IMLebanon

إستراتيجية واشنطن لكبح نفوذ إيران: العراق أولاً وليس لبنان

كتب ناصر شرارة في صحيفة “الجمهورية”:

لم تكن واشنطن متحمّسةً للعِب دورٍ مباشر في شأن أزمة استقالة الرئيس سعد الحريري، فإدارة الرئيس دونالد ترامب في هذه الفترة تتجنّب فتح أيِّ نافذة تضطرّها إلى إجراء مقايضةٍ مع طهران، تؤدّي إلى تشويش ضغطها عليها، والمنصبِّ على ملفّ أساسي يتعلّق بمطالبتها بإدخال تعديلات على الاتّفاق النووي.

لذلك فوّضت واشنطن إلى باريس القيام بمسعى لإعادة الوضع في لبنان الى ما قبل الرابع من الشهر الجاري، شرط ان لا يفضي هذا المسعى الى تسوية تُظهر السعودية وكأنّها خسرت المواجهة مع «حزب الله» في لبنان.

وبحسب مصادر مطلعة فإنّ أزمة استقالة الحريري مرشّحة لأن تنتهي بسيناريو لا يفضي الى حدوث تعديلات جوهرية على دور «حزب الله»، لا داخلَ لبنان ولا في المنطقة، ومردُّ ذلك، في الاساس، هو انّ توقيت فتحِ هذه «المعركة» او هذه «المواجهة السياسية» مع إيران عبر نافذة «حزب الله» في لبنان، لم يكن مرغوباً به دولياً، وذلك لأسباب عدة، بحسب معلومات استقتها «الجمهورية» من مصدر عربي مطّلع:

• السبب الأوّل، يتعلق بما كشَفه المصدر عينه من انّه منذ نحو شهرين أبلغَت واشنطن الى حلفائها العرب المنخرطين معها في مواجهة النفوذ الايراني في المنطقة، أنّ استراتيجيتها لضبطِ النفوذ الايراني الإقليمي تنصّ على ان يتمّ إعطاء اولوية في هذه المرحلة لمواجهة النفوذ الايراني في العراق.

وتُعلّل واشنطن وضعَها «العراق أولاً» في بدء مسار مواجهة التمدّد الايراني في الإقليم، بأنّ «العراق يوجد فيه ثِقلُ النفوذ الايراني في المنطقة العربية»، ما يُحتّم إعطاءَه أولوية على مستوى توجيهِ كلّ الجهود العربية والاميركية إليه لكسرِ هذا النفوذ الايراني فيه.

أمّا في سوريا، فإنّ واشنطن ستعطي رهانَها على ان تقوم موسكو بمسعى كبحِ النفوذ الايراني فيها، مزيداً من الوقت حتى ترى نتائجَه، وفي حال لم تفعل موسكو، فستبحث حينها في بدائل تؤمّن هذا الهدف.

وعليه، يرى هذا المصدر أنّ فتح ملفّ تقليم أضافر النفوذ الايراني انطلاقاً من لبنان ودور «حزب الله» انطلاقاً منه، وفي هذا الوقت، يعَدّ «تبكيراً» غير مرغوب به أميركياً وحتى دولياً، لتوقيت بدءِ المواجهة معهما على الساحة اللبنانية، نظراً لكون هذا التوقيت يشوّش على استراتيجية واشنطن التي تعطي الأولوية الآن للتركيز على تحجيم الدور الإيراني في العراق الذي يوجد فيه الثِقل الاساس والوازن لنفوذ طهران في المنطقة، وكون واشنطن تتّجه في هذه المرحلة لإحداثِ تغييرات على مسرحه السياسي الداخلي بمساعدة السعودية التي بادرَت أخيراً إلى فتحِ حوار مع رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي في محاولةٍ لإثبات حضورٍ سعودي في بلاد الرافدين في مقابل الحضور الايراني.

وتريد واشنطن خلقَ مناخات في العراق تساعد هدفَها بتعزيز وجودها العسكري فيه، وذلك على عكس سوريا التي يدعو «البنتاغون» للاحتفاظ بقوّة محدودة فيها.

• السبب الثاني، وضمن هذا السياق، يكشف المصدر عينُه، أنّ ملفّ «حزب الله» ودوره في المنطقة، سيَحين موعد المواجهة السياسية وربّما العسكرية معه، أو تسويته سلماً، حينما يحين موعد إنجاز التفاهمات الروسية ـ الأميركية وبين الإقليميين المنخرطين في هذه العملية، حول التسوية النهائية في سوريا.

وتوجد في كلّ مِن الرياض وواشنطن فكرةٌ كان قد تمّ اطلاع جهات لبنانية عليها نهايات الشهر الماضي، ومفادُها أنّ واشنطن والسعودية ستقومان لحظة بدءِ التفاوض الدولي والاقليمي النهائي لتحديد شروط الحل النهائي في سوريا، بطرحِ فكرةٍ تفيد أنّ مِن بين عناصر ضبطِ الاستقرار في سوريا، يوجد عنصر «حزب الله» الذي بات بفعل دورِه العسكري الاقليمي، لا يشكّل فقط تهديداً للاستقرار في لبنان، بل ايضاً تهديداً للاستقرار في دول المنطقة.

وتطلب هذه الفكرة بضرورة تضمين ملف سلاح «حزب الله»، جدول اعمال البحث في الحلّ النهائي للأزمة السورية وذلك توصّلاً الى تطويق دوره في المنطقة انطلاقاً مِن إنهاء وجوده في سوريا وضبط دوره في لبنان الذي هو مركز انطلاقه نحو الأقليم.

وتكشف هذه المعلومات، أنّ هناك جهات معنية بالنقاش في ملف «حزب الله» مع السعودية، سمعت من الرياض أخيراً، تأكيدات بأنّها ستعمل مع واشنطن خلال التفاوض الدولي الجاري حالياً لإرساء الحلّ النهائي للأزمة السورية، لجعلِ بندِ ملفّ سلاح «حزب الله» ليس فقط في سوريا، بل ايضاً في لبنان، جزءاً من أيّ اتفاق دولي للحل في سوريا، وذلك تحت مبرّر انّ معالجة سلاح «حزب الله» على هذا النحو يساهم في ضبط دورِه المسلّح كمزعزع للاستقرار الاقليمي.

وثمَّة تكهُّن بأنّ إثارةَ الرياض لأزمة استقالة الحريري في هذه اللحظة تأتي في سياق رغبتِها في تسليط الضوء على دور «حزب الله» الاقليمي، في الوقت الذي تتقدّم المحادثات الاقليمية والدولية نحو الاقتراب من إنتاج شروط حلّ الأزمة السورية.

وتُراهن الرياض على أنّ دورها الراهن والمطلوب روسيّاً، في «تجميع وفدٍ موحّد ومعتدل للمعارضة السوريّة» لا يشترط بالضرورة رحيلَ الأسد، يُنتجه مؤتمر الرياض للمعارضة السورية المنعقد حالياً، سيَمنحها أوراقَ مقايضة مع موسكو تخدم فكرةَ إقناع الأخيرة بأن تقبل بجعلِ بندِ سلاح الحزب في لبنان كما في سوريا، ضمن الشروط المطلوب توفيرُها لإنتاج تسوية نهائية ومستدامة للأزمة السورية.