IMLebanon

التعديل الحكومي: هل المقصود “القوَّات”؟

كتب نبيل هيثم في صحيفة “الجمهورية”:

سمت المشاوراتُ التي أجراها الرئيس ميشال عون في بعبدا، خريطة الطريق لإعادة إحياء حكومة سعد الحريري على أسسٍ سياسيةٍ مجمَّلة بعض الشيء عن الأسس التي قامت عليها هذه الحكومةُ منذ ولادة التسوية التي جاءت بعون إلى رئاسة الجمهورية والحريري إلى رئاسة السلطة التنفيذية.الرئيس عون يأمل أن يحملَ الأسبوع المقبل مزيداً من الإيجابيات، ويشارك في ذلك الرئيس نبيه بري، وكذلك الرئيس الحريري وسائر القوى السياسية. والأجواءُ السائدة توحي بأنّ الأمور حُسِمت نهائياً لصالح العودة بالحكومة إلى الانطلاق مجدّداً على أرضية سياسية توافقية عنوانها النأي بالنفس والتأكيد على الثوابت الوطنية، وقبل ذلك تجديد التأكيد على اتّفاق الطائف كمرجعية حاكمة للنظام السياسي.

الحريري يتصرّف من موقع العائد حتماً إلى رئاسة الحكومة، وفق «شروط» طرحَها التدرّج من «التريّث» إلى استئناف دوره في موقعه على رأس السلطة التنفيذية. على أنّ اللافت في طريق عودة الحريري إلى حكومته، كان تتويجه إيجابيات مشاورات بعبدا بالتلميح إلى رغبته بإجراء تعديل حكومي و«إعادة التوازن» ، وأنه سيقرّر هذا الأمر بالتشاور والتفاهم مع رئيس الجمهورية.

بالتأكيد أنّ للحريري أسبابَه التي يعتبرها جوهرية ويصرّح بها في الوقت الذي يراه مناسباً، ولكن أمام هذا الطرح تنبري مجموعة من الأسئلة؛

التعديل الحكومي قرار كبير وقد تكون له تداعيات على اكثر من مستوى، فهل ثمة امكانية لبناء توافق سياسي حوله؟

  • مَن سيطال التعديل أو التغيير فيما لو حصل؟
  • هل سيكون محدوداً بحيث يطال فقط بعض وزراء تيار «المستقبل»، أم إنه سيكون واسعاً بحيث يشمل وزراء آخرين من قوى سياسية أخرى؟
  • هل لهذا التعديل الحكومي علاقة بتركيبة الحكومة وإعادة النظر بأحجام قوى سياسية ممثّلة في الحكومة، و«تصحيح» تمثيلها أو حصتها بحيث تُعطى حصة موازية لحجمها لا حصة أكبر منه؟
  • هل إنّ الهدف الجوهري من هذا التعديل هو إخراج قوى سياسية معينة من الحكومة؟

في الأساس، لا يبدو أنّ فكرة التعديل أو التغيير الحكومي واردة لدى الرئيس نبيه بري الذي يرفض هذه الفكرة ويحيطها بثلاث لاءات ويقول «لا، لا، لا للتعديل أو التغيير، لم أفاتح بالموضوع، بالكاد نستطيع ان نحمل بطيخة في يد واحدة وهو اعادة اطلاق الحكومة الحالية، فكيف بتعديل او تغيير حكومة».

كما انها لا تبدو واردة لدى «حزب الله» ووليد جنبلاط وسليمان فرنجية والحلفاء، وأجواؤهم حتى هذه اللحظة لا تؤشر إلى تغيير في هذا الموقف. وكذلك الأمر بالنسبة الى «التيار الوطني الحر»، برغم انّ هناك من يذكر بفكرة من هذا النوع طُرحت في أوساط «التيار» مطلع الصيف الماضي حول تعديل وزاري جزئي بين وزراء «التيار»، ومن هنا، يمكن افتراض أنّ فكرة التعديل الحكومي قد لا تكون مزعجة لـ«التيار».

وأما تيار «المستقبل»، فحتى ما قبل تلاوة الحريري لبيان استقالته من الرياض وما أحاط بها وبوضعه الشخصي من التباسات، لم تكن فكرةُ التعديل الحكومي واردة لديه. لكن الأمر اختلف الآن، ويبدو أنّ قرارَه محسوم في هذا الإتجاه وبالتأكيد أنه حدّد مجموعة الوزراء المرشحين للترحيل من حكومته.

