IMLebanon

مَخرَجان مُتاحان للخروج من مأزق استقالة الحريري

 كتب ناصر شرارة في صحيفة “الجمهورية”:
رحلة انتظار عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان لن تستمرّ طويلاً. ولكن ما بين عودته من زيارته ما قبل الأخيرة للرياض وعودته من زيارته الراهنة، ستكون النتائج التي يحملها معه مغايرةً تماماً.
هناك خياران اثْنان يوجد لهما ثالثٌ بديل، يشكلون كلّ ما هو مطروح من مخارج لضمان استمرار التسوية الرئاسية نابضة بالحياة أو بشيء منها:

• الخيار الأول، هو تسليم الشركاء في التسوية الرئاسية بمضمون بيان استقالة الحريري، وهو أمرٌ غيرُ وارد، لا بالنسبة لـ»التيار الوطني الحر»، ولا بالنسبة الى شريكيه في التسوية الرئاسية، «حزب الله» وحركة «أمل»، بطبيعة الحال، ولا بالنسبة الى الشريك الدرزي وليد جنبلاط وطلال أرسلان.

• الخيار الثاني أن يتمَّ اعتبار استقالة الحريري مع كل ما رافقها في الشكل والمضمون بمثابة ما يمكن تسميته اصطلاحاً «حرب تحريك سعودية للتسوية الرئاسية»، وذلك في اتّجاه تصحيح مسارها وتوازناتها، وليس الإطاحة بها.

وتقع الترجمة العملية لهدف الخيار الثاني تحديداً، في إعادة تفعيل خطاب القسم الرئاسي داخل هذه التسوية، خصوصاً أنّ الرياض كانت وافقت على مضمونه، واعتبرت أنّ فيه نقاطاً تشكّل ضماناً مقبولاً في الحدّ الأدنى لمصالحها السياسية بالنسبة الى المواجهة في المنطقة بينها وبين إيران..

اضافة الى أنّ نتائج هذا الخطاب أثمرت في تهيئة الأجواء امام تحديد عون للسعودية أوّلَ دولة يزورها في خطة رحلاته الخارجية، والتي كان يُفترض أن تتبعها زيارةُ الملك سلمان بن عبد العزيز للبنان، ولكنّ تلبّدَ غيوم العلاقة بين بعبدا والرياض لاحقاً حال دون ذلك وقطع هذا المسار.

وفي حال تمّ التوافق بين عون والحريري بعد عودته الى لبنان، على اعتماد الخيار الثاني، يمكن حينها تصوّر إمكانية عودة الحريري عن استقالته، ويمكن الرياض أن تكتفي بالنتائج السياسية التي حقّقتها في «حرب تحريك التسوية الرئاسية» وذلك في اتّجاه تصحيح ما تعتبره خللاً كبيراً لمصلحة «حزب الله» كان أصابها عند تطبيقها منذ عام حتى الآن.

وفي المقابل سيبدو «حزب الله» غيرَ مضطر لتغيير سياسة التعاطي بهدوء مع الوضع الداخلي وذلك في مرحلة ما بعد استقالة الحريري، كون الحزب يجد نفسه قادراً على تحمّل نتائج حرب تحريك سعودية لتوازنات معادلة التسوية الرئاسية في لبنان، فيما لن يكون قادراً على ضبط أعصابه السياسية تجاه تحمّل حرب سعودية هدفها «تحرير التسوية الرئاسية منه».

المطّلعون على كواليس ما جرى منذ يوم السبت الماضي حتى رؤية مشهد الملك سلمان يستضيف الرئيس الحريري، يميلون للاعتقاد بأنّ ما حصل هو أشبه بـ»حرب تحريك للتسوية الرئاسية في لبنان»، وليست «حربَ تحرير لبنان منها».

ويقدّم القائلون بهذا السيناريو دلائلَ تعزّز احتمالَ اعتماده، ابرزها ملاحظتهم أنه حتى في حمأة الاشتباك الذي شهده البلد خلال الايام الاربعة الاخيرة، فإنّ السعودية أبدت مؤشرات الى أنها تخوض «نزاعَ تحريك» للتسوية الرئاسية ومحاولة تعديل توزاناتها، وليس إسقاطها، بدليل إقدامها على تعيين سفير لها في لبنان وذلك بعد يوم واحد فقط من إعلان الحريري بيانَ اسْتقالته.

ولكنّ هناك خياراً ثالثاً غير مستبعد، ويوجد مَن يقول به داخل بيئة المصادر عينها المطلّة على ما يحدث على خطّ أحداث لبنان – السعودية الساخن هذه الأيام. ومفاده الاتفاق على فرملة التصعيد عند حدود إبقاء حكومة الحريري حتى موعد الانتخابات في أيار المقبل، ولكن بصفتها حكومة تصريف أعمال. هذا الحلّ يحقق أهدافاً عدة في آن، فهو يتجنّب الاضطرار لتشكيل حكومة بديلة عن الحكومة الحريرية ما يُطفئ جذوة التحدّي وإدخال البلد في مرحلة إحباطٍ سنّي تتكرّر خلالها الأجواء نفسُها التي عاشها الوضع السياسي اللبناني الداخلي، خلال مرحلة الإحباط المسيحي.

وهذا الخيار يوفّر إمكانية تعويض الفراغ السياسي الناتج عن إبقاء البلد حتى الانتخابات في عهدة حكومة تصريف اعمال، وذلك من خلال دعوة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى طاولة حوار وطني في قصر بعبدا للتصدّي لنتائج الأزمة التي اشتعلت في الايام الاخيرة، وترث طاولة الازمة التي كان رئيس مجلس النواب نبيه بري أنشأها قبل الانتخابات الرئاسية للتصدّي لتبعات الأزمات المعيشية التي تفاقمت تفلتاً للشارع، وتراكماً للمشكلات السياسية الحادة والفراغ الرئاسي الخطر.

هذا الحلّ يعيد لطاولة الحوار الوطني الدور الذي كان يرى فيه حينها البطريرك مار نصرالله بطرس صفير أنه يعوّض، ولو بنسبة معيّنة، نتائجَ الإحباط التي أصابت المسيحيين نتيجة مقاطعتهم للانتخابات وما أسفر عنها من خروج لأحزابهم الوازنة من الحكومة والحكم. النظرية نفسها يمكن تطبيقها على المرحلة المقبلة لتفادي حصولِ إحباطٍ سنّي، ولكن مع فارق أنه الى جانب إقامة طاولة حوار وطني في بعبدا، يُصار الى إبقاء الحكومة الحريرية الحالية، ولكن تحت عنوان حكومة تصريف أعمال ما يجنّب الاضطرار الى تشكيل حكومة بديلة عنها برئاسة شخصية سنّية إما ضعيفة أو محابية لـ«حزب الله»، وفي الحالين سيؤدّي هذا الوضع الى سقوط التسوية الرئاسية نتيجة إخراج الطرف السنّي الوازن داخلياً واقليمياً منها، ما يؤسّس لإمكانية تأجيج الإحتقان المذهبي السنّي ـ الشيعي، ويعيد المواجهة الى الشارع.

ويرى القائلون بهذا الحلّ إنه مناسب لغير طرف: للعهد كونه يمنحه شراء الوقت السياسي الإقليمي الصعب، وكونه يناسب قول عون منذ البداية عن أنّ حكومة العهد الأولى هي حكومة ما بعد الانتخابات النيابية. ويناسب هذا الحلّ أيضاً «حزب الله» الذي يهمّه شراء الوقت الداخلي في انتظار جلاء صورة الوضع الإقليمي، ويهمّه أيضاً إطفاء الحريق الداخلي المذهبي وأخذه الى المؤسسات لمنعه من التسرّب للشارع.

كذلك يناسب الحريري الذي يعتبر أنّ وجودَه كرئيس لحكومة تصريف الأعمال سيحرّره من مآخذ حلفائه الإقليميين والداخليين عليه من أنه يغطي «حزب الله»، وسيحرّر خطابه الانتخابي من قدرة الآخرين داخل طائفته على المزايدة عليه، وأيضاً سيستمرّ ضمن هذه الصفة مرشَّحاً لرئاسة الحكومة المقبلة.

وما يهم السعودية من هذه الوضعية هو أنها ستسمح بإعادة شدّ لحمة 14 آذار بعد أن أدّت التسوية الرئاسية الى فرطها، واستبدال مصطلح «الفراق السياسي» مع «حزب الله» بمصطلح «ربط نزاع».

وتبقى في هذا المجال أهميةٌ اسْتثنائية للاشارة الى بُعدٍ خارجي رصدَته مصادر مطلعة، ويتمثل باستنتاجها أنّ في لبنان ستكون كل المواجهة مع «حزب الله» سواءٌ الداخلية أو الإقليمية أو الدولية هي سياسية حصراً مصحوبة بإجراءات إقتصادية، فيما المكان المرشّح للمواجهة معه بغية تقليم أظافره العسكرية، هي ساحة نفوذ إيران في سوريا تحديداً.