IMLebanon

واشنطن تُدقِّق في علاقة الدولة مع «حزب الله»: «تعاوُن» أم «تنسيق»؟!

كتب ناصر شرارة في صحيفة “الجمهورية”:

مع بداية العام الجديد، يُنجِز الأميركيون والبريطانيون الحدودَ اللبنانية مع سوريا بمعدّات الاستشعار الإلكترونية الحديثة التي ستساهم بمساعدة الجيش اللبناني على منع حركة العبور غير الشرعي من لبنان في اتّجاه سوريا وبالعكس. كما أنه في التوقيت نفسه سيكون الجيشُ اللبناني انتهى بحسب معلوماتٍ متقاطعة من تدريب «أفواج الحدود» التي سيتمّ استخدامُها في مهمة مراقبةٍ أفعل وحمايةٍ أكبر للحدود اللبنانية الشمالية.
تتزامن هذه التطورات مع انتقال سخونة المعارك في سوريا الى منطقة الحدود السورية ـ العراقية، وتُعتبر مدينة البوكمال التي يتوجّه اليها الجيش السوري وحلفاؤه في موازاة توجُه الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» الى مدينة القائم العراقية المقابلة لها، نقطة الالتقاء الاستراتيجية بين حدود العراق وسوريا.

وعليه فإنّ مجريات المعركة التي ستحدث في البوكمال التي تسابق «قوات سوريا الديموقراطية» («قسد») بدعم أميركي الجيش السوري للوصول اليها، ستحدّد هويّة الجهة التي ستُمسك بالحدود هناك، هل هو النظام وحلفاؤه؟ أم «قسد» ومن ورائها أميركا؟

في الشكل ثمّة فوارق بين ما يحدث في البوكمال وبين ما يحدث على الحدود الشمالية للبنان، ولكن في العمق هناك تشابه لجهة ما يُشاع في الكواليس الاقليمية والدولية عن أنه حتى بدايات هذه السنة، ستكون كل معارك الحدود السورية مع جوارها قد حُسمت لجهة تأمينها من ناحية في وجه حركة تنقّل «داعش» والمجموعات الارهابية الاخرى عبرها، ولجهة هوية القوى المحلية والاقليمية والدولية التي ستؤمّنها من ناحية ثانية ونسب حصص الدول الكبرى في ضمان هذا التأمين.

واضح أنّ الوضع الميداني على الحدود اللبنانية الشمالية مع سوريا خلال بدايات السنة المقبلة ستكون حاله ليس كما هي الآن. فواقع إتمام نشر معدات الاستشعارالالكترونية الكفيلة بقمع حركات العبور غير الشرعية من سوريا في اتّجاه لبنان وبالعكس، سيخلق وضعاً ميدانياً جديداً في هذه المنطقة، يتيح للجيش اللبناني مراقبةً أفعل لها، ويضعها تحت مراقبة دولية يتيحها واقع حال أنّ الدول الناشرة هذه المعدّات سيمكنها معرفة ما يدور في هذه المنطقة على هذا الصعيد، وخصوصاً بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية وربما كندا أيضاً التي يُقال إنها ساهمت في تركيب هذه المعدات.

ليس واضحاً بعد ما إذا كان هذا الإجراء ستكون له نتائج معيّنة على حركة تنقّل «حزب الله» العسكري بين سوريا ولبنان التي يقوم بها منذ تدخّله العسكري في سوريا، لتأمين حاجاته اللوجستية التي تخدم مساهمته في المعارك العسكرية هناك.

ولكنّ مراقبين يعتبرون أنّ كلّاً من واشنطن ولندن تعتبران أنّ مساعدتَهما لبنان لتمكينه من تأمين حدوده المشترَكة مع سوريا عبر نشر معدات الاستشعار الإلكترونية بهدف منع التنقّل غير الشرعي بين البلدَين، ستمهّد لمرحلةِ تشدّد الولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة في موضوعين ما فتئت تطرحهما على المسؤولين اللبنانيين الذين زاروا واشنطن في الفترة الأخيرة:

• الموضوع الاول، يتمثّل بإصرار واشنطن، وخصوصاً بعد معركتي جرود عرسال و»فجر الجرود» في خراجي رأس بعلبك والقاع، على طرح أسئلة على الجانب اللبناني تحاول جاهدةً من خلالها التدقيق في ما إذا كانت الدولة اللبنانية وضمنها الجيش اللبناني «تتعاون» مع «حزب الله» أم «تنسّق» معه فقط.

من وجهة نظر واشنطن هناك تفهّم لأن يكون هناك تنسيق تفرضه ضرورات ماسة، وضمن نطاق محدَّد زمنياً وجغرافياً، ولكن غير مقبول لديها أن تكون الدولة اللبنانية – وضمنها الجيش اللبناني – تتبع استراتيجية تعاون مع «حزب الله» يعني تبادل المصالح ودمج المهمات على مستوى تكتيكي واستراتيجي.

ويكشف هؤلاء المراقبون أنّ هذه الأسئلة الأميركية للجانب اللبناني ليست منعزلة عن حوار إسرائيلي ـ أميركي جارٍ في الفترة الاخيرة، ويتناول درس سبل مواجهة إيران في المنطقة وفي مقدمها تحدّي «حزب الله» الذي يمثل أحد أبرز أذرعها الفاعلة في كل منطقة المشرق وليس فقط في لبنان. وضمن هذا الحوار فإنّ وجهة النظر الإسرائيلية تركّز على اعتبار الدولة اللبنانية والجيش اللبناني و«حزب الله» بمثابة هدف واحد لها في أيِّ حرب مقبلة، فيما واشنطن لا تزال تصرّ على تحييد الدولة والجيش من أيِّ حربٍ إسرائيلية محتملة على لبنان، وتؤكّد وجود فارق بين الهدفين في اعتبار أنّ الدولة اللبنانية ليست جزءاً من مجهود الحزب لا السياسي ولا العسكري، وإنما تتقاطع نسبياً معه للضرورة القصوى وفي ظل اعتبارات جزئية.

ويختم هؤلاء المراقبون «أنّ خطر الحرب الإسرائيلية على لبنان تحت عنوان ضرب «حزب الله» انتقل من مرحلة السجال عليه كاحتمال مطروح على طاولة التشاور الإسرائيلي والإقليمي مع أميركا حوله، الى مرحلة نقاش توقيتاته وسلّة أهدافه وتحديد جدواه ضمن اعتبارات أولويات أهداف تحالفات واشنطن في المنطقة!.

• الموضوع الثاني، يتّصل بتداعيات لا تزال قائمة لجلسة التجديد لقوات اليونيفيل في لبنان التي مرّت «بشقّ النفس» في الأمم المتحدة بعد بروز رغبة أميركية بتعديل قواعد الاشتباك للقرار 1701.

وعلى رغم أنّ تدخّلات باريس والقاهرة، وما يُقال عن استعداد روسيا لوضع «فيتو» في حال نجحت أميركا حينها في إمرار صيغة جديدة لتطبيقات قواعد القرار 1701، أدّت الى اخراج تلك الجلسة من عنق زجاجة الازمة، إلّا أنّ واشنطن نجحت في اضافة عبارات على البنود الراهنة لقواعد الاشتباك لعمل القبعات الزرق، قد تشكّل إحراجاً لعلاقة بيروت مع الأمم المتحدة خلال الفترة المنظورة وذلك على مستوى مساهمتها في تطبيق القرار 1701.

وبحسب مصدر مطّلع فإنّ المادة 18 من قواعد اشتباك عمل «اليونيفيل» بحسب صيغته المعدَّلة، تشكّل «دفرسوار» قد تنفذ منه واشنطن لإحراج الدولة اللبنانية، حيث يرد في هذه المادة أنّ على اليونيفيل تفتيش منازل في منطقة عملياتها يُشتبه بوجود سلاح لـ«حزب الله» فيها وأن ترفع تقارير دورية بنتائج بحثها الى الأمين العام للأمم المتحدة، وطالما أنّ الجيش قد يُستدعى للقيام بهذه المهمة بدلاً من قوات «اليونيفيل» منعاً لتصادمها مع الاهالي، فإنّ هذا سيلقي على الجيش مسؤولية حساسة تجاه الحزب وكذلك تجاه الأمم المتحدة وواشنطن ايضاً.