ومن الطبيعي هنا الافتراض أيضاً أنّ هؤلاء الوزراء هم من تياره السياسي، وربما من قوى سياسية كان يعتبرها الحريري في صفّ الحليفة له في الخطّ السيادي المنتهج منذ العام ٢٠٠٥ وحتى الآن.

هنا يذهب السؤال مباشرة إلى «القوات اللبنانية»، وهل المقصود بالتعديل الذي أشار اليه الحريري، أن يأتيَ على حسابها ومن حسابها ربطاً بمواقفها خلال استقالة الحريري وبقائه «القسري» في السعودية؟

إنّ جولةً على موقف «القوات» في الفترة الأخيرة، تُظهر أنها كانت أوّل مَن بادر أواسط تشرين الاول الماضي إلى طرح فكرة الاستقالة من الحكومة على خلفية اعتراضها على ما سمّتها المحاصصات والصفقات والمحسوبية، وكذلك على أداء «حزب الله» واستفحال الخلاف السياسي بشأن العلاقة مع النظام السوري.

يومها لم يُؤخَذ تسريب فكرة أنّ وزراء «القوات» في وارد الاستقالة من الحكومة على محمل الجدّ، واعتُبر هذا التسريب أنه من باب التشويش على «القوات» والحكومة في آن معاً، خصوصاً أنّ البلد في تلك الفترة كان هدفاً مباشراً للتغريدات التصعيدية المتتالية التي كان يطلقها الوزير السعودي ثامر السبهان وتوعّده بما سمّاه آنذاك بـ«الآتي المذهل». إلّا أنّ جدّية هذه الفكرة أكّدها رئيس حزب «القوات» سمير جعجع من استراليا الشهر الماضي بقوله إنّ الاستقالة واردة.

موقف جعجع جعل التعاطي مع هذا الموقف جدّياً، ودفع الى البحث عن الأسباب الموجبة لهذا الموقف الذي اعتُبِر أنّه مرمي أصلاً في وجه شريكه في تفاهم معراب، أي رئيس الجمهورية ومن خلفه «التيار الحر»، وفي وجه الحريري الشريك الأوّل في الخط السيادي وعنوان ١٤ آذار.

هنا وجد أحد كبار المسؤولين ما اعتبره المخرَج، وقدّمه على شكل «مزحة»، إنما مضمونها ينطوي على الكثير، حيث قال: «لا تهدد بالاستقالة يا شاطر.. في غيرك برّات الحكومة ناطر». ووصلت إشاراتٌ بهذا المعنى إلى حيث يجب أن تصل.

هنا نام التسريب، وأُخرج من التداول الإعلامي، إلّا أنّ «القوات» عادت وحضرت بكل ثقلها وعبر رئيسها مباشرة يوم تلاوة الحريري بيان الاستقالة من السعودية السبت ٤ تشرين الثاني ٢٠١٧، فكان جعجع أوّل مَن رحّب، واستغرب كيف أنّ الحريري لم يستقل قبل هذا التاريخ، فما حصل في الأشهر الأخيرة لا يمكن لأحد يحترم نفسه أن يبقى في الحكومة. ثمّ أتبع ذلك بالتأكيد على أنّ ما يجري هو تعديل التسوية السياسية القائمة.

قيل هذا الكلام في الوقت الذي دخل فيه الحريري في ما باتت تُعرف بـ»التجربة الصعبة والقاسية».

شاءت التطوّرات والظروف أن يخرج الحريري من السعودية ويعود إلى بيروت، كان منتظراً أن يتمسّك باستقالته المعلنة من الرياض، ولكن حصل العكس، إذ خالف الحريري كلّ التوقعات وخصوصاً لمَن ظلّ حتى اللحظة الأخيرة مراهناً أنه سيستقيل، وأعلن تريّثه، الذي اعتُبر فور إعلانه بأنّه عودة مقنّعة عن الاستقالة.

في هذا الجوّ ظهر جلياً أنّ زجاج العلاقة بين الحريري وجعجع ومن خلفهما «القوات» وتيار «المستقبل» قد انكسر إلى حدّ الافتراق والقطيعة والكلام القاسي والاتّهامات بقلة الوفاء وكتابة التقارير، وهو أمر وصل بـ«القوات» إلى حدّ المطالبة باعتذار من تيار «المستقبل»، الذي رفض ذلك، ومجالسه وغرفه الضيّقة تعبّر عن احتقان كبير وتفيض بالكثير من التعابير القاسية والأوصاف العدائية، والعنوان الأساس في تلك الغرف هو عدم المهادنة مع من ساهم في محنة الحريري، و«البادي أظلم»، لأنّ «القوات» في نظر التيار الأزرق وجعجع تحديداً، شكّلت رأسَ حربة المحرّضين على الحريري وصبّ الزيت على نار محنته الصعبة في السعودية، وأخذت تتصرّف على أساس أنّ الحريري انتهى.

وجاء يومُ المشاورات في بعبدا، وبدا واضحاً أنّ ما آلت إليه الأمور لم يكن مرحّباً به لـ»القوات» التي وجدت نفسها تغرّد خارج سياق ما يجري طبخُه كمخرج لإعادة إطلاق حكومة الحريري بشروط جديدة.

كان واضحا أنّ ما يجري ليس تعديل التسوية على ما سبق لجعجع ان اشار اليه، لأنّ هذه التسوية التي جاءت بعون رئيساً للجمهورية والحريري رئيساً للحكومة بدا أنّ أزمة الاستقالة جعلتها أمتن وأصلب ممّا كانت عليه وهو ما يتأكّد بالدعم الدولي الكبير لها وبالاحتضان الداخلي شبه العارم لها وكذلك من التناغم والانسجام الكاملين بين عون والحريري مضافةً إليهما مشاعر ودّ وعاطفة عزّزتهما أزمة الاستقالة ومقارَبة عون لها.

وكذلك الأمر بالنسبة إلى التسوية الحكومية التي ما زالت ثابتة على ذات التوزيعة والصيغة، ويُصار حالياً إلى تحسينها ببعض «الروتوش» واللجوء إلى اللغة العربية لإيجاد صيغة مجمَّلة للحياد والنأي بالنفس. ومن دون مقاربة أيّ من العناوين الخلافية التي يتصدّرها سلاح «حزب الله».

قال جعجع كلمته في مشاورات بعبدا وحدّد ثوابته. ولم يأتِ على ذكر استقالة وزراء «القوات»، بل عدّل خطابه وأعلن صراحةً أنّ «القوات» باقية في الحكومة ولن تغادرَها. وهو موقف يتجاوز التلويح السابق بالاستقالة وكذلك موقفه من استقالة الحريري واستغرابه لتأخّرها.

إلى هذا الحدّ تدرّج موقف «القوات»، لكن المفاجأة جاءت من طرح الحريري عبر القناة الفرنسية «سي نيوز» حينما طرح رغبته بالتعديل الوزاري.

لا أحد يستطيع أن ينفي أو يؤكّد إن كانت «القوات» هي واحدة من أهداف التعديل الوزاري، سواءٌ بتحجيم حصّتها وهو ما لا تقبل به، أو إخراجها من الحكومة.

قد يكون ذلك مطلباً لخصوم «القوات» أو لمَن شعروا أنها صادرت حضورهم السياسي والحكومي. وقد يكون ذلك مطلباً لمَن شعر أنّ «القوات» وقفت في الجبهة المفاقمة لمحنة الحريري في السعودية.

هناك مَن يقول إنّ إخراج هذا الهدف التحجيمي صعب جداً مع إعادة إحياء الحكومة الحالية. وقد يدخل البلد في أزمة علاقات جدّية وخصوصاً بين مَن تربط بينهم تحالفات تفاهمات في الشارع المسيحي على وجه الخصوص.

ولكن، المؤيّدين للتعديل او التغيير يقولون في المقابل إنّ ثمّة مخرجاً بديلاً يحقق ذات الهدف ويقول بأن يذهب الحريري إلى الاستقالة، فتطير الحكومة الحالية ويُعاد تكليفه فيشكل حكومةً جديدة في وقت سريع من دون أيّ تغيير في الصورة التمثيلية والحقائبية الحالية لمكوّنات الحكومة، ولكن مع التعديل الذي يرغب به.

يبقى أنّ «القوات»، وإن صحّت فرضية أن يطالَها التعديل، ستجد نفسَها أمام خيارَين، إما التسليم والقبول بما يُرسَم لها، أو تقرّر البقاء خارج الحكومة. وهنا قد يحقق المتحمسون للتعديل غايتهم، إلا أنّ «القوات»ستحاول حتما تجيير هذا الامر لمصلحتها، بحيث تُظهر نفسَها في موقع الضحية المُفترى عليها، وهذا واقع قابل للاستثمار في الانتخابات النيابية المقبلة لعلّه يؤمّن لها مردوداً شعبياً أكثر فعالية، يوفّر لها مساحة واسعة في مجلس النواب يصعب تجاوزها.