IMLebanon

التطورات الإقليمية تسبق التسوية الداخلية! (بقلم رولا حداد)

لا يشك أي عاقل في أن أي تفصيل داخلي في لبنان يرتبط بشكل عميق بالتطورات الإقليمية والدولية المتسارعة، وهذا ليس بجديد على وطن لم يتمكن بعد من بناء دولته المستقلة بالفعل وليس بالقول، دولة تكون سيدة قرارها ولا تتبع تعليمات من هنا ولا أوامر من هناك.

هكذا كان اللبنانيون يلملمون شظايا استقالة الرئيس سعد الحريري وما تلاها، ويعملون على ترميم تسوية وُلدت ميتة يوم اعتبرها أحد أطرافها أنها تعني استسلام الفريق الآخر له، وتنصّل من كل التزامته بتحييد لبنان والنأي به عن صراعات المنطقة. وكان الترميم يحصل على قاعدة اعتبار محور إيران انتصر، وأن السعودية فشلت في مسعاها لوضع حد للتسوية الملتوية في لبنان. بهذا المنطق كان الترميم يقوم على عمليات تجميل شكلية ولفظية للتسوية القديمة، ونسي البعض أن الزمن ليس زمن إحياء الموتى. وقبل أن تكتمل فصول مسرحية البيانات اللفظية، واللبنانيون لم ينسوا بعد تنصّل “حزب الله” من “إعلان بعبدا”، حتى فاجأت التطورات اليمنية جميع المتابعين داخلياً وخارجياً.

وفي هذا السياق يمكن قراءة الآتي:

ـ حققت السعودية انتصاراً شبه كامل في اليمن مع انقلاب الرئيس السابق علي عبد الله صالح على إيران والحوثيين، ما قلب الطاولة على المشروع الإيراني في اليمن، وأراح الخاصرة السعودية بشكل كامل، وخصوصاً مع إعلان صالح انفتاحه على دول الجوار واستعداده للتعاون، ما يشير بوضوح إلى رغبته بالتعاون مع السعودية.

ـ مع الإنجاز السعودي في اليمن، وتحديداً في العاصمة صنعاء، بعد استكمال سيطرة التحالف العربي وقوات الشرعية على الأكثرية الساحقة من الأراضي اليمنية واضطرار ميليشيات الحوثي الاندحار الى بعض المناطق الجبلية، ترتاح القيادة السعودية في مفاوضاتها حول كل الملفات في المنطقة، من العراق وسوريا وصولا الى لبنان. وإذا أضفنا الانقلاب النوعي في المواقف العراقية المطالبة بحل كافة الميليشيات وتجريدها من أسلحتها، بما فيها الحشد الشعبي، وفتوى السيد علي السيستاني في هذا السياق، يتضح أن إيران تخسر المزيد من الأوراق المهمة في المنطقة.

ـ حتى على المستوى السوري لا يبدو أن أمور المفاوضات تسير بحسب ما كانت تشتهي إيران في ظل تمكن السعودية من توحيد المعارضة والإصرار على مطلب رحيل الأسد، ما جعل المفاوضات تتعثر سواء في سوتشي حيث لم تُعقد أم في جنيف.

ـ وتبقى الأنظار متوجهة إلى لبنان وترميم التسوية الحكومية، وبالتالي الرئاسية، والبيان المنتظر أن يصدر عن اجتماع استثنائي للحكومة اللبنانية لمعرفة كيف اتجاه التطورات الداخلية. والثابتة الوحيدة أن السعودية المنتصرة في اليمن، والمتقدمة في العراق، والتي حسّنت أوضاعها في سوريا، لن تقبل بأن تخسر في لبنان عبر الحصول على بيان لفظي لا يؤدِّ المطلوب منه في لجم “حزب الله”، وخصوصا بعد الهجوم العنيف لوزير خارجيتها عادل الجبير، والذي شكّل مؤشرا واضحا إلى أن السعودية لم تنسحب من الملف اللبناني، لا بل تصرّ على عنوان سحب سلاح “حزب الله” لتستعيد الدولة اللبنانية هيبتها وحضورها.

السؤال البديهي: أي تسوية بعد كل ذلك؟ الثابت أن التطورات الإقليمية سبقت التسوية الداخلية والتي باتت تحتاج لأن تقوم على أسس جديدة ومختلفة بالكامل، والأيام القليلة المقبلة ستتكفل بإيضاح الصورة.