافتاً الى ان «ما قاومناه العام 2011 لن نسمح به اليوم بإقامة مخيمات للنازحين فأمام المواطن السوري الشقيق طريق واحدة هي طريق العودة الى وطنه».

ويَطرح احتدام الصراع الأميركي – الإيراني علامات استفهام حيال إمكان إبقاء لبنان بمعزل عن تداعياته، ولا سيما ان كلام «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس عون) حول النازحين يؤشّر على أن هذا الملف لن يوضع على الرفّ بل سيشكّل مادة خلافية كبيرة لأنها تنطوي على محاولة للتطبيع مع نظام الرئيس بشار الأسد من خارج التفاهم الذي حكم التسوية السياسية منذ انتخاب عون رئيساً في 31 أكتوبر الماضي وايضاً من خارج تفاهُم اقليمي – دولي نهائي على الحلّ السياسي في سورية، وهو ما يرفضه خصوم «حزب الله» (شركاؤه في الحكومة) وفي مقدّمهم الرئيس سعد الحريري والدكتور جعجع اللذان يشترطان دوراً للأمم المتحدة في عودة النازحين.

وثمة مَن يرى ان مجمل المناخ «الساخن» اقليمياً على الجبهة الأميركية – الإيرانية كما السعودية – الإيرانية سيفرض اختباراً هو الأقسى على التسوية السياسية في لبنان التي كان نصر الله حذّر من اي مسار مواجهة داخلي من خارجها وفق معادلة لا تسوية = لا استقرار